نجحت توصية هيئة الشراء العام في فرملة الاندفاعة التي أبدتها شركة “ألفا”، أحد مشغلي الاتصالات المملوكة للدولة في لبنان، في السير بعقد مباشر كانت تحضّر له من دون مزايدة مع “شركة سيول” (Suyool app) التي تتعاطى بتحويل الأموال، وسط رفض وزير الاتصالات جوني القرم الذي يقول إن مثل هذا الالتزام لا يخضع لقانون الشراء العام.
في 7 شباط/فبراير، قال القرم في حديث صحافي إنّه صرف النظر عن الموضوع، في حين تشير مصادر في قطاع الاتصالات إلى أنّ الوزير “قد يكون الآن يهندس دفتر شروط على قياس الشركة، لا سيما بعد الكشف عن أخبار عن طلب القرم من شركتي الاتصالات إطلاق مزايدة عامة بأسرع وقت ممكن”.
وفي الوقت نفسه، أفادت معلومات لـ”سمكس” عن توجّه شركة “تاتش” إلى إعداد دفتر شروط يتعلق بمزايدة لتقديم الخدمة نفسها لمشتركيها، في ما تصفه المصادر “بمحاولة من تاتش لتلميع صورتها بعدما طلب ديوان المحاسبة منها فسخ العقد مع شركة “إن موبايلز” (INMOBILES) لخدمة “تلقّي العملاء رسائل من التطبيقات العالمية” (A2P).
من هي “سيول” التي تريد “ألفا” تسليمها خدمة المحفظات الرقمية؟
شركة “سيول” هي شركة لتحويل الأموال ظهرت منذ ستة أشهر على الساحة اللبنانية وسط طفرة في شركات تحويل الأموال التي ظهرت لتحلّ بديلاً عن المصارف المتعثرة في لبنان.
و”سيول” هي شركة حديثة العهد سُجّلت في لبنان قبل 6 أشهر فقط، ويرأسها أرز المرّ، صاحب موقع “النشرة” والذي يدير في قبرص شركة SKASH المُرتبطة بـ”أسترو بنك” (ASTRO BANK) الذي يشارك فيه رجال أعمال لبنانيون.
ومع ذلك، ينفي مصدر في قطاع الاتّصالات أن تكون “ألفا” قد وقّعت أيّ اتفاق بالتراضي أو عبر مزايدة مع شركة “سيول”، لخدمة المحفظات الرقمية (E-WALLET)، قائلاً: “لا نملك في الوقت الراهن أي قدرات تقنية ومعنوية ومالية لإطلاق هذه الخدمة التي بحاجة إلى رخصة من مصرف لبنان”.
أمّا عن تلزيم الخدمة لشركة خاصة، يقول المصدر لـ”سمكس” إنّ “القطاع شهد محاولة لتفعيل هذه الخدمة لم تبصر النور، والآن فإنّ الطريقة الأسرع هي التعاقد مع شركة تتوافر فيها كل الإمكانيات لتحقيق استفادة للزبائن”.
ذريعة عدم توافر الإمكانيات التقنية والمالية وزارة الاتصالات في لبنان هي ما يتحجّج به وزير الاتصالات للجوء إلى شركات خاصة مع ما يترتّب على ذلك من مردود مالي محدود لشركات الاتصالات والدولة. وبالتالي، يتساءل خبير في قطع الاتصالات تحّدث مع “سمكس” وفضّل عدم الكشف عن سمه “لماذا لا تقدّم شركتا الاتصالات في لبنان خدمة المحفظات الرقمية سواء من خلال استحداث دائرة مع غرفة عمليات (ما يعرف باسم PAY CENTER)، أو من خلال تأسيس شركة مملوكة مئة بالمئة من قبل المشغلين؟”.
ماهي المحفظات الرقمية؟
خدمة المحفظات الرقمية (E-WALLET) هي خدمة تقوم على تطبيق يُمكن تثبيته على هواتف المستخدمين، بحيث يفيدهم في عمليات الدفع وتحويل الأموال من مُستخدم إلى آخر، عن طريق حسابات مدفوعة مُسبقاً، أو حسابات تُغذّى بدفعات تصل إليها. ويمكن سحب هذه الأموال في أي وقت يرغب به المستخدم، أو تحويلها إلى حسابات لدفع الفواتير أو الحصول على خدمات أو شراء الحاجات عبر المتاجر الإلكترونية.
في وقت باتت هذه التطبيقات جزءاً لا يتجزّأ من الحياة اليومية حول العالم، برز هذا النوع من التطبيقات في لبنان في الفترة الأخيرة في ظلّ انهيار القطاع المصرفي كبديل عنه لتسهيل عمليات الدفع الإلكتروني.
يقدّم معظم دول العالم هذه الخدمة عبر مشغلي شركات الخلوي مباشرة، ومنها دول في المنطقة كالعراق التي بدأت بها منذ العام 2016 مع شركة الاتصالات “آساسيل” (Asiacell)، أو خدمة “زين كاش” من شركة “زين” للاتصالات؛ ومصر مع خدمة “اتصالات كاش”، وغيرها.
ثراء مجاني للشركات المُستثمرة
يتذرع وزير الاتصالات بحجج عدة، وقال في تصريحات صحافية عدة ، إن المشروع غير قابل للتطبيق من قبل شركتي الإتصالات، وقال أنه لم يتقدم بأي طلب إلى مصرف لبنان للحصول على رخصة، وتطبيق الأمر ليس بالمسألة السهلة لعدة اعتبارات منها تحويل “ألفا” و”تاتش” وتحويل كل منهما إلى شركة مالية وإصدار رخصة من مصرف لبنان، وإجراء مناقصة لشركة تقدّم برمجية المحفظات الرقمية، وتوظيف متخصصين بالأمور المالية لمتابعة آلية الدفع، مما يرتّب مصاريف ثابتة لإنجاح هذا المشروع. ويضيف الوزير إنّ مشروع المحفظات الرقمية لا نستطيع الاستفادة منه إلا في شركتي “ألفا” و”تاتش”، مشيراً إلى أنّ النتيجة غير مضمونة.
