عندما لجأ عادل (إسم مستعار) الى موقع “غوغل” لتوثيق تجربته السيئة مع طبيب أسنان، وفقاً لقواعد المنصة التي تفرض المصداقية وعدم التشهير، تفاجأ بدعوته الى أحد المخافر التابعة للضابطة العدلية، على خلفية شكوى تقدّم بها الطبيب بحقه بتهمة القدح والذم.
ظنّ عادل أنّه يقصد المخفر للإدلاء بإفادته، وأبدى إستعداداً فورياً لإزالة التقييم الذي وضعه، لأنّه كما قال “لم يشأ إضاعة وقته”. ولكنّه تفاجأ بمعاملة مهينة، أسقطت أحكاماً مباشرة بتجريم حقه بالتعبير، ومورست عليه شتّى الضغوطات النفسية لساعات، من دون أن تتاح له فرصة شرح الأسباب التي جعلته يضع تقييماً سلبياً.
هذه الحادثة قد لا تكون الوحيدة، وفقاً لما يؤكّده المحامي الناشط في القضايا الحقوقية، فاروق المغربي، بل “تشكّل نموذجاً عن انتهاكات يومية تُرتكب من قبل النيابات العامة والمخافر، والتي غالباً ما تلجأ الى الإفراط بإسقاط عقوبات القوانين الجزائية ولا سيما مادتي القدح والذم على ممارسي حقّهم/ن بالرأي والتعبير الحر، وصولاً الى تجريم التعبير وإهانة الأشخاص بسبب الإدلاء بآرائهم/ن”.
فكيف يحمي القانون اللبناني حقوق مستخدمي/ات الإنترنت ووسائل التعبير المتاحة عبره؟
تجارب سابقة مع التقييمات السيئة
عماد بزي، هو أحد الناشطين الحقوقيين في الدفاع عن حرية الرأي والتعبير وأبرز المعارضين/ات لمشروع قانون “LIRA”، وغيره من قضايا المواجهة مع “منظومة الفساد” التي استخدمت هذا الحق منذ العام 1998 من خلال الوسائل المتاحة عبر الإنترنت، ولا سيما من خلال مدونته “تريلا” (TRELLA.ORG).
كانت المعركة الأبرز التي خاضها بزّي في مواجهة التعديات على الأملاك البحرية من قبل فندق “إيدن باي” (Eden Bay) سنة 2018. دعا بزّي في ذلك الحين المستخدمين إلى وضع تقييمات سيئة (bad reviews) على صفحات الفندق الإلكترونية والصفحات الخاصة بالفنادق والمطاعم لمواجهة تعديه على الشاطئ العام، فكان أن استُدعي بزي إلى “مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية” في لبنان بعد شكوى من الفندق.
يشرح بزي لـ”سمكس” أهمية التقييمات التي يضعها المدونون/ات على المواقع التي تتيح هذه الخاصية، مشيراً “إلى أنّ الناس هم الذين ينشئون المحتوى عبر هذه المنصات، ومن دونهم تصبح مواقع كفيسبوك وإنستغرام وإكس وتريب أدفايزور (Trip Advisor) وغيرها فارغة”.
وبالتالي، فإنّ التقييمات في بعض الحالات “تشكّل وسيلة للدفاع عن القضايا. وهذا مفهوم معتمد في حملات المناصرة، كواحدٍ من وسائل الضغط غير العنفية لتجييش الرأي العام”، بحسب بزي.
استخلص بزي من المواقف التي مرّ بها في عدة قضايا “نموذجاً يبرز قوة الكلمة وحرية التعبير عبر وسائل التواصل، كواحدٍ من أساليب كسب التأييد، والذي يمنح الرأي العام وسيلة للدفاع عن قضاياه”، كما يقول لـ”سمكس”. ويضيف أنّ “هذه الأساليب التي تستخدم وسائل التواصل تخترق النفوذ المالي أو السياسي المسيطر على الرأي العام عبر وسائل الإعلام التقليدية، في حين تعرّي الذهنية الأمنية التي يلجأ إليها أصحاب النفوذ من أجل قمع هذا الحق، حتى وإن جاء على شكل تقييمٍ سيّئ”.
