بعد الوقفة الاحتجاجية أمام قصر العدل في بيروت التي دعى لها “تجمّع نقابة الصحافة البديلة” في 3 نيسان/أبريل على خلفية استدعاء رئيس تحرير موقع “ميغافون” الإخباري، جان قصير، من قبل النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، سحب هذا الأخير اليوم الدعوى بحق قصير وفق معلومات صحافية، بعدما كان استدعاه مجدداً يوم أمس للمثول أمامه.
كما شهد الأسبوع الماضي كذلك استدعاء الصحافية لارا بيطار، على خلفية شكوى مقدمّة من حزب القوات اللبنانية، بسبب تناول قضية النفايات السامة التي تهدد مناطق واسعة من لبنان.
وفي الوقت نفسه، تشهد مناطق مختلفة في لبنان تضييقاً على حرية التعبير، مثلما يحصل في عدد من مناطق جبل لبنان ضد مواطنين/ات يعبّرون عن اعتراضاتهم/ن على وسائل التواصل.
القضاء يتحرّك بسرعة.. ضد الصحافيين فقط؟
تبلّغ قصير بالدعوى بطريقة مريبة، إذ اعترضه وهو يقود سيارته عنصران من جهاز أمن الدولة وطلبا منه أن يوقف السيارة، قبل أن يعرّفا على أنّهما من أمن الدولة ويطلبا منه التوقيع على محضر تبليغ لحضور الجلسة التي كانت مقرر يوم الجمعة 31 آذار/مارس.
لم يحضر قصير الجلسة، بل حضرت وكيلة “ميغافون”، المحامية ديالا شحادة إلى قصر العدل لاستيضاح تفاصيل عن الشكوى، والطلب بإحالة الملف إلى محكمة المطبوعات أو المثول أمام قاضي التحقيق، كونها الجهة المخولة بمحاكمة الصحافيين/ات. وتبينّ لشحادة فيما بعد أنّ الاستدعاء “لم يكن بناءً على دعوى، بل ملاحقة من قبل النائب العام التمييزي” القاضي غسّان عويدات، على خلفيّة منشور شورك عبر حسابات “ميغافون” على وسائل التواصل في 1 آذار/مارس، تحت عنوان “لبنان يحكمه فارون من العدالة”.
والاستدعاء الجديد لقصير حضرته اليوم المحامية شحادة مطالبة “بإحالة القضية إلى محكمة المطبوعات ولتذكير القاضي بالمبدأ نفسه المتعلق بحصانة الصحافي”، على ما تقول لـ”سمكس”، لتبلّغ بأنّ القاضي عمل إشارة في هذا الموضوع لحصر الدعوى بالأطر الصحافية، وهي بالأساس ليست دعوى بل تعقبات بحقّ “ميغافون” وقصير. .
أمّا رئيسة تحرير موقع “مصدر عام”، الصحافية لارا بيطار، فاستُدعيت إلى مكتب جرائم المعلوماتية على خلفية شكوى مقدمّة من حزب القوات اللبنانية، بسبب تناول قضية النفايات السامة التي تهدد مناطق واسعة في لبنان. تحفّظ مكتب جرائم المعلوماتية في اتّصاله الهاتفي بداية على إبلاغ بيطار بالجهة المدعية، ولكنّهم أخبروها بعد الإلحاح عليهم بأنّ “القوات رفعت الشكوى”، وفق ما تقول بيطار في تصريح لـ”سمكس”. وتلفت البيطار إلى أنّ التحقيق الذي نُشر قبل 8 أشهر، تبعه نشر مقالات وتهديدات للصحافية ولزملاء في مصدر عام “من قبل مواقع محسوبة على القوات”، كما تضيف، مشيرةً إلى أنّ “القوات اللبنانية لم تلجأ إلى حقها بالرد على التحقيق بالأطر الإعلامية، بل لجأت إلى القضاء لممارسة مسلسل الترهيب ضد الصحافيين والناشطين”.
وفي حين لم تقرر بيطار بعد المثول الخميس المقبل أمام”مكتب جرائم المعلوماتية”، تقول إنّها ستتريّث “بانتظار التباحث أكثر مع الوكيل القانوني لـ’مصدر عام’، والضغط بتوجيه الدعوى إلى محكمة المطبوعات، والتروّي لمراقبة أيضاً ما سيجري مع قصير”.
حصانة الصحافيين/ات مكرّسة
الاستدعاءان يشوبهما مخالفات قانونية سواء في ما يتعلّق بطريقة التبليغ أو الجهة المستدعية. ويلحظ قانون المطبوعات اللبناني المعدّل عام 1994، لا سيما في المواد 28، 29، و30، منح الحصانة الوحيدة المكفولة للصحافيين/ات وعدم المثول سوى أمام قاضي تحقيق أو أمام محكمة المطبوعات، وهي مكرّسة. في هذا الإطار، تشير شحادة إلى ضرورة “توعية الصحافيين حول حقوقهم لا سيما بموجب هذا النصّ القانوني لتفادي اللجوء إلى محاولة إخضاع الصحافيين وترهيبهم من قبل الأجهزة الأمنية وفي المخافر”.
وبحسب القانون المعدّل، “تنظر محكمة الإستئناف بجرائم المطبوعات وتخضع أحكامها أمام محكمة التمييز بصفتها مرجعاً إستثنافياً، ولا يجوز التوقيف الاحتياطي في جميع جرائم المطبوعات. وفي حال اقتضت الدعوى تحقيقاً، فعلى قاضي التحقيق أن يقوم به وأن يحيل القضية على المحكمة في مهلة لا تتجاوز خمسة أيام.
