في إطار حملة #لا_لقطع_الإنترنت_خلال_الامتحانات، نتوجّه برسالةٍ مفتوحة إلى السلطات السورية نناشدها فيها الامتناع عن قطع الإنترنت في أثناء الامتحانات، والالتزام بعدم حجب الإنترنت KeepItOn#.
تناشد منظّمة “سمكس” (SMEX)، ومنظّمة “أكسس ناو” (Access Now)، و”جمعيّة الإنترنت” (Internet Society)، ومنظّمات المجتمع المدني الموقّعة أدناه وأعضاء تحالف#KeepItOn، وهي شبكة عالميّة تضمّ أكثر من 300 منظّمة من 105 بلدان وتعمل على مكافحة ظاهرة قطع الإنترنت – جميع السلطات المعنيّة في سوريا بإنهاء الممارسة القديمة المتمثّلة في فرض قطع الإنترنت في أثناء الامتحانات والامتناع عن القيام بذلك في خلال الامتحانات الرسميّة المقرّرة بين شهرَيْ أيّار/مايو وحزيران/يونيو 2024.
منذ العام 2015، فرضت سوريا أكثر من مرّةٍ قطع الإنترنت في فترة الامتحانات المدرسيّة لمنع الطلاب والطالبات من الغشّ وتسريب أسئلة الامتحانات. لا تنتهك هذه الممارسة القانون الدولي لحقوق الإنسان فحسب، بل تفاقم سوءاً أيضاً سجلّ السلطات السوريّة الأسود في مجال حقوق الإنسان، وتشدّد سيطرة الحكومة الصارمة على المجال الرقمي.
وبغض النظر عن أيّ أساسٍ منطقيٍّ لهذه الممارسة، يعمل قطع الإنترنت على ترسيخ الاستبداد الرقمي الخطير الذي يمارسه النظام السوري. وتنفّذ السلطات السورية منذ العام 2011، سياسةً إلكترونيّةً قمعيّةً للغاية، إذ تلجأ إلى البنية التحتيّة للإنترنت والاتّصالات التي تسيطر عليها الدولة لإسكات المعارضة بوحشيّة، وتعطيل الاتّصالات، وإجراء عمليّة مراقبة جماعيّة، ونشر سرديّاتٍ مؤيّدة للنظام. وأتى إقرار قانون جرائم المعلوماتيّة الجديد في نيسان/أبريل 2022 ليعزّز هذه السيطرة، ويجرّم حرية التعبير ويقيّد التدفّق الحرّ للمعلومات بحجّة مكافحة جرائم المعلوماتيّة وإساءة استخدام التكنولوجيا.
يُعدّ الاتّصال ضعيفاً أصلاً في سوريا. وسبق أن ردّت السلطات على الاحتجاجات من خلال خنق الوصول إلى الإنترنت، وجنّدت “متطوّعين/ات مستقلّين/ات” لدعم أجندتها الاستبداديّة، حتّى عبر القرصنة. ويزداد الوضع سوءاً بسبب الحرب المستمرّة في سوريا والأضرار التي لحقت بالبنية التحتيّة التي لا تزال تؤدّي إلى تعطيل خدمات الاتّصالات، لا سيّما في المناطق الريفيّة؛ ما يصعّب توفير الاتّصال، ويدفع بشركاتٍ مثل مجموعة “أم.تي.أن” (MTN) إلى الخروج من السوق السوريّة.
وأثبتت التجارب عدم فعاليّة قطع الإنترنت في أثناء الامتحانات إلى حدٍّ كبير، لا بل أكّدت أنّ إجراءات القطع تقوّض الاقتصاد السوري، وتلحق الضرر بكافّة الشركات التي تعتمد في عملها على اتّصالٍ مستقرٍّ بالإنترنت، بشكلٍ مباشر أو غير مباشر. ولذلك تداعياتٌ سلبيّة للغاية، فمع حلول منتصف العام 2023، تخطّت نسبة السوريّين/ات الذين يعيشون تحت خطّ الفقر 90%، وبات نصف السكّان غير قادرين/ات على الحصول على غذاءٍ جيّد أو تحمّل تكلفته، كما وصل عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعداتٍ إنسانيّة إلى ما لا يقلّ عن 15 مليون شخص. ويدّق خبراء الاقتصاد السوريّون/ات ناقوس الخطر، مشيرين على وجه الخصوص إلى أنّ إجراءات القطع تمنع الوصول إلى الخدمات المصرفيّة، محذّرين من الضرر الكبير الذي قد يصيب القطاع المصرفيّ بسبب قطع الاتّصال.
