بات الإنترنت حقاً وحاجة أسأسياً في عالمنا اليوم، إذ أضحى بوابة يصل الناس من خلالها إلى حقوق وحاجاتٍ أخرى لا يمكن الاستغناء عنها، مثل المعرفة والتعلّم، والوصول إلى الخدمات الحكوميّة، والاطلاع على فرص العمل، والتواصل وممارسة الحق في الرأي والتعبير، ومتابعة الأخبار، والوصول والاطلاع على خدمات الرعاية الصحية. لكن في ظلّ الوضع الحالي في غزّة، لا خيار سوى الحديث عن الإنترنت كوسيلة للتواصل، وكأداة تساعد الناس على طلب المساعدة. وقد أقرّت الأمم المتحدة قدرة المستخدمين/ات على الوصول إلى الإنترنت كحقِ من حقوق الإنسان عام 2016، وليس شكلاً من أشكال الرفاهية الثانوية.
في هذه الجلسة من تنظيم ” فرقة العمل المعنية بهندسة الإنترنت” (IIETF) حول شكل البنية التحتية الفلسطينية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتأثيره على الحقوق الإنسانية والرقمية، تحدّث كلّ من أحمد السعدة- رئيس “جمعية مجتمع الإنترنت” (ISOC) فرع فلسطين، وتيم أنغلهارت من مفوضية حقوق الإنسان-مكتب جنيف، وستيفاني ميكلسون من صندوق الأمم المتحدة للسكان، والتي عُقدت في 6 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
بداية، ولفهم السياق التاريخي والجغرافي لكيفية تأمين وتوزّع خدمات الاتصالات والإنترنت في الأراضي الفلسطينيّة، لا بدّ من الاطلاع على أشكال الحكم السارية على مناطق البلاد بحسب اتفاقية أوسلو التي وُقّعت بين سلطات الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينيّة عام 1993.
بحسب اتفاقية أوسلو، تنقسم الأراضي الفلسطينية إلى ثلاث مناطق:
المنطقة أ: 18% منها فقط خاضع إلى حكم السلطة الفلسطينية
المنطقة ب: 22% منها خاضع إلى الإدارة المدنية الفلسطينية، وحكم إسرائيلي-فلسطيني أمني (عملياً، تقع هذه المنطقة تحت سيطرة إسرائيلية كاملة)
المنطقة ج: 60% من منطقة الضفة الغربية، خاضعة إلى حكمٍ إسرائيلي كامل
ومع ذلك، تقيّدسلطات الاحتلال الإسرائيلي وصول الفلسطينيين/ات إلى تقنيات التكنولوجيا وتردّدات الشبكات. فمنذ أكثر من 10 سنوات، يطالب الفلسطينيون بالوصول إلى شبكات 3g. في الضفة الغربية، باتت الشبكة معمولاً بها عام 2018، لكنها ما زالت ممنوعة في غزة حيث يُسمح الوصول إلى شبكة 2g حصراً. وحتى يومنا هذا، لا يملك الفلسطينيون وصولاً إلى شبكة 4G، إلا أنّ السلطة الفلسطينية عقدت اتفاقاً مع سلطة الاحتلال لإتاحتها في الضفة الغربية وقطاع غزة في نهاية عام 2023. ويبلغ عدد المشتركين/ات بخدمات شركتيّ الاتصالات “أوريدوو” و”جوال” في الضفة الغربية نحو 4.3 مليون مشترك.
بالإضافة إلى ذلك، يقيد الاحتلال قدرة الفلسطينيين على الوصول إلى وسائل وتقنيات التكنولوجيا العالمية . يصعب على الفلسطينيين شراء المعدات والمحولات وأبراج الاتصالات وغيرها من المعدات اللازمة لتطوير بنية الاتصالات التحتية. لا يمكن شراء أيّ من هذه المعدات من دون موافقة إسرائيلية. وحتى في المناطق التي تخضع إلى حكم السلطة الفلسطينية، يمنع الاحتلال الفلسطينيين من شراء أي معدات ومحوّلات طاقة. أما مفاتيح شبكة “أوريدوو” (Switches) فموجودة في بريطانيا والأردن، بينما توجد مفاتيح شبكة “جوال” في القدس الشرقية.
هذا ويقيّد الاحتلال استيراد المعدات اللازمة دون أي قواعد أو قوانين واضحة. على سبيل المثال،على الفلسطينيين المستوردين لمعدات الاتصالات تقديم طلباتٍ لسلطات الاحتلال، تتضمّن تفاصيل دقيقة حول البضائع التي ينوون استيرادها، ومدى توافقها مع المعايير الإسرائيلية، وإمكانية استخدامها مدنياً وعسكرياً. أدى هذا الواقع إلى تفاقم فجوة تكنولوجيّة كبيرة، وأجبر الفلسطينيين/ات على التأقلم مع بنية وخدمات اتصال سيئة.
كيف ينتهك الاحتلال حقوق الفلسطينيين الرقمية؟
1- تقييد حق الفلسطينيين في التواصل والوصول إلى الإنترنت
- تفيد تقارير البنك الدولي بأن شركتي “جوال” و”وطنية” (أوريدوو) بحاجة إلى بناء 300 برج اتصالات في “المنطقة ج” لتأمين تغطية “جيدة” في مناطق الضفة الغربية.
