أقيمت اليوم، جلسة مرافعة ضد تعديلات تقيّد حرية المحامين/ات، كانت نقابة المحامين في بيروت أصدرتها في أوائل شهر آذار/مارس، بحيث تلزم النقابة المحامين/ات بطلب إذن رسمي من نقيب المحامين ناضر كسبار، قبل الظهور في وسائل الإعلام أو المشاركة في أي ندوة قانونية.
انعقدت هذه الجلسة بعد شكوى قدّمها 12 محامي/ة لدى محكمة الاستئناف المدنية التي تنظر في الأمور النقابية من أجل إبطال قرار النقابة. وقد أعلن المحامي نزار صاغية، وهو أحد المستدعين من قبل مجلس نقابة المحامين بسبب مخالفة قراراتها الجديدة، في تغريدة على “تويتر“، أنّ الحكم وإصدار القرار في القضية أُرجئ إلى 4 أيار/مايو 2023.
انتهت جلسة المرافعة وارجئت للحكم في ٤ ايار ٢٠٢٣. ترافعت مستعرضا مبادئ حرية التعبير . أجاب ممثل النقابة بحجج سلطة مفادها ان لا أحد يقول ان النقابة سقطت في امتحان الحرية. حجج القانون يرد بها بحجج قانون وليس بحجج سلطة. https://t.co/4m5HTmq0Ng
— Nizar SAGHIEH (@nsaghieh) April 13, 2023
تحاول نقابة المحامين في بيروت تقييد عمل المحامين وظهورهم الإعلامي في لبنان عبر قرار صادر من نقيب المحامين في بيروت ناضر كسبار ومجلس النقابة بتعديل بعض المواد على نظام آداب المهنة. يأتي ذلك في وقت تتوالى في لبنان محاولات تقييد الحريات بكافة جوانبها من ملاحقة الناشطين في المناطق، إلى الدعاوى على الصحافيين، ومحاولة إسكات بعض القضاة، وصولاً إلى المحامين الآن.
ففي 3 آذار/مارس الماضي، طالت التعديلات النقابية الفصل السادس من نظام آداب مهنة المحاماة ومناقب المحامين، وتحديداً المواد 39، و40، و41، و42 التي تتناول علاقة المحامي بوسائل الإعلام. قضى التعديل بمنع أيّ محام/ية من استخدام أيّ وسيلة من وسائل الإعلام والإعلان والاتصالات، المرئية والمسموعة والمقروءة، وجميع أنواع وسائل التواصل الاجتماعي كمنبرٍ للكلام عن الدعاوى، أو لمناقشة الدعاوى العالقة أمام القضاء، قبل إذن مسبق من نقيب المحامين كسبار. وقد واجهت هذه التعديلات اعتراضات ورفض من محامين منتسبين للنقابة.
أعاد نقيب المحامين في تصاريح إعلامية عدة أنّ النظام الداخلي المتعلق بعلاقة المحامي مع وسائل الإعلام لم يُعدّل جزئياً، بل استُبدلت عبارة “يستحسن أن يحيط المحامي نقيب المحامين علماً” بعبارة، “على المحامي أن يستحصل من نقيب المحامين بأيّ وسيلة متاحة على إذنٍ مسبق”. أمّا مسألة الإطلالات الإعلامية حول قضايا العالقة والقضايا الكبرى، فلم يتغير أيّ نص أو عبارة ولا تزال كما هي”. يبرّر النقيب حيثيات القرار “بأنّه يندرج ضمن سياق تنظيم آداب المهنة من دون أن يمسّ بالحريات”. وأنّ مخالفة التعديلات “ستعرض المحامين/ات إلى الإحالة على المجلس التأديبي، على أن تتدرّج العقوبة من التنبيه الأخوي إلى تعليق الانتساب، وقد تصل إلى الشطب من النقابة.
أمّا تعديل المادة 41 من نظام آداب المهنة فصبّ “باتّجاه حظر توجيه عبارات جارحة إلى النقيب وأعضاء النقابة وزملائه لا سيما خلال الإنتخابات النقابية”. أيّ أنّه يحظر على المحامي أن يمتنع عن انتقاد أيّ زميل له، ليس فقط بالشؤون المهنية، وفي أي شأنٍ عام بما فيه احتمال تورطه في الفساد أو التدخل في القضاء.
حاولت “سمكس” التواصل مع كسبار، للوقوف أكثر عند خلفيات القرار، وعن رأيه في الاعتراضات، وكيف ستُعالج الموضوع، إلا أنّنا لم نلقَ جواباً.
