تخيلوا يوماً أن نستيقظ ونجد أنّه تم إقفال العديد من المحال التجارية أو المؤسسات في لبنان بالشمع الأحمر من دون أي إنذار، لأنّ الألمنيوم الموجود على أبوابهم وداخل أدواتهم إسرائيلي الصنع دخل في غفلة وتغافل من السلطات وعندما تنبّهت للأمر لم تعطِ المؤسسات أيّ مهلة حتى لتغييره. وتخيلوا أيضاً العواقب الاقتصادية على تلك المحال بسبب هكذا قرار؟ هذا ما تمّ اكتشافه ليل البارحة عندما علمنا بحجب برمجية “ويكس” (Wix) الإسرائيلية المنشأ مما أدى لحجب المواقع اللبنانية التي تستخدمها.
بحسب قانون قانون مقاطعة إسرائيل لعام 1955، تنصّ المادة 1 على أنّ “الشركات والمؤسسات الوطنية والأجنبية التي لها مصانع أو فروع تجميع أو توكيلات عامة في إسرائيل في حكم الهيئات والأشخاص المحظور التعامل معهم حسبما يقرّره مجلس الوزراء بقرار ينشر في الجريدة الرسمية”. فهل نُشر قرار في الجريدة الرسمية يشير إلى منع التعامل مع منصة “ويكس” وهل تبلّغ أصحاب المواقع الإلكترونية التي تستخدم “ويكس” بهذا القرار؟
تبيّن وعلى نحو مفاجئ أنّ موقع وبرمجية “ويكس” محجوبان بقرار قضائي بحسب الرسالة التي تظهر عند زيارة أيّ من المواقع المبنية على منصة “ويكس”. ما يعني أنّ الحجب لم يطل موقع wix.com وحسب بل أيضاً كل المواقع التي استخدمت برمجيته للبناء عليها.
يبدو أنّ هذا القرار صدر فجأة ومن دون أيّ مهل، ونقدّر أنّه سيؤثر على مئات المواقع الإلكترونية في لبنان. ولم يعرف أصحاب المواقع الإلكترونية بحجب برمجية “ويكس” إلا بعدما بدأوا يلاحظون عدم قدرتهم على الوصول إلى مواقعهم الإلكترونية التي تستخدم تلك المنصة من لبنان. حتّى أنّ بعضهم سأل عبر وسائل التواصل عن الموضوع، وثمّة من تواصل معنا قبل أيام في نهاية الأسبوع الماضي ليخبرنا بحجب موقعه في لبنان وأنّه لم يحصل على إجابة من “أوجيرو”، المشغّل الرسمي لخطوط الهاتف الثابت والإنترنت الثابت في لبنان.
مسألة “ويكس” وعلاقتها بإسرائيل سبق أن طُرحَت في بعض وسائل الإعلام في شهر آب/أغسطس من العام الماضي حيث نشرت صحيفة “الأخبار” بياناً لـ”حملة مقاطعة إسرائيل في لبنان” يتحدّث عن أصول شركة “ويكس” الإسرائيلية. أما كان يجدر بوزارة الاقتصاد والتجارة ووزارة العدل النظر في هذا الموضوع والتعامل معه، ومنح مهلة للشركات والمؤسسات التي بُنيت مواقعها بالاعتماد على منصة “ويكس” منذ ذلك الحين؟
وسبق لوزارة الاقتصاد والتجارة اللبنانية نشر تعميم حول “دخول بضائع إسرائيلية الى لبنان بعمليات شراء إلكترونية” في 9/11/2017، ولكنّه لم يكن واضحاً كفاية كما أنّه لم يحدّد المواقع والخدمات التي يُمنع التعامل معها بموجب قانون مقاطعة إسرائيل (مثل “ويكس”)، ولم يُنشر التعميم على نطاق واسع كي يتسنّى للمعنيين الاطّلاع عليه والتقيّد به. واكتفى التعميم بالطلب من “كافة المقيمين على الأراضي اللبنانية الذين يقومون بعمليات شراء إلكترونية بوجوب التقيد التام بأحكام قانون مقاطعة اسرائيل والتأكد من المصدر ومن بلد المنشأ للبضائع والسلع والمنتجات ومن جنسية الموزع”. وحتى في كتاب وزارة الاقتصاد لمجلس الوزراء من أجل الموافقة على التصديق على توصيات المؤتمر الواحد والتسعين لضباط إتصال المكاتب الإقليمية لمقاطعة إسرائيل، والصادر بتاريخ 4/4/2018، لم يتضمّن اسم موقع وبرمجية “ويكس”.
ولكنّ المؤسسات التجارية في لبنان غالباً ما تعهد بناء مواقعها الإلكترونية إلى وكالات تتولّى بنفسها تصميم الموقع وبنائه وحتى إدارته، وبالتالي في الكثير من الأحيان لا تعرف هذه المؤسسات أنّ البرمجية التي بُني موقعها عليها إسرائيلية وممنوع التعامل معها بموجب القانون.
ولذلك نرى أنّ الشركات اللبنانية والمنصات التي تعتمد في معيشتها على المواقع الإلكترونية تستحقّ مهلة لكي تجد حلّاً آخر. ولذلك نطالب وزارة العدل بالرجوع عن القرار مؤقتاً، وإعطاء مهلة سماح بين 90 -120 يوماً.
ونطالب وزارة العدل ووزارة الاقتصاد والتجارة والدولة اللبنانية وصنّاع القرار في هذا الملف أن يضعوا لائحة بالمنتجات التقنية التي يجب مقاطعتها ونشرها في قرار يُنشر في الجريدة الرسمية كما ينص قانون مقاطعة إسرائيل في المادة 1، وأن تكون العملية ضمن مسار واضح وشفاف يسهل الوصول إليه، بحيث يعلم منتجو ومستخدمو المواقع الإلكترونية والعاملون في قطاع التكنولوجيا في لبنان ما يجب أن يتبنوه وما يجب أن يتجنبوه.
نحن كمنظمة ترفض سياسات الحجب أياً كانت وتؤمن بحركة المقاطعة لدولة الاحتلال، سبق ورفضنا هذه البرمجية بعد اقتراحها من شركة طلبنا منها بناء موقع إلكتروني لحدث ننظّمه بعد تدقيقنا بمصدرها. ونؤمن بقدرة الوكالات والشركات والمؤسسات والأفراد على اتخاذ القرار المناسب بعد التدقيق في البرمجيات والتقنيات التي يستخدمونها، خصوصاً وأنّ ثمّة الكثير من التقنيات والبرمجيات التي تكون إسرائيلية المنشأ وأنّ الضرائب على العائدات والأرباح التي تحققها هذه الشركات تعود بالنفع على دولة الاحتلال.