في كانون الثاني/يناير 2023، أعلن وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي، أنّ مشروع القانون الجنائي الجديد سيتضمّن عقوبات جديدة مشدّدة تستهدف مروجي الأخبار الزائفة على وسائل التواصل.
في ذلك الحين، دافع الوزير وهبي على تطبيق القانون الجنائي على كلّ ما يُنشر في شبكات التواصل في حالة التقاضي، بدلاً من قانون الصحافة والنشر الذي لا يتضمّن عقوبات حبسية، منوّهاً بحكم قضائي صادر مؤخراً عن محكمة النقض يذهب في هذا الاتجاه.
ولكنّ ذلك يُعتبر “تحايلاً على الدستور والقانون”، حسبما يرى نقيب المحامين ووزير حقوق الإنسان الأسبق محمّد زيّان، والمسحون حالياً على خلفية محاكمة سياسية، وفق قوله لـ “سمكس”.
جاء كلام الوزير وهبي بعد محاولة الحكومة السابقة فرض القانون رقم 22.20 بشأن “استخدام مواقع التواصل الاجتماعي أو شبكات البث المفتوحة أو الشبكات المماثلة”، والذي تمّ سحبه بفعل المعارضة الواسعة التي لقاها من قبل مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي وبعض المنظمات الحقوقية.
قانون تكميم الأفواه
في 19 آذار/ مارس 2020، وفي عزّ انشغال المغاربة بجائحة كورونا، وافق مجلس الحكومة على مشروع القانون رقم 22.20 الذي حاول فرض قيود مشدّدة على مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي تتضمّن عقوبات سالبة للحريّة.نصّت المادة رقم 14 من مشروع القانون على “الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 5 آلاف درهم (حوالي 500 دولار) إلى 50 ألف درهم (حوالي 5 آلاف دولار) أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، من قام عمداً عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو عبر شبكات البث المفتوح أو عبر الشبكات المماثلة بالدعوة إلى مقاطعة بعض المنتوجات أو البضائع أو الخدمات أو القيام بالتحريض علانية على ذلك”.
المفارقة أنّ هذه المادة أُدرجَت بعد أقلّ من سنتين على انطلاق حملة مقاطعة منتجات ثلاث شركات رئيسية في مجال المحروقات والحليب والماء، احتجاجاً على غلاء الأسعار. كبّدت حملة “مقاطعون” التي أُطلقت في البداية على “فيسبوك”، ثمّ انتشرت فيما بعد على “تويتر” و”يوتيوب” في عام 2018، خسائر مالية كبيرة للشركات المستهدفة، منتقدةً تداخل المال والسياسة بالتركيز أساساً على شركة “أفريقيا” للوقود والغاز التي تعود ملكيّتها إلى رئيس الحكومة الحالي، عزيز أخنوش، المعروف بقربه من القصر الملكي والشهير بعبارة “يجبُ إخضاع المغاربة للتربية من جديد”.
تضمّنت أيضاً المادة 16 من مشروع القانون معاقبة كلّ “من قام عمداً عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو عبر شبكات البث المفتوح أو عبر الشبكات المماثلة بنشر أو ترويج محتوى إلكتروني يتضمن خبراً زائفاً” بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وغرامة من ألف إلى 5 آلاف درهم (من 100 دولار إلى 500 دولار). ولم تُعرِّف المادة مفهوم “الخبر الزائف” بدقّة، الأمر الذي قد يؤدّي إلى استخدامها من قبل السلطات لإسكات الصحافيين/ات والمدافعين/ات عن حقوق الإنسان المنتقدين للسلطة، وفقاً لتقرير منظمة “المادة 19” (Article 19) ومنظمة “مِنّا لحقوق الإنسان” (MENA Rights Group).
ترى “منظمة العفو الدولية” أنّ السلطات المغربية استغلّت جائحة كورونا للتضييق على الحريات وتقييد الفضاء الإلكتروني عن طريق محاولة إقرار هذا القانون. وتكون المغرب بذلك حذت حذو الجزائر التي أدخلت في نيسان/أبريل 2020 تغييرات على قانون العقوبات تتعلّق بمواجهة “الأخبار الكاذبة” الهادفة إلى المس بـ”الأمن العمومي”، إذ يُعاقب على ذلك بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، ودفع غرامة قد تصل إلى 300 ألف دينار جزائري (حوالي 2,322 دولاراً). ويجدر بالذكر أنّ الحكومة المغربية حاولت في عام 2013 إقرار قانون “المدوّنة الرقمية” الذي هدّدت مضامينه حريّة الرأي والتعبير، لكنّها تراجعت عن ذلك بعد الحملة الشعبية الواسعة الرافضة لصدوره.
