أصبح بالإمكان مقاضاة شركات الاتّصالات في لبنان أو أي جهة أخرى لإرسالها رسائل غير مرغوب بها (spam)، وذلك لأنّ الأمر يشكّل مخالفة صريحة لنص المادة 32 من قانون المعاملات الإلكترونية.
هذا ما أوضحه الدكتور شربل القارح، رئيس مركز المعلوماتية وتكنولوجيا الاتصالات في نقابة المحامين في بيروت، خلال مؤتمر “المعاملات الإلكترونية من التشريع إلى التطبيق” الذي انعقد في 15 آذار في “بيت المحامي”، قائلاً إنّ “شركات الاتّصالات لا تملك الشبكة والتي ينحصر دورها وصلاحياتها في حدود التشغيل فقط”.
اعتراضاً على هذه الممارسات، تقدّم القارح بإخبار ضد 55 شركة بالإضافة إلى شركات الإتّصالات أمام النيابة العامة التمييزية. ولكنّ الأخيرة، ولعدم اطّلاعها على قانون المعاملات الإلكترونية الجديد، كما قال القارح، “اعتبرت نفسها غير مختصة نوعياً للنظر بالشكوى كون الجرم جنحياً، فأرسلتها للمُحافظ الذي حوّل الشكوى بدوره إلى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية”.
خلال المؤتمر الذي نظّمته نقابة المحامين في بيروت بالتعاون مع منظمة “سمكس”، شرح متحدّثون من قضاة ومحامين ومشرّعين قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي رقم 81/2018، وناقشوا التعديلات الجزائية التي يشتمل عليها القانون، والتوقيع الإلكتروني والإثبات، وصولاً إلى اختصاص القضاء المستعجل.
التعديلات الجزائية في قانون المعاملات الإلكترونية
رأى القاضي زاهر حماده، المحامي العام الاستئنافي في بيروت، في إطار الحديث عن التعديلات الجزائية التي حملها قانون المعاملات الإلكترونية، أنّ هذا القانون “عالج ثغرات في قانون العقوبات، والنصوص العقارية والإثبات الإلكتروني”.
فقد أشارت المادة 118 من قانون المعاملات الإلكترونية إلى “تعديل نص البند 3 من المادة 209 من قانون العقوبات التي تعرّف وسائل النشر ليُضاف إليها عبارة “الوسائل الإلكترونية”.
وكذلك أشارت المادة 119 من قانون المعاملات الإلكترونية إلى تعديل المادة 453 من قانون العقوبات، لكي تدخل المستندات الإلكترونية ضمن المستندات التي يتعمد عليها تعريف التزوير؛ “التحريف المتعمد للحقيقة، في الوقائع، أو البيانات التي يثبتها صكّ أو مخطوط أو دعامة ورقية أو إلكترونية أو أية دعامة أخرى”.
ولكنّ محمد نجم، المدير التنفيذي لمنظمة “سمكس”، اعتبر أنّه من المهم أن نميّز بين الخطاب على الويب المحمي بموجب المادة 13 من الدستور اللبناني وبين التزوير الفعلي. وأشار إلى أنّ هذه التعريفات في قانون العقوبات يمكن أن تُستخدم لتجريم الخطاب على مواقع التواصل الاجتماعي، علماً أنّ عدد حالات الاستدعاء والتوقيف بسبب الخطاب على الويب ارتفعت لأكثر من 40 حالةً في عام 2018 وتخطّت في الشهرين الأولين لعام 2019 عشر حالات استدعاء حتى الآن.
شرح حماده أنّ قانون المعاملات الإلكترونية أضاف ثلاث جرائم جديدة هي:
– جرم الولوج غير المشروع الى نظام معلوماتي، المنصوص عليه في المادة 110 من القانون الجديد. وقد ميّز القانون في هذه المادة بين جرم التعدّي على أنظمة تشغيل operating system (الولوج)، وجرم القرصنة (التعدّي على البيانات مثل إلغائها أو نسخها أو تعديلها..).
– جرم التعدي على سلامة النظام، المنصوص عليه في المادة 111 من قانون المعاملات الإلكترونية والتي تشمل معاقبة من يقدم “بنية الغش وبأي وسيلة على إعاقة عمل نظام معلوماتي أو إفساده”.
– جرم التعدي على سلامة البيانات الرقمية كما ورد في المادة 112 من القانون الجديد بحيث يُعاقب “كلّ من أدخل بيانات رقمية، بنية الغش، في نظام معلوماتي وكلّ من ألغى أو عدل، بنية الغش، البيانات الرقمية التي يتضمنها نظام معلوماتي”.
واعتبر القاضي حماده أنّ المادة 112 “بالغة الأهمية كونها حلّت معضلة كبيرة، حيث كان يتعذر على المحاكم تجريم هذا النوع من التعديات لانتفاء نصّ خاص مما دفع القضاة للاجتهاد وتطبيق قانون الملكية الفكرية عندما كان التعدي يطال القطاع الخاص”.