هناك محاولة لإخضاع الصحافيين/ات وأصحاب الرأي في لبنان، بحسب شحادة “يحاول القاضي عويدات والسلطات التشريعية هزّ العصا لكل من يحاول إنتقادهم، أو كشف أي ملف يطالهم في الفساد، وهم بأغلبهم مطلوبون ومدعى عليهم في قضايا وقرارات قضائية في الإثراء غير المشروع، وجرائم نهب أموال الشعب، وعرقلة تحقيقات القضاء”. وفي هذه النقطة تضيف شحادة أنّ “منصة ميغافون لم تختلق أي خبر يخص ما نُشر، بل نشرت خلاصات قضائية بحق سياسيين وقضائييين في لبنان. والسؤال هنا، ما هو الفعل المشكو منه؟ أهو الذم؟ إذن، فكيف تستدعي هؤلاء من دون وجود ادّعاء شخصي؟”.
800 انتهاك بحق الصحافيين في السنوات الستّ الأخيرة
يواكب الإعلاميون/ات “المطلوبون/ات للتحقيق” عددٌ من المنظمات التي تدافع عن حرية الصحافة. ويشرح جاد شحرور، المسؤول الإعلامي في “مؤسسة سمير قصير”، أنّ “مشهد الاستدعاءات هذا الأسبوع جاء على خلفية محتويات عامة بمنصّات مستقلة، وهو ما يردّنا إلى موضوع الانتهاكات في لبنان في حق الصحافيين/ات خلال السنوات الست الأخيرة، والتي تعدّى عددها الـ 800، من ضمنها الضرب المبرح للصحافيين/ات من قبل الأجهزة الأمنية، واستدعاءات قانونية وأخرى قانونية، ومضايقات شخصية عبر الهواتف”.
ويستنتج شحرور أنّ “ثمة جهازاً قائماً بكلّ أدواته ليحمي المنظومة الحاكمة والقاتلة التي ترفض التحقيق بملف المرفأ، وغيرها من الملفات”.
تبع حملة استدعاءات الصحافيين/ات يرافقه حملات ضاغطة على مواقع التواصل، تحت أوسمة مثل #الصحافة_ليست_مكسر عصا و #عسكر_على_مين، مع تحرّكات خجولة على الأرض. لكنّ شحرور يؤكّد أنّ “هذه التحركات ضرورية للقول بأنّ الصحافي ليس وحده وليس وحيداً في المعركة. هذه معركة يجب أن تمس الناس كونهم يحقّ لهم الحصول على المعلومة، والتضامن هو مع المبدأ والفكرة ويجب أن يخصّ جميع الناس قبل أي أحد آخر”.
وبالتزامن مع الاستدعاءات، أطلق نقيب محرري الصحافة جوزيف القصيفي في “تقرير حال الحريات الصحافية في لبنان للعام 2022، مؤتمراً صحافياً في 3 نيسان/أبريل، من دون الإشارة أو التعليق على الإنتهاكات والتجاوزات الأخيرة، معتبراً أنّ “الإطار العام للحرية مقبول في لبنان”.
جبل لبنان: ترهيب ومداهمات
من بيروت إلى الجبل، الحال واحدة: اعتقالات ومداهمات تنفذها قوى أمنية لتوقيف ناشطات وناشطين في جبل لبنان والمتن الأعلى، على خلفية منشورات على مواقع التواصل. يؤكّد مصدر في المنطقة لـ”سمكس” حصول مداهمات غير قانونية لمنازل الناشطين/ات، إضافة إلى مطالبتهم/ن بتسليم هواتفهم/ن الشخصية.
هذا ما حصل مع الناشط شبلي المصري والناشطة نورا الحسن؛ إذ ينقل الناشط هيثم عربيد لـ”سمكس أنّ “ما يحصل من مداهمات في الجبل هو تنفيذ لقرار القضاء بإقصاء قوى الثورة وكل ما يتعلق بتحركات 17 تشرين”. ويشرح عربيد الذي يطالب بتحرّك سريع قبل ازدياد هذه الحالات أنّ “هناك محاولات لتلفيق ملفّات للناشطين/ات وسط خطاب طائفي يسعى إلى شحن النفوس”، معتبراً أنّ “هذه الحوادث لها أدوات سياسية وحزبية في المنطقة تُمثل الديكتاتورية”.
هل تعمل الأجهزة الأمنية لصالح زعماء الطوائف بدلاً من المواطنين في لبنان؟ في تصريح لـ”سمكس”، يقول الناشط السياسي علاء الصايغ، إنّ “مسلسل التوقيفات في الجبل هو فصل من تفكيك القضاء، والإفلات من العقاب”، كاشفاً عن “عمل ممنهج من الحزب التقدمي الاشتراكي وقوى النظام في المنطقة لملاحقة المنتقدين على وسائل التواصل والتلطي وراء حسابات وهمية، بسبب خوف الناشطين/ات من ملاحقتهم”.
وعلى إثر هذه التوقيفات والمداهمات، أطلق بعض النواب التغييريين، موقفاً موحداً وصفوا فيه أنّ “التهديدات والاعتداءات على أهل الجبل، هي ذريعة لتحريض فئة مجتمعية على أخرى، وهو عمل ميليشاوي مدان”.
هذه الأساليب مثل “استخدام القضاء غير المستقلّ، تهدف إلى طمس الأصوات المطالبة بكشف ملفات فساد في المنطقة، وكشف ملفات الإساءة للمال العام في مؤسسات مثل الجمعيات والأوقاف والمؤسسات الصحية والتعليمية”، يختم الصايغ.