بيروت، لبنان، 17 نوفمبر 2022، في إطار النسخة الخامسة من ملتقى “خبز ونت” 2022 والتي عقدت في بيروت من 15 إلى 17 نوفمبر/ تشرين الثاني، بعد غياب أكثر من عامين بسبب جائحة “كورونا”، عقدنا جلسة نصف وجاهية ونصف اونلاين، شارك فيها كل من منسق برامج في مؤسسة البوصلة، هيثم بنزايد، و رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية في تونس، شوقي قداس، والباحثة والمستشارة في شمال أفريقيا في التقاطع بين التكنولوجيا والإعلام والعمل، يسر الجويني.
أدار الجلسة شريف القاضي، وهو محلل سياسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في أكسس ناو، وشمل موضوع الجلسة مشروع الهوية البيومترية في تونس.
منذ عام 2016، كانت السلطات التونسيّة تتشاور لاعتماد قانون جديد للهويّة البيومتريّة، بتطبيق هذا التشريع سيتعيّن على كلّ تونسي يفوق عمره 15 عامًا تزويد وزارة الداخليّة ببصمات الأصابع وصورة بيومترية له، على أن تجمع المعلومات الحساسة لكافة السكان في قاعدة بيانات بيومترية لغرض تحديد الهويّة و”الإدارة الإلكترونيّة”.
في شهر كانون الثاني/يناير من العام 2022، أصدرت وزارة الداخليّة بياناً أعلنت فيه خططاً لـ”استئناف إطلاق مشروع جوازات السفر البيومتريّة وبطاقات الهويّة والإسراع في تنفيذه”. لم تقدم الوزارة نسخة من مسودة القانون الذي سيصدر في شكل مرسوم رئاسي، على الرغم من تنظيمها ورشة تفاعلية مع منظّمات المجتمع المدني كردٍّ على إصدار بيان مشترك من طرف هذه المنظمات تدعو فيه إلى عدم اعتماد المشروع.
أثارت الصيغ السابقة لمسودة القانون، والتي كانت عرضة لانتقادات شديدة من المجتمع المدني وهيئة حماية المعطيات الشخصية، مخاوف جديّة بسبب الأحكام الغامضة وافتقارها شفافيّة. فعلى سبيل المثال، لم تقدّم أيّ من المشاريع السابقة معلومات حول مكان ومدة تخزين البيانات البيوميتريّة ومن يمكنه الوصول إليها وكيف سيجري التعامل معها وحمايتها. طرحت منظّمة “أكسس ناو” والمجتمع المدني التونسي هذه الأسئلة مراراً وتكراراً في السنوات الأخيرة، إلا أن السلطات التونسيّة لم تقدّم أيّ إجابات.
تستعرض هذه الجلسة مشروع القانون الخاص بالهويّة البيومتريّة الخطير وتنظر في سبب تحذير المجتمع المدني وهيئة حماية المعطيات الشخصية منه، كما تسلّط الضوء التهديدات الجدية للحق في الخصوصيّة وحماية البيانات الشخصيّة وحقوق أساسيّة أخرى في ظل وضع سياسي استثنائي، حيث تدار البلاد عبر المراسيم الرئاسية غير القابلة للطعن وفي غياب برلمان يحقق توازناً مع السلطة التنفيذية.
بدأت الجلسة بنبذة تاريخية عن المشروع، إذ قال بنزايد: “تابعت منظمة البوصلة في مجلس النواب مسار هذا القانون الذي مر بالعديد من المراحل بدءاً من 2016 وصولاً إلى فترة حلّ البرلمان التونسي، كان للمجتمع المدني آراء مختلفة في عدم وجود حاجة لإنشاء بطاقة بيومترية أهمها حرصه على عدم تحويل هذا القانون الذي يسهل حياة المواطن ويخفف الإجراءات الإدارية إلى أداة تجسس وقمع والتعدي على معلوماتهم الشخصية.
كان موطن الخلاف الأساسي على هذا القانون، بحسب بنزايد، هو إنشاء قاعدة بيانات الهوية البيومترية وعدم وجود ضمانات لكونها معطى تقني كما روجت وزارة الداخلية، في حين أن هذه الأخيرة قامت في بداية 2022 بخطوة منتظرة من المجتمع المدني ولكن بطريقة مختلفة، عندما أعلنت أنها ستعود لهذا القانون ولكن بشكل اسوأ.
