نرفض أن يبقى التعامل مع قطاع الاتصالات على أنّه ضريبة غير مباشرة على المقيمين في لبنان، ونطلب ونعمل لأن يكون قطاعاً خدمياً ومساهماً رئيسياً في تنمية الاقتصاد وحرية التعبير. حتى يومنا هذا، كانت الحكومات ووزراء الاتصالات يتعاملون مع قطاع الاتصالات كبقرة حلوب تدرّ الأموال على جيوب المنتفعين، وحافظوا على هذا النهج المستنزف للناس حتى في أحلك الظروف من أزمة اقتصادية، ووباء كورونا، وصولاً إلى فترة الحرب وما بعدها.
ما شهده قطاع الاتصالات حتّى الآن كان أجيال من الإدارات السيئة التي نتقاذف المسؤوليات وتتنصّل من المهام، في حين تسعى بجهد لتمرير صفقات مشبوهة من دون آليات للمحاسبة والشفافية، أو من دون إيلاء أيّ اعتبار للأجهزة الرقابية الرسمية مثل ديوان المحاسبة أو هيئة الشراء العام، أو الرأي العام من صحافة ومنظمات مجتمع مدني وخبراء. على سبيل المثال، وثّق ديوان المحاسبة تحقيق قطاع الاتصالات لنحو 17 مليار دولار من الإيرادات في عشر سنوات بين 2010 و2020، حوّل منها 11 ملياراً إلى الخزينة العامة وصرفت 6 مليارات للنفقات التشغيلية والاستثمارية، غير أنّ هذه المليارات الستّ أهدرت على منتفعين كثر. وفي السنوات القليلة الماضية، شهدنا على محاولة إدخال وتفعيل عدد كبير من الخدمات، غير أنّ معظمها كان يتصدّى له من قبل الهيئات الرقابية الرسمية وغير الرسمية، والنتيجة كانت توقّف كل تطوير للقطاع.
يسعى هذا المانيفستو إلى تقديم مقاربة جديدة للمستقبل والتفكير سوياً بقطاع الاتصالات في لبنان، لأنّنا نؤمن بأنّه حجر الأساس في تطوير المجتمع و الاقتصاد في لبنان. وهذا لا يتحقق إلا بوجود قانون عصري للاتصالات و حوكمة رشيدة، تعزز الشفافية والمحاسبة والابتكار والحماية الرقمية. نطرح في هذا المانيفستو بعض الرؤى والأفكار التي يمكن أن تكون جزءاً من استراتيجية وزارة الاتصالات الجديدة وخطّة عملها، ونعرب عن استعدادنا للمساندة والمساعدة في حال طُلب منّا ذلك.
القوانين والأنظمة
قانون الاتصالات في لبنان رقم 431/2002: لا يمكن تطوير القطاع من دون وجود قانون للاتصالات عصري ومواكب للتطورات السريعة التي يشهدها العالم في هذا المجال. وبناء عليه فإن تطوير قانون الاتصالات رقم 431 الذي صدر منذ حوالي 23 عاماً ولم يطبّق بعد، يشكّل تشريعاً مهما من شأنه أن يحدث تغييراً جذرياً في صناعة الاتصالات في لبنان.
الهيئة المنظمة للاتصالات: ينبغي تفعيل دور الهيئة المنظمة للاتصالات في لبنان ومنحها الاستقلالية المطلوبة، ليكون لها دور أساسي في تطوير هذا القطاع ومراقبته لما فيه مصلحة المجتمع والمستخدمين.
حوكمة قطاع الاتصالات في لبنان: يجب إرساء إطار حوكمة قوي لقطاع الاتصالات وخاصةً قطاع الخليوي. فذلك يساعد على تحديد المسؤوليات بين جميع الأطراف المعنية بإدارة هذه الشركات.
ويعزز مبادئ الشفافية والعلنية والمساواة والمساءلة.
إنتاجية مشغّلي الاتصالات: إرساء أسس سليمة للإنتاجية، يساهم في تطوير خبرات العاملين في قطاع الاتصالات، وكذلك في إنشاء وتوفير فرص عمل جديدة للشباب.
