تمّ نشر هذا المقال على موقع الجمعية الأردنية للمصدر المفتوح بتاريخ 16 كانون الأوّل/ديسمبر 2016، بقلم رئيس الجمعية، عيسى المحاسنه، بعد تصويت هيئة الاتّصالات الفدرالية الأميركية يوم الخميس 14 كانون الأوّل/ديسمبر 2017 لصالح إلغاء حيادية الشبكة. تمنع حيادية الإنترنت، أو حيادية الشبكة، مزوّدي خدمة الإنترنت بالتدخّل في تجربة المستخدمين/ات على الويب من خلال تحديد ما يمكن، أو لا يمكن، للمستخدمين/ات الوصول إليه، أو نشره، أو تداوله.
في عام 2015، اعتمدت إدارة باراك أوباما مجموعة من القوانين نظّمت سلوك الشركات المزودة لخدمة الإنترنت، باعتبارها مرافق عامة تخضع لقواعد تنظيمية تلزم التعامل بحيادية تامة مع المحتويات الرقمية العابرة عبر شبكتها، دون تفضيل لخدمة أو موقع إلكتروني على آخر. ولكن الآن، تتوارى هذه القواعد المبنية على مبدأ «حيادية الشبكة» لتصبح جزءًا من الماضي إثر تصويت هيئة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية لصالح إلغاءها يوم الخميس.
تعتبر التعليمات المنظِّمة لعمل مزوّدي خدمة الإنترنت وطنيّة ومستقلّة، أي أنّ كلّ دولة تضع القوانين التي تراها مناسبة وتُلزمها على الشركات المرخَّصة لتقديم خدمة الاتصالات ضمن حدودها. بالتالي، لا أثر قانونيًا مباشرًا على قرار مثل هذا يُطبَّق في الولايات المتحدة الأمريكية، ولا سلطانَ له على دولة كالأردن.
إلا أنه ما لا يمكن إنكاره، هو أن الأضرار الناتجة عن إلغاء «حيادية الشبكة» في الولايات المتحدة ستُلقي بظلالها على «صحة الإنترنت» عالميًا. وعلينا –كمستخدمين للإنترنت في الأردن– أن نهتمّ بهذا القرار ليس فقط لأنه قد يكون مصدر إلهام محتمل لصانع القرار الأردني، وذلك بسبب الدور المركزي للسياسات الأميركية في تنظيم شبكة الإنترنت، بل لأنه يشكّل تغييرًا عميقًا في ديناميات السوق الذي سيؤثر سلبًا على الإنترنت عالميًا ومحليًا بشكل قد لا يمكن إصلاحه مستقبلًا.
ولعل أبرز ما في ذلك، هو التوجّه العالمي من قبل شركات الاتصالات على تقييد أو التحكم بالخدمات المتاحة بحرّية على الإنترنت (OTTs)، مثل خدمات المكالمات على الإنترنت (واتساب وسكايب وغيرهما) أو خدمات الفيديو (مثل نتفلكس ويوتيوب)، والمطالبة إما بتنظيمها أو باعتبارها خدمات مضافة منفصلة عن خدمة الإنترنت. وهذا ما رأيناه من قبل في الأردن، مع حجب شركات اتصالات أردنية لبعض من هذه التطبيقات، أو المحاولات –التي لم تتحقق– لفرض رسوم شهرية مقابل استخدامها.
وما يمكن توقّعه هو أن تقوم بعض شركات الاتصالات في الأردن بالمطالبة مجددًا بمثل هذه الإجراءات، متمسّكة بالقرار الجديد لهيئة الاتصالات الأميركية والتحوّل العالمي نحو هذا التوجّه، آخذين بعين الاعتبار أن هناك نقاشًا شبيهًا قائمًا منذ أشهر بين هيئات الاتصالات في الاتحاد الأوروبي.
وهذا التوقّع في محلّه فعلًا، إذ تواصلت كل من شركة «أورنج» و«زين» قبل فترة قليلة مع هيئة تنظيم قطاع الاتصالات الأردنية مطالبتَين بتنظيم أو ترخيص هذه الخدمات. فقد طالبت شركة «أورنج» ”بإيجاد بيئة تنظيمية مساوية بين خدمات الصوت والتطبيقات“، بمعنى أن تطبّق الحكومة على تطبيقات المحادثة نفس شروط الترخيص (ونفس الرسوم) التي تطلبها من شركات الهاتف في الأردن. وأما شركة «زين» أعلمت الهيئة أن خدمات الـOTT ”أصبحت العدو الرئيسي للمشغلين ليس في الأردن فحسب بل في جميع دول العالم“ وأضافت أن هذه التطبيقات تقدّم خدمات مشابهة لخدمات شركات الاتصالات لكن بشكل مجاني وذلك ”باستخدام البنية التحتية لهذه الشركات التي كلفتها مئات الملايين من الدنانير لإنشائها وإدامتها وتطويرها“.
قد تتأثر شركات الاتصالات المحلية أيضا بالتوجه الأمريكي الجديد بتقسيم الإنترنت حسب المحتوى والخدمات إلى إنترنت ذي مسارات سريعة وبطيئة، أو إلى خدمات مجانية وخدمات أخرى يدفع المستخدم مقابل السماح له باستخدامها. ولا غرابة في ذلك أيضًا، إذ أن قد بدأت بعض شركات الاتصالات فعلًا بإيجاد شراكات تفضيلية مع بعض التطبيقات وشركات المحتوى، لعل أبرزها الآن ما تقع تحت بند Zero Rating (أو تقديم بعض المواقع والتطبيقات بطريقة مجانية دون غيرها)، فقد وقّعت كل من شركة «أمنية» و«زين» اتفاقيات مع شركة «فيسبوك» لتوفير خدماتها بالمجان.
وإذا ما هبّت رياح التغيير في واشنطن فسنسمع صداها في عمّان، سواء من ناحية توجه سوق الاتصالات أو من ناحية السياسات المنظّمة لها. وفي الأردن بالذات، الواقع الحالي للإنترنت يجعله أكثر عرضةً للمخاطر، بسبب قلة المنافسة بين مزودي خدمة الإنترنت وبسبب قلة الضمانات القانونية التي تحمي الإنترنت ومستخدميه بالدرجة الأولى. فلا وجود لتعليمات أو نصوص قانونية واضحة وصريحة لحماية «حيادية الشبكة».
وعلى الرغم أن هناك نصوصًا واضحة لحماية مصالح المستفيدين من خدمات الاتصالات ولتشجيع المنافسة، إلا أن ما نراه على أرض الواقع أن بعض شركات الاتصالات لا تزال تحجب تطبيقات المكالمات، وتعمل جاهدة لتقييد بعضها أو تفضيل غيرها حفاظا على مصالحها الاقتصادية دون الاكتراث بحقوق المستخدمين.
قد يشكّل كل هذا بدايةً لإنترنت لا نريده، ولكي لا يتضرر الإنترنت في الأردن أكثر مما هو عليه وحتى لا يكون عرضة لأي قرارات خارجية أو أي توجّه في المستقبل قد يضرّ حياديته وانفتاحه، لا بد من إيجاد تشريعات وسياسات أشد حزمًا لضمان حقوق مستخدمي الإنترنت وحمايتهم عن طريق تحصين مبادئ «حيادية الشبكة».