تنظيم لمهنة المحاماة أم طمس الأصوات المعترضة؟
في 27 آذار/مارس، استدعي المحامي نزار صاغية، المدير التنفيذي لـ”لمفكرة القانونية” في لبنان، من قبل مجلس نقابة المحامين، كي يستمع إليه بعد إعلانه رفض التعديلات. اعتذر صاغية عن الاستدعاء في 31 آذار/مارس بداعي السفر، وطلب أن يتمّ إبلاغه موعداً جديداً. وفي تصريح لـ”سمكس”، يقول إنّه تبلّغ ايوم أمس الأربعاء إستدعاءً ثانياً، على خلفية ظهوره الإعلامي في مقابلة مؤخراً على إذاعة “صوت الشعب” في 7 أبريل/نيسان. وكان مدير الإذاعة وصاغية رفضا الانصياع لطلب نقابة المحامين في بيروت بعدم تسجيل المقابلة، وتابعا تسجيلها وبثّها.
يفترض لصاغية أن يحضر الإستدعاء الثاني في 24 نيسان/أبريل الحالي، إلا إنّه ما زال يدرس موقفه وحضوره للجلسة، كما يقول لـ”سمكس”. ويؤكّد صاغية، كما طعمة، على أنّ التعديلات مخالفة لأحكام الدستور وأحكام القوانين التي ترعى حرية الرأي والتعبير، وتضرّ بمهمة كاشفي الفساد. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ قرار نقابة المحامين في بيروت لم يشمل نقابة المحامين في الشمال (في لبنان نقابتا محامين بسبب دواعٍ تاريخية: واحدة بيروت، والأخرى في الشمال)، ولم تجري الدعوة إلى جلسة عمومية للمحامين لمناقشة التعديلات، كما أنّ مجلس النقابة لم ينشر جدول أعمال الجلسة والقرار أتخذ بإجماع الأعضاء الـ12 في النقابة بشكل فجائي.
ليست المرة الأولى التي تعمد فيها نقابة المحامين إلى تقييد الحريات، بحسب صاغية الذي يدير “المفكرة القانونية”، وهي جمعية تعمل في المجالين البحثي والحقوقي وتضيء على قضايا الفساد والقضايا القانونية في لبنان وتونس. “ففي العام 2011، منعت النقابة المحامين/ات من التداول بالقضايا القضائية، حيث جرى الاعتراض حينها من باب حقّ المجتمع بالاطّلاع على عمل القضاء وحرصاً على الشفافية والعدالة”.
أمّا قرار النقابة الذي حدّد الاستثناء من المنع بالقضايا الكبرى فيرى صاغية أنّه “مصطلح فضفاض من دون تعريف واضح”. ويتساءل: “ما هي هذه القضايا؟ وهل هي فقط المتعلقة بقضايا الاغتيالات وتفجير المرفأ؟ أرى أنّ ثمّة قضايا كثيرة تتعلق بالتعذيب والاستغلال وقضايا حقوق الإنسان والفساد والشأن العام، وهي قضايا كبرى لا يمكن تقييدها والقبض على حيثيّها”.
بالإضافة إلى ذلك، تزامن قرار نقابة المحامين في بيروت مع موجة التحقيقات التي تطال رموز في الدولة وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشركاء له، في قضية المصارف، إذ ثمّة تخوّف من تسريب المحامين أو القضاء لم يحصل في أروقة قصر العدل، وفق مصدر مطّلع لـ”سمكس”.
ويعتبر صاغية أنّ ما يحصل “محاولة للحفاظ على النظام الفاسد وطمس أيّ عمل عدالي، فمع بدء محاسبة شخصيات كبرى في لبنان وأوروبا، أصبح هؤلاء يخافون أكثر من المحاسبة فلجؤوا إلى محاولة القمع بهذا القرار”.
وبعد التعديل الجديد، طال الإستدعاء أولاً المحامي ميشال نعمة بسبب رفضه التعديلات ومطالبة أعضاء مجلس النقابة بتعديله قبل أن يعلن استقالته من مجلس نقابة المحامين اعتراضاً على قرار التعديلات. وجلسة الاستدعاء جاءت بسبب مواقفه ومواقف سابقة على وسائل التواصل الاجتماعي، وجرى الاستماع له قرابة ثلاث ساعات من دون أن يُتّخذ بحقّه أيّ إجراء.
وكان “تحالف حرية الرأي والتعبير” في لبنان، أدان بيان أصدره في 5 نيسان/أبريل الفائت، الاستدعاءات التي طالت صحافيين ومحامين خلال الأسبوعين الأخيرين من قبل سلطات مختلفة.