يعارض الخبير في الاتصالات الحجج التي تضعها “ألفا” و”تاتش” ووزير الاتصالات، معتبراً أنّها “غير منطقية وغير قانونية وتقوم فقط على الزبائنية. “من السهل الشروع بالخدمة بعد الحصول على ترخيص من مصرف لبنان، ومن ثم التعاقد مع الشركات لتأمين الـبرمجية وتزويدها بالبرامج المطلوبة لإدارة هذا النوع من الخدمات دون القيام باستثمارات ضخمة أو مُكلفة”، يشرح الخبير.
ويتساءل الخبير، “هي ليست المرة الأولى التي تتخلى بها الشركات المشغلة للقطاع عن القيام بدورها، ولجوئها إلى الخصخصة وتخليها عن هذه الخدمة سيؤدي حكماً إلى هدر المال، وإثراء الشركات المُستثمرة على حساب جميع المواطنين”.
ستحصل شركات التحويل المالية على ملايين المستخدمين مجاناً من “ألفا” و”تاتش”، بينما لن تحصل شركتا الإتصالات إلا على عمولة محدّدة لم تعرف نسبتها، يشرح الخبير: “الشركة المستثمرة ستحقق أربحاً مباشرة وغير مباشرة بحكم حصولها على داتا أكثر من 4 ملايين مشترك من الشبكة، وستستفيد من سوق الإعلانات الكبيرة هذه؛ وهذا يشكّل خطراً إضافياً يتمثّل في مشاركة بيانات المستخدمين مع أطراف ثالثة وخرق خصوصيتهم”.
متابعة نيابية
في 27 كانون الثاني/يناير، تقدّم النواب بولا يعقوبيان وإبراهيم منيمنة، وياسين ياسين، ونجاة صليبا، بسؤال إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الاتّصالات جوني القرم حول خدمة المحفظة الإلكترونية عبر شركتي الاتّصالات “تاتش” و”ألفا”.
وحتّى الآن، لم يجب وزير الاتصالات على السؤال سواء للجنة، أو لهيئة الشراء العام، متجاوزاً مهلة الـ15 يوماً بالأصول القانونية. وفي حال لم يصل الرد من الوزير، سيلجأ النواب إلى مجلس ديوان المحاسبة للقيام بالاستجواب المناسب، كما يمكن للجنة الإتصالات النيابية أن ينبثق منها لجنة تقصي حقائق لإجراء المقتضى اللازم، وهذه صلاحية لم تسخدمها لجنة الاتّصالات من قبل، وفق ما يقول النائب ياسين.
يشرح النائب ياسين، في حديث لـ”سمكس”، أنّ ثمّة تفريغاً متعمّداً لأصول الدولة في قطاع الاتّصالات، مشيراً إلى خمس ملفات حالية هي البريد، وخدمة الـA2P، وستارلينك، و الأمن السيبراني للدولة اللبنانية، وآخرها موضوع المحفظات الرقمية”.
يدحض النائب ياسين عدم تمكّن شركتي الخليوي من الحصول على رخصة من مصرف لبنان تخولها التعامل بالعملة الإلكترونية، قائلاً: “اجتمعتُ مع حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري الذي أشار إلى أنّ المصرف المركزي يمكنه الترخيص لشركتي الهاتف، وبسرعة، لأنّهما مملوكتان من الدولة.”
يتحدث ياسين عن شكوك بوجود نية لدى وزير الاتصالات بخرق قانون الشراء العام التي تلتزم شركتا الخلوي بتطبيقه كونهما مملوكتان من الدولة، و”ما يعزّز ذلك هو استئثار الوزير بالقرار وجنوحه الواضح لاختزال مجلس الإدارة المستقلين بشخصه عوضاً عن الالتزام بدور وزارته باعتبارها سلطة وصاية على القطاع”.
على سبيل المثال، في ملف المحفظات الرقمية دفعت هيئة الشراء العام بتوصية إلى شركتي الخليوي بتقديم الخدمة مباشرة من خلال الحصول على التراخيص اللازمة من مصرف لبنان، وتهيئة الهيكل الإداري والتنظيمي اللازم. وبذلك، يضيف النائب ياسين، “تحصل الشركتان على كل المداخيل الناتجة عن هذه الخدمة بدلاً من الاكتفاء بالحصول على نسبة مئوية منها، كما تحميان بيانات المشتركين، وإن احتاجت شراء خُبرات للقيام بهذه الخدمة يكون ذلك وفقاً لقواعد قانون الشراء العام وأحكامه”.
يؤكّد ياسين أنّ القدرة التقنية والفنية موجودة لدى الموظفين في الشركتين، “إذ من غير المقبول القول إنّ الشركتين اللتين تحويان 1400 موظف لا تستطيعان القيام بعملهما”، متسائلاً “لماذا لا تلجآن إلى تعزيز دور الموظفين وإخضاعهم لتدريبات تقنية تؤهّلهم لتقديم الخدمات بدلاً من خصصتها؟”.
يتطوّر قطاع الاتّصالات باستمرار، ما يحتّم علينا في لبنان تطويره بصورة يومية بدل تهميش دوره وهدر المال العام. أمّا “نهج التفرّد بالقرارا الذي يتعمّد وزير الاتصالات السير به، سيكون موضوع ملاحقة دائمة”، يختم ياسين.
الصورة الرئيسية من أ ف ب.