أما في حالة اختراق بيانات الإدارات العامة ومواقع المصارف، فأشار حماده إلى أنّ “المحاكم عمدت إلى التوسّع في تفسير عبارة “معلومات” الواردة في المادة 282 من قانون العقوبات وعطفها على نص المادة 281 من القانون نفسه” والتي تنص على معاقبة من دخل أو حاول الدخول إلى مكان محظور بقصد الحصول على أشياء أو وثائق أو معلومات يجب أن تبقى مكتومة .
ولكنّه رأى أنّ هذا توجّهاً خاطئاً، لأنّ “نصّ السرقة لا يطبق على هذا النوع من الجرائم، فالبيانات موضوع الاعتداء ليست مالاً منقولاً، كما أن السرقة تفرض نزع الحيازة من المالك وانتقالها إلى السارق”.
التعديلات المدنية في قانون المعاملات الإلكترونية
تطرّق قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي في الفصل الثاني إلى إثبات الأسناد الإلكترونية مثل التوقيع الإلكتروني والإثبات المقيد.
بالنسبة للتوقيع الإلكتروني (e-signature)، قال النائب نديم الجميل، رئيس لجنة تكنولوجيا المعلومات، إنّ “العمل بالتوقيع الإلكتروني بدأ فعلاً في المصارف. ولكنّ التوقيع الإلكتروني المصادق عليه (qualified e-signature) “لم يُعمل به بعد، إذ يحتاج إلى مراسيم تطبيقية من وزارة العدل، بالإضافة إلى عدّة إجراءات من وزارات الصحة والاتصالات والاقتصاد”.
من جهته لفت المحامي شربل شبير إلى أنّ مسألة تحديد القوة الثبوتية للتوقيع الإلكتروني أظهرت انقساماً في صفوف الحقوقيين، “فمنهم من اعتبر التوقيع الإلكتروني مماثلاً للتوقيع العادي، ومنهم من اعتبره توقيعاً مستقلاً لا مجال لمقاربته أو مقارنته”.
ورأت القاضية دوريس شمعون، القاضي المفرد المالي في عاليه، التي بدأت سابقة في استخدامها تطبيق “سكايب” لإجراء استجواب بين طرفي دعوى، أنّ المستندات الموقّعة إلكترونياً تفتقر لشروط جوهرية، “فالسند الرسمي يُوقّع أمام موظّفٍ رسمي يتحقّق من هوية الأطراف وأهليّتهم والرضى، وهي شروط لا تتوفر في السند الإلكتروني ما دفع البعض للقول بعدم إمكانية وجود عقد رسمي إلكتروني”.
وأضافت أنّ “السند العادي يخضع لقاعدة تعدد النسخ، بينما في حالة السند الإلكتروني لا مجال لتمييز السند الأصلي عن النسخ”. ورأت أنّ الإشكالية التي يطرحها إثبات السند الإلكتروني “تطال أيضاً مسألة تحديد تاريخ نشوء العقد المتمثل باقتران الإيجاب بالقبول”.
إختصاص قاضي العجلة في قانون المعاملات الإلكترونية
منحت المادة 40 من قانون المعاملات الإلكترونية لقاضي الأمور المستعجلة صلاحية “فرض التقيّد بالموجبات المنصوص عليها في المادتين 31 و 32 من هذا القانون تحت طائلة غرامة اكراهية”.
فالمادة 32 من قانون المعاملات الإلكترونية لم تمنع أصحاب الشركات التجارية من إرسال رسائل spam إلا أنّها اشترطت وجود موافقة مسبقة من المتلقّي، ومنح المتلقّي إمكانية إلغاء الإشتراك في هذه الرسائل نهائياً ومن دون تكبّد أية مصاريف”، كما شرحت المحامية ناتالي فراج من مركز المعلوماتية وتكنولوجيا الاتصالات في نقابة المحامين في بيروت.
ولحظت المادة 31 من القانون الجديد موجبات على عاتق كلّ من يمارس التجارة الإلكترونية، ومنها تأمين ولوج سهل ومباشر ودائم للمستخدمين إلى معلوماته الشخصية والتجارية مثل الاسم الكامل، والعنوان، ورقم السجل التجاري وغيرها.
في هذا الإطار شرحت القاضية هالة نجا، قاضي الأمور المستعجلة في بيروت، أنّه “لا يمكن تطبيق القانون من دون التعمّق في النواحي التقنية للتكنولوجيا. فقانون المعاملات الإلكترونية هو قانون حديث جداً ولم يطبق فعلياً بعد في القضايا”.
وأضافت أنّ “دور قاضي الأمور المستعجلة، وفق أحكام هذا القانون، يقتصر على فرض التقيد بأحكامه من خلال وقف التعديات واتّخاذ تدابير ضرورية مؤقتة لحماية البيانات من دون أن يشمل الحكم بتعويضات”.
وبالتالي، فإنّ اللجوء إلى قضاء العجلة لحجب رسائل spam أمرٌ “لن تشهده المحاكم عملياً”، بحسب القاضية نجا. وذلك لأنّ “حجب الجهة المرسلة لرسائل spam أسهل من إقامة دعوى قضائية”.
نجاح عيتاني، طالبة حقوق ومتدربة في مجال القانون مع منظمة “سمكس”.