انضمّت منظمة البوصلة إلى جلسات المناقشة، وخرجت بوثيقة بعدما اطلعت على مشروع القانون، وأعلنت عن موقفها منها؛ إلا أنّ الغريب في الأمر كان عدم استعداد الوزارة لتقديم نسخة من القانون الجديد بعد 25 تموز/ يوليو، كما لم يدعُ البرلمان الهيئة (التي يجب أن تقدم رأيها) إلى جلسة نقاش هذا القانون.
وتتمثل المخاوف من القانون بالقدرة على التعرف على أي شخص عن بعد من قبل الحكومة، وإنجاز قاعدة البيانات البيومترية.
استفسر مدير الجلسة حول كيفية وجود هيئة من هيئات الدولة ولكنها تعارضها في نفس الوقت؟ فأجاب قداس أنّ الديمقراطيات ترسي هياكل مستقلة بجانب هياكل الدولة، تبدو كأنها تابعة للدولة ولكنها في الواقع مستقلة ولها آراؤها الخاصة.
ويضيف قدّاس أن هناك مشكلة أخرى وهي تعدد المسائل المطروحة، مثل حق الشخص في الوصول إلى بياناته الشخصية الموجودة في البطاقة، ما يتناقض مع المسودة الأولى التي نصّت على أن “كل شخص يحاول الوصول إلى المعطيات المشفرة في البطاقة يعاقب بالسجن 5 سنوات”، “قلنا أن هذا غير معقول، وحسب القانون من حق الشخص النفاذ لهذه البيانات وتتم تسليمه الطرق التقنية للنفاذ إلى هذه البيانات وطرق الدخول للبطاقة”.
لا مجال لتكوين قاعدة بيانات بيومترية للمواطنين/ات، بحسب قداس، الذي يعتقد أنه “ينبغي جمع المعطيات البيومترية وحفظها على وسيط مدمج بالبطاقة الشخصية، ويجب الاحتفاظ بالهوية البيومترية بأجل لا يتجاوز 90 يوماً من تخزين الوثيقة”، ذاكراً تجارب دول أخرى في السياق نفسه/ مثل الفصل 81 من قانون البرتغالي.
وانتقل ميسّر ليعطي الحديث إلى يسر الجويني، التي قالت بدورها أنه وعلى الرغم من أنّ التكنولوجيا أصبحت وسيلة لتسهيل حياة المواطنين/ات، إلا أنّها باتت تستخدم أيضاً لإقصاء المواطنين، مشيرة إلى أنّه يجب فهم العلاقة بين كيفية استخدام هذه البيانات وحقوقنا.
“هل لدى تونس أيّ نية في تعديل التشريعات الموجودة احتراماً لمبدأ سيادة المواطنين/ات على حقوقهم/ن، واحترام قانون المعطيات الشخصية؟ يجيب بنزايد على هذا السؤال قائلاً إنّ “آخر هموم الحكومة هو حماية البيانات الشخصية، والتوجه الحالي هو نحو تشديد العقوبات أكثر من أي شيء آخر، إذ أن التناسب بين الجريمة والعقاب أصبح غائباً، فضلاً عن تمرير الدولة لعناوين مبهمة داخل القوانين تمهيداً لبعض الأعمال والمصالح التي تنوي تحقيقها”.
في نهاية الجلسة، وجّه القاضي سؤالاً ليسر الجويني عمّا يمكن فعله لجعل منظمات التعريف الرقمية تحترم حقوق الفئات المهمشة، فأجابت: “بعيداً عن النظرة الحقوقية للمشروع، إنّ وجود بيانات شعب بأكمله في مكان واحد تعني أنها عرضة للاختراق”، ومرّت على نموذج دولة استونيا التي واجهت خرقاً من هذا النوع.
واختتمت الجويني حديثها في إشارة إلى أهمية الانتباه إلى كيفية تعامل الأجهزة الأمنية مع المعلومات المخزنة، إذ يجب أن يكون هناك سياسات واضحة للدولة لكي يتمكّن المواطنون/ات من الوثوق في حكوماتهم/ن.