وزارة الداخلية: مؤسّسة غير قابلة للنقد
حذّر وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت في كانون الأول/ ديسمبر 2022 من المسّ بسمعة الولاة والعمّال وموظفي وأطر الوزارة من قبل مستخدمي/ات شبكات التواصل، متوعّداً بالمتابعة القضائية لكلّ من ثبت عليه ذلك. يعتقد لفتيت أنّ الانتقادات الموجهة لكبار موظفي وزارة الداخلية تهدف إلى “تبخيس عمل المؤسسات الدستورية للملكة”.
جاء حديث وزير الداخلية في سياق تبعه تصاعد القمع واستهداف المدوّنين/ات في المغرب. ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 اعتقلت السلطات وزير حقوق الإنسان الأسبق محمّد زيّان (80 سنة) من وسط مكتب محاميه بالعاصمة الرباط، بعد إدانته بالحبس النافذ لمدة ثلاث سنوات، على خلفية دعوى قضائية أقامتها ضده وزارة الداخلية. عُرف زيّان بانتقاده للأجهزة الأمنية والقصر الملكي على منصّتي “يوتيوب” و”فيسبوك“.
في السياق ذاته، اعتقل الأمن المغربي المدوّن ياسين بن شقرون في كانون الثاني/يناير 2023 بتهمة “إهانة هيئة نظمها القانون وإهانة مؤسسات دستورية وتحقير مقررات قضائية”، وذلك على خلفية تدوينات نشرها على حسابه بموقع “فيسبوك” انتقد فيها الملك وأجهزة الأمن. أدين بنشقرون بالسجن النافذ لمدة سنتين وغرامة مالية قدرها 50 ألف درهم (حوالي 5 آلاف دولار). وفي شباط/ فبراير 2023، أدانت محكمة الاستئناف بالرباط الناشط رضا بنعثمان – المعروف بدفاعه عن الحقوق الرقمية – بالحبس النافذ لسنة ونصف على خلفية نشره تدوينات على موقع “فيسبوك” ومقاطع فيديو على “يوتيوب”، انتقد فيها السلطات في سنة 2021.
ضريبة على صنّاع المحتوى في يوتيوب
أعلن مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة في أيار/مايو الماضي، عن عزم الحكومة فرض ضرائب على أصحاب القنوات على “يوتيوب”، معتبراً أنّ ” كل نشاط يترتّب عليه مدخول يجب أن يقدّم مساهمة لخزينة الدولة”.
ومن شأن هذا القرار أن يؤثّر على مجموعة من الناشطين/ات والصحافيين/ات الذين صاروا يستخدمون منصة “يوتيوب” لتمويل مشاريعهم الإعلامية، في ظلّ الخناق المالي المفروض على الصحف والمواقع المستقلة من قبل السلطة، إذ لا تتمتّع الأخيرة بالإشهار أو الدعم العمومي. هذه الضغوط الاقتصادية عبر حجب الإشهار والخنق الاقتصادي، تستخدمها السلطات المغربية إلى جانب القضاء “لتصفية الصحافة المستقلة”، كما يقول أبو بكر الجامعي، الصحافي ومدير برنامج العلاقات الدولية في “المعهد الأمريكي الجامعي في إيكس أون بروفونس”، في حديث صحافي. دفع الأمر ببعض الصحافيين/ات إلى منصة “يوتيوب” لتمويل مشاريعهم الإعلامية ذاتياً، كما حدث مع الصحافي حميد المهدوي الذي أعلن أكثر من مرّة أنّه يعتمد على أرباح قناته في “يوتوب” لتمويل موقع “بديل” الإخباري، أحد أبرز المواقع الصحفية المستقلة في البلاد.
وتشير الإحصائيات أنّ عدد مستخدمي/ات الإنترنت في المغرب بلغ في بداية كانون الثاني/يناير الماضي 33.18 مليون مستخدم. ويصل عدد مستخدمي “فيسبوك” في المغرب إلى نحو 17.30 مليوناً، فيما يبلغ عدد مستخدمي “يوتيوب” 21.30 مليوناً.
تزامَنَ توجّه الحكومة الجديد مع تواصل النقاش بشأن طبيعة مواد القانون الجنائي المعدّل المتعلقة بـ”تنظيم” استخدام شبكات التواصل، في ظلّ تحفظ الحكومة على نشر نصوص هذه المواد، رغم إعلان وزير العدل في كانون الثاني/ يناير 2023 عن موعد نشرها في شباط/ فبراير 2023.
وربما يعود هذا التأخير لتوجّس الحكومة من الاحتجاجات التي قد ترافق صدور مواد قانونية تحد من حريّة التعبير على الإنترنت وتنمّي الرقابة الذاتية لدى المواطنين. فمن المعلوم أنّ الحكومات السابقة لم تستطع إقرار مشروع قانون “المدونة الرقمية” في عام 2013، بعد نجاح حملة “#عصيان_الكتروني” في توقيف صدوره؛ ثمّ مشروع قانون رقم 22.20 في عام 2020.