غياب النص القانوني
خلال بحثها عن القوانين التي ترعى ممارسة حرية الرأي عبر وسائل التواصل ومواقع الإنترنت، سألت “سمكس” المحامي المغربي عن المعايير التي تحكم النظر قضائياً بالشكاوى الناتجة عن أضرار التقييمات وغيرها من التدوينات.
يشير المغربي إلى “استنسابية سائدة في تطبيق القرارات التي تصدر غالباً عن النيابات العامة والأجهزة التابعة لها، لتكشف النفوذ الذي يتمتع به مقدم الشكوى بحقّ أيّ تقييم أو محتوى ينشر عبر وسائل التواصل”. ويستنتج مغربي أنّ لا معيار موحداً يحدد الأجهزة التي يجب أن تنظر في هذه الشكاوى التي تتنقل بين مخافر أمن الدولة وجرائم المعلوماتية ومحكمة المطبوعات، ولكنها غالباً ما تنتهي بطلب إزالة المنشور و انتزاع تعهدٍ بعدم كتابة تعليقٍ آخر.
في ظلّ هذا الواقع، فإنّه لمن المتوقّع أن تُرتكب انتهاكاتٌ يومية يختبرها مواطنون/ات عاديون/ات، بالتوازي مع غياب القدرة على رصدها بشكلٍ دقيق، يضيف المحامي، كتلك التي استدعي من أجلها المواطن الذي وضع تقييماً سيئاً لطبيب الأسنان.
ومن هنا، يعتبر المغربي أنّ المشكلة الأكبر تكمن في المخالفات التي ترتكبها النيابات العامة عندما تفرض على المستدعى إزالة منشور أو تحتجز حريته، مصادرة دور المحكمة التي يفترض أن تصدر مثل هذه القرارات. ويشدد على أنّ “بعض مواد قانون العقوبات لا يجوز تطبيقها على الحق بالرأي والتعبير، بل يجب النظر إلى الضرر الناتج عن ممارسة هذه الحرية كضررٍ مدني، ممّا يفرض تغيير توصيفه من جرم وفقاً لقانون العقوبات إلى شبه جرم وفقاً لقانون الموجبات والعقود”.
وإذ يشير الى غياب الثقافة القانونية للناس بحقوقهم في هذا الإطار، وحالة الانفعال التي يمر بها لبنان والتي تعيق نشر هذا الوعي، يعتبر المغربي أنّ “الطريق الأسرع لحماية حرية الرأي والتعبير هو في وجود رادعٍ من داخل القضاء نفسه يمنع الممارسات السائدة، ويحاسب من يلجأ إليها من المحامين أو المدعين العامين، لأنها ممارساتٌ خارجة عن القانون”.
لا يمكن فصل الانتهاكات المتعلقة بحرية التعبير والرأي عبر وسائل التواصل عن الجو السياسي العام في البلد، بحسب أيمن مهنا، المدير التنفيذي لـ“مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية – سكايز” (SKEYES).
يعبّر الناس عن آرائهم بكلّ الأشكال، وعبر تطبيقات مختلفة، وتتخذ هذه الآراء أشكالاً مختلفة مستخدمة في بعض الأحيان التنمر وخطاب الكراهية، “بينما نجد أنّ النيابات العامة غالباً ما لا تتحرك سوى استجابة مع شكاوى حول انتقاد شخصيات عامة، وهذا أمر مخزٍ لكونه يسخّر القضاء والأجهزة الأمنية للدفاع عن القوي، بينما تبقى الحلقات الأضعف غير محميّة”، يشرح مهنّا.
الحق بحرية الرأي عبر وسائل التواصل قد يصان أو يهان وفقاً لاستنسابية المحققين، سواء في النيابات العامة او في المخافر التابعة لها، وفي بعض الأحيان قد لا تقتصر نتائج الاستدعاءات على طلب حذف المنشور أو إزالته بل قد تصل إلى حد إهانة أصحاب الرأي، وفق ما يستنج مهنا.