قمع في أروقة قصر العدل وعلى وسائل التواصل
أثار قرار مجلس النقابة زوبعة من الاعتراضات بين المحامين، ولا سميا المحامين الذين يتابعون ملفات “دسمة وحساسة في الساحة اللبنانية”. والقرار الذي يحمل في طياته قمعاً غير مسبوق في أروقة قصر العدل، يعود لثلاثة أسباب أساسية، يُفندها المحامي، جاد طعمة رئيس اللجنة القانونية في “المرصد الشعبي لمحاربة الفساد”، في تصريح لـ”سمكس”: أوّلها، لجم المحامين/ات الذي ينشرون الوعي والذين يفضحون تصرفات وأخطاء المصارف. ثانياً، تخوّف مجلس النقابة وعلى رأسها النقيب، من الحالة التي شكّلها بعض المحامين الذي بات لهم كلمة مسموعة واحتضان إعلامي يزعج الفريق الآخر، أي الذين يستشعرون خطراً من كشف ملفات فساد أو عرقلة تحقيقات كقضية إنفجار المرفأ”.
أما ثالثها، بحسب طعمة، فيتمثّل في “شمولية التعديلات التي أقرّت، وساوت بين التفلّت الإعلامي لبعض المحامين المتدرّجين وغير المتدرّجين، الذين يدلون بتصريحات واستشارات قانونية على الهواء والحديث عن ملفات قانونية بعهدة زملاء آخرين”، وهو ما يراه طعمة “تعدّياً على عمل المحامين لبعضهم البعض، وبين المحامين الذين يناضلون مع وسائل الإعلام لكشف الملفات والخلل القائم التي تعتمده السلطة”.
حتّى أنّ تصريح طعمة لـ”سمكس” يُعتبر مخالفاً لقرار النقابة الجديد، وتحديّاً علنياً برفض التعديلات والوقوف بوجهها، ولكنّ رئيس اللجنة القانونية في “المرصد الشعبي لمحاربة الفساد” يعرب عن تمسّكه بالحقّ التي يكفله الدستور وأحكام القوانين التي تراعي حرية الرأي والتعبير، مضيفاً أنّ “الموضوع أصبح معركة حريات عامة وشخصية، وتقويض لعمل المحامين”.
في المقابل، يرى طعمة أنّ للتعديلات إيجابية تتعلّق بالوسيلة التي يلجأ لها بعض المحامين/ات عبر وسائل التواصل الاجتماعي “بهدف الترويج لأنفسهم، أو إدلاء رأيهم وتقديم إستشارات قانونية مضلّلة للرأي العام، إضافة إلى تنامي ظاهرة حسابات المحامين/ات، على منصة تيكتوك، مما يخالف للقوانين الداخلية التي تنظم المهنة”.
غير أنّ صاغية يرى أنّ ملاحقة الحسابات التي أسّسها محامون على منصة “تيكتوك” وينشرون عليها “أمر غير مبرّر”، مشيراً إلى أنّه “لا أحد يقدر على إيقاف إيصال النقاش العامة والمعلومة عن الناس”. ويتساءل، “كيف يمكن أن يصدر حكم بملف قضائي ما ثمّ يُمنَع من النشر وبأيّ حق؟ هذا مخالف للقانون، وحتى لعمل المحكمة، وحرية النشر المكرّسة في قانون المطبوعات”.
وكان برز دور المحامين/يات في تحرّكات واحتجاجات “17 تشرين” 2019 وما يعدها، حيث شكلّوا رأس حربة للدفاع الناشطين/ات الذين تعرّضوا للاعتقال والتوقيف، كما شهدت تحركات أقيمت من قبل ناشطين/ات ومحامين/يات ضد قضايا مفصلية في لبنان كانفجار مرفأ بيروت، وقضايا المودعين، والتحقيقات الدولية بحقّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشخصيات سياسية، شارك بها العديد من المحامين.
وإسكات للقضاة أيضاً
معركة المحامين، تقابلها معركة لبعض القضاة الذين يتجرؤون على فضح قضايا مثارة في الدولة كقضية القاضي شادي قردوحي، الذي صدر بحقه قرار بالتوقيف عن العمل وأعلن تمرده على القضاء في أواخر العام 2022. ومنذ أسبوع ينشط قردوحي على حسابه على تويتر بتفنيد الدعوى بحقه من عدة شخصيات كالوزير السابق مروان خير الدين. وتبلغ القاضي قردوحي حسب ما أعلن على تويتر أيضاً بملاحقته جزائياً ومدنياً وتغريمه بمبلغ 280 مليون ليرة لبنانية، وقابل للصعود في حال لم يتم تنفيذ الأحكام الحاصلة بحقه. وأيضاً حاولت “سمكس”، التواصل مرراً مع القاضي قردوحي إلا أن لم يرد على إي إتصال هاتفي ولا على الرسائل الموجه إليه، مكتفياً بحقه بالتعبير عبر صفحاته على وسائل التواصل الإجتماعي، كما تنشط حملات مع قردوحي من أجل جمع إمضاءات لمواكبة القضية، والضغط على القضية.
[leap_separator style=”solid” color=”” width=”” margintop=”” marginbottom=””]