التخطيط والتطوير
خطة خماسية: وضع خطة خمسية للنهوض بالقطاع وتطويره، بما في ذلك الشبكات، التي يجب أن تشمل جميع أنحاء الأراضي اللبناني بالجودة نفسها. وكذلك تطوير الخدمات، بخاصة الرقمية منها، مع جعل الابتكار أحد أعمدة الاستراتيجية لدعم نمو وتطوير الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة.
البيئة الاستثمارية: إنّ تطوير بيئة استثمارية وشراكة مؤاتية مع القطاع الخاص من شأنه أن يمكّن مختلف القطاعات المنتجة من الاستفادة من شبكات الاتصالات الحديثة وتعزيز تنمية أسواقها، الأمر الذي يعزّز النموّ المتسارع ويساهم في توسيع الاقتصاد الوطني، لا سيما الرقمي منه.
العمل مع القطاع الخاص: من الضروريّ جداً الحفاظ على كافة الخدمات الأساسية وتطويرها ضمن الكفاءات التشغيلية للشركات والهيئات المشغّلة للقطاع، نظراً لدورها الحاسم في تحديد القيمة السوقية لشركات الاتصالات التي تعود ملكيتها للدولة اللبنانية.
إنّ الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتقديم خدمات على شبكات الاتصالات، يجب أن تهدف بالضرورة إلى تلبية احتياجات المستخدمين وفق حاجات المجتمع والسوق والجدوى الاقتصادية.
الحق في الوصول إلى خدمات الاتصالات وتمكين المجتمع
الأسعار: تحديد أسعار خدمات الاتصالات بما يتماشى مع القدرة الشرائية للمقيمين أمر بالغ الأهمية، وهذا يضمن استفادة كافة شرائح المجتمع من شبكات الاتصالات. ومن خلال توفير عروض وباقات تلبي احتياجات مختلفة، يمكن تمكين الأفراد من تطوير خبراتهم وقدراتهم وتجاربهم ومعارفهم ومهاراتهم في العمل. وهذا بدوره يسهّل التواصل الفعّال والمنتِج مع العالم الرقمي الخارجي ويساهم في نموّ وتطوّر الاقتصاد الرقمي المحلي.
الشمول المالي: جعل قطاع الاتصالات مساهماً أساسياً في تحقيق الشمول المالي في لبنان.
تعديل نظام الفوترة: العمل على تعديل نظام الفوترة ليكون على أساس الاستخدام (من الدقيقة إلى الثانية)، وتمديد صلاحية الخطوط المدفوعة سلفاً لتكون 3 أشهر كمرحلة أولى. هذه من أساسيات زيادة استخدام الاتصالات على الشبكة وتمكين الأقل دخلاً من الاستفادة من هذه الخدمات الأساسية.
العمل عبر الإنترنت: توفير باقات وخدمات الإنترنت لتتناسب مع حاجات العمل عبر الإنترنت، مما يرفع من المرونة ويقلّل من الهجرة ويرفع المدخول وبالتالي يساهم في زيادة الناتج المحلي.
الخصوصية والبيانات شخصية: لا يزال الإطار القانوني والمجال التقني لحماية البيانات والخصوصية في لبنان ضعيفان وحتى غير فعّالين. ينبغي تطبيق وتحديث قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي 81/2018، والعمل على إقرار قانون لحماية الخصوصية يتماشى مع التطور السريع للعالم الرقمي.
يشكّل هذا المانيفستو خارطة طريق لتطوير قطاع الاتصالات في لبنان ووضعه على الخارطة العالمية كي يصبح أحد مراكز الابتكار والتطوير الرقمي في المنطقة والعالم.
تمّ إعداد هذا المانيفستو من قبل:
وسيم منصور، خبير اتصالات، مدير عام شركة “تاتش” السابق
محمد نجم، المدير التنفيذي لمنظمة “سمكس” للحقوق الرقمية