لا يزال الإطار القانوني للخصوصية وحماية البيانات في لبنان ضعيفاً أو غير معمول به كما يجب، ولا يُعتنى بالأمن السيبراني سوى بالحد الأدنى أو يُتجاهل كليّاً، وكلّ ذلك وسط تجاهل لحقوق المواطنات والمواطنين. نواصل في منظمة “سمكس” مراقبة هذه المسائل عن كثب، ونسعى الآن إلى توسيع نطاق عملنا كمرصد لحماية بيانات المواطنين الرقميّة على منصّات المؤسسات العامة والخاصّة اللبنانية.
قبل أزمة جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19)، تعرّض لبنان لحملات تجسّس حكوميّة، ومساعٍ ومخطّطات رسميّة لجمع بيانات الهاتف المحمول الخاصة بالمواطنين، فضلاً عن مخطّطات أخرى لجمع البيانات تبدأ من الهويّة الرقمية وتصل إلى حدّ ضبط الأجهزة.
بالإضافة إلى ذلك، يعاني لبنان من ضعف الإطار القانوني لحماية البيانات الشخصية. ففي العام 2018، أقرّ مجلس النواب اللبناني القانون رقم 81/2018 حول المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي، إلا أنّ هذا القانون الناقص قد يركّز – عند تطبيقه – الصلاحيات في يد السلطة التنفيذية ممثلّة بوزارة الاقتصاد والتجارة. ومع ذلك، فإنّ هذه الوزارة التي تُعتبر السلطة المسؤولة عن حماية البيانات بحكم الأمر الواقع، لا تمتلك الإمكانيات اللازمة لتولّي المسؤوليات الجديدة التي ينصّ عليها القانون.
أحدثت الجائحة تغييرات جوهرية في كيفيّة تفاعل المستخدِمين مع بعضهم البعض ومع الإنترنت، والأهمّ أنها فتحت الباب أما الكثير من المبادرات شبه العامّة، في قطاعات الصحّة والتعليم والبيئة وغيرها. ومع ذلك، لا تزال التحديات والتهديدات على حالها على الصعيدَيْن القانوني والعملي، مما يهدّد بيانات الناس في لبنان.
في 1 أيلول/سبتمبر 2020، أطلق لبنان تطبيق “معاً ضدّ الكورونا” لتتبُّع مخالطين مرضى كورونا والإبطاء من تفشي الفيروس. وبعد أشهر قليلة، أطلق “التفتيش المركزي”، وهو هيئة رقابية تابعة لرئاسة مجلس الوزراء اللبناني، “منصة البلديات المشتركة للتقييم والتنسيق والمتابعة” (IMPACT) بالشراكة مع شركة خاصّة. وتهدف منصّة “إمباكت” إلى تحقيق أهداف ثلاثة: تسجيل وتتبّع المسافرين الوافدين إلى لبنان؛ وطلب أذونات مغادرة المنزل خلال فترات الإغلاق التام؛ والتسجّل لأخذ اللقاح المضادّ لفيروس كورنا.
وفي إطار رؤيتنا ومهمّتنا لتعزيز الخصوصية والحقوق الرقمية، كنا وما زلنا نتابع عن كثب معظم التطبيقات والمواقع الإلكترونية التي تطلقها الحكومة أو القطاع الخاص، من أجل ضمان سلامة هذه الأدوات وخصوصيتها وأمنها، إلى جانب تقديم النصائح في مجالَي التكنولوجيا والسياسات إلى أصحاب المصلحة وإبلاغ عامّة الناس بهذه الجهود.
على سبيل المثال، بعد نشر تحليلنا عن تطبيق “معاً” الذي أطلقته وزارة الصحّة العامة، أبدت الأخيرة قدراً كبيراً من التجاوب فطبّقت بعض التوصيات التي قدّمها فريق الأمن لدينا. ولكنّنا نعمل حالياً على تحليل ثانٍ للتحقّق علناً من التحديثات والعيوب الأخيرة في تطبيق تتبُّع أثر المخالطين الرسمي. كذلك، عندما أطلق “التفتيش المركزي” منصّة “إمباكت”، شدّدنا على ضرورة نشر سياسة خصوصية مكرّسة لجميع الخدمات باللغتَيْن الإنكليزية والعربيّة، وهو ما تجاوبت معه “إمباكت” على الأثر.
في الوقت الحالي، وبعد التخفيف من التدابير المفروضة لمكافحة جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) وبروز مخاوف وأسئلة حول البيانات التي جُمعَت خلال فترة الاستجابة للجائحة، بما في ذلك سلامة السيرفرات التي تستضيف هذه البيانات، بتنا نواجه تحدّيات جديدة ومختلفة. ولهذا، نحن مستعدّون لمساعدة التطبيقات والمواقع الإلكترونية الجديدة التي تسعى إلى تعزيز خصائص الأمن والسلامة لديها، وسنوسّع نطاق عملنا – بالشراكة مع “مؤسسة فريدريش ناومان” (Friedrich Naumann Foundation) في لبنان وسوريا – لإنشاء مرصد لحماية خصوصية المواطنين/ات الرقميّة على منصّات الحكومة اللبنانية.
ترقّبونا!