- أدّى التضييق الذي يمارسه الاحتلال على أعمال تحسين البنية التحتية الفلسطينية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى ضعف التواصل والاندماج بين سكان الضفة الغربية وقطاع غزة.
يعتبر الوصول إلى الإنترنت حقاً إنسانياً، وانتهاكه يعدّ انتهاكاً للحق في حرية التعبير وحق الوصول إلى المعلومة واستخدامها.
2- انتهاك الحق في الخصوصية
- تتعقّب سلطات الاحتلال الفلسطينيين/ات وتراقبهم بشكلٍ مستمر، وذلك من خلال تركيب كاميرات المراقبة التي تتضمن خاصية التعرف على الوجه في كلّ مكان لتسجيل تحركاتهم.
- تعمد سلطات الاحتلال إلى ابتزاز الفلسطينيين بمعلومات شخصية يملكونها عنهم، ويهددون بفضحها في حال لم يتعاونوا معهم كجواسيس يعملون لحسابهم.
- تستطيع سلطات الاحتلال السيطرة على هواتف الفلسطينيين وإجراء الاتصالات وإرسال الرسائل منها.
- تستخدم “إسرائيل” برمجيات التجسس الخبيثة مثل “بيغاسوس” (إسرائيلية المنشأ) للتجسّس على الفلسطينيين/ات.
3- انتهاك الحق في حرية التعبير
- تراقب سلطات الاحتلال الفلسطينيين على وسائل التواصل وتعتقلهم على إثر منشورات يشاركونها.
- بعد أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر فقط، اعتقل نحو 161 فلسطينياً وجرى التحقيق معهم بسبب نشاطهم على وسائل التواصل.
- طُرد موظفون/ات من عملهم بسبب منشوراتٍ شاركوها عن الحرب الدائرة في غزة.
- بين عامي 2015 و2018، اعتقل نحو 500 فلسطيني/ة على خلفية تعبيرهم عن آرائهم عبر مواقع التواصل.
- تطبّق سلطات الاحتلال قوانين عسكريّة وتتهم الفلسطيين بالتحريض عند تعبيرهم عن مواقفهم عبر وسائل التواصل، وذلك لامتلك حجّة تبرّر اعتقالهم.
حجب الإنترنت في غزة
بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، تضررت بنية الاتصالات التحتية في غزة بسبب القصف الإسرائيلي، لينخفض معدل توفّر خدمات الاتصالات إلى أقلّ من 20%.
منذ 31 تشرين الأول/أكتوبر، يواجه 15 مزوداً لخدمات الانترنت يعملون في غزة من أصل 19 انقطاعاً تاماً في خدمات الهاتف المحمول والنطاق العريض، وكانت كلٌّ من الشركات الأربع المتبقية تعاني من نسب مرتفعة ومتفاوتة من تعطيل في الخدمات، ما أثّر على الملايين من الأشخاص. وقد أثّرت عمليات الانقطاع التام بشكلٍ مباشر على حوالي 411 ألف شخص يستخدمون هذه الخدمات في غزة، بالإضافة إلى 34 ألف شخص في الضفة الغربية.
(للمزيد حول خريطة مزوّدي خدمات الإنترنت الأساسيّين في غزة، والاطلاع على تحليلٍ منفصل لكلّ حالة في ما يتعلّق بالاتصالات والتغيّرات في حركة الإنترنت لكلٍّ من مزوّدي خدمات الإنترنت في الفترة الواقعة ما بين 4 و31 تشرين الأوّل/أكتوبر 2023، اقرأوا هذا التقرير من إعداد “سمكس” و”أكسس ناو”).
يشكل قطع الإنترنت في غزة انتهاكاً لحقوق الفلسطينيين الإنسانية والرقمية. فهو:
-يمنعهم من التواصل فيما بينهم، ويتركهم عاجزين عن طلب المساعدة من الجهات المحلية والعالمية
-يعتّم على الأخبار وحقيقة الأحداث داخل غزة
-يفسح المجال أمام الاحتلال لارتكاب المزيد من الجرائم
-انتشار الأخبار الخاطئة
-منع وصول الأخبار والمستجدات من المناطق التي تتعرض لاعتداءات
استنتاجات وتوصيات
منع سلطات الاحتلال الفلسطينيين/ات من الوصول إلى الإنترنت هو انتهاك لحقوقهم الإنسانية والرقمية وحقهم في التعبير عن الرأي تحديداً، ويمثل احتلالاً رقمياً يعيش الفلسطينيون تحت وطأته.
لذلك، طالب المتحدثون في هذه الجلسة الاحتلال الإسرائيلي بما يلي:
-التوقف عن مراقبة الفلسطينيين غير المشروعة، خاصة في المساحات الرقمية
-احترام حق الفلسطينيين/ات في التعبير وحقهم في الخصوصية
-التوقف عن تقييد قدرة الفلسطينيين/ات على تحسين بنية الاتصالات التحتية