من الضروري جداً أن تجد السلطات السوريّة أساليب لمنع الغشّ تحترم حقوق الأشخاص، ولا تؤثّر سلباً على السكان كافّة. ففي الوقت الذي وعد فيه وزير التربية السابق، دارم طباع، علناً أن يلغي إجراءات حجب الإنترنت في خلال فترة الامتحانات ابتداءً من العام الدراسي 2021 -2022، تستمرّ السلطات السوريّة بتطبيق هذه الممارسة.
يُشكّل قطع الإنترنت انتهاكاً لحقوق الإنسان. فبحسب المادّة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاصّ بالحقوق المدنية والسياسية يُعدّ حجب الإنترنت تقييداً للتواصل والتعبير الذاتي ومنع الوصول إلى المعلومات الأساسية، ما يشكّل انتهاكاً للحقّ الأساسي في حرّية التعبير. ويدين المجتمع الدولي إجراءات قطع الإنترنت على نطاقٍ واسع، على غرار ما جاء في قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتّحدة رقم 47/16 وقرارات الأمم المتّحدة اللاحقة التي تدين “استخدام إجراءات قطع الإنترنت لمنع أو تعطيل الوصول إلى المعلومات أو نشرها بشكل مقصود وتعسّفي”.
في تقريرٍ نُشر مؤخّراً حول إجراءات قطع الإنترنت، ذهب مجلس حقوق الإنسان أبعد من ذلك، إذ استكشف التداعيات والتأثيرات على حقوق الإنسان المختلفة، داعياً السلطات إلى الامتناع عن قطع الإنترنت. وشدّدت مفوّضية الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان على أنَّ “حجب الإنترنت يتسبّب في أضرار لا تُحصى، سواء من الناحية المادّية أو في ما يتعلّق بحقوق الإنسان“، في حين أنَّ “التكاليف التي تتكبّدها الوظائف والتعليم والصحّة والمشاركة السياسية دائماً ما تتجاوز أيّ فائدة مرجوة من حجب الإنترنت”.
بموجب قانون حقوق الإنسان، لا يُعدّ قطع الإنترنت ضرورياً ولا متناسباً. وتُتيح المادّة 4 من العهد الدولي الخاصّ بالحقوق المدنية والسياسية للدول “أن تتّخذ، في أضيق الحدود التي يتطلّبها الوضع، تدابير لا تتقيّد بالالتزامات المترتّبة عليها بمقتضى هذا العهد”. ووفقاً للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتّحدة، يجب أن يعكس هذا الشرط “مبدأ التناسب، وهو أمر شائع في سياق أحكام التقييد وعدم التقيُّد”. بعبارةٍ أخرى، “يجب أن يكون أيّ إجراء تقييدي ضرورياً للغاية للتعامل مع التهديد الذي يمسّ حياة الأمّة ومتناسباً مع طبيعة هذا التهديد ومداه“. تؤثّر إجراءات قطع الإنترنت بشكلٍ غير متناسب على جميع المستخدمين/ات وتحدّ بدون مُبرّر من الوصول إلى المعلومات وخدمات التواصل الطارئة خلال الأوقات الحرجة، ما يجعلها غير متناسبة بحدّ ذاتها.
ترافق قطع الإنترنت هذه السنة مع قطعٍ للاتّصالات الخليويّة أيضاً. وهذا مؤشّرٌ على توسّع نطاق إجراءات تقييد الوصول ليشمل تقنيّاتٍ مختلفة، وعلى أنّ قطع الإنترنت ليس الوسيلة الصحيحة لمعالجة الغشّ. في ضوء تاريخ سوريا الحافل في تنفيذ إجراءات قطع الإنترنت خلال الأحداث الوطنيّة الكبرى وتأثيرها الضارّ الواسع على السكان، ندعو السلطات إلى الالتزام بعدم قطع الإنترنت ووضع حدّ لهذه الممارسة المُكلفة، وغير الفعّالة، وغير المتناسبة، تحديداً أثناء الامتحانات.
التوقيع
سمكس
أكسس ناو
جمعية الإنترنت