كُتب هذا المقال بالتعاون مع “رصيف22” ونُشر أساساً على موقع “رصيف22”.
تأمّلي في معرض الصور في هاتفك المحمول لمدة دقيقة، قد تجدين نفسك وسط صور ومقاطع فيديو أرسلتها إلى شخص تعرفت إليه عن طريق تطبيق للمواعدة أو إلى حبيب سابق. بعض هؤلاء يمكن أن “يخونوا” ثقتك، خصوصاً إذا كنتِ أنثى أو جزءاً من مجتمع الميم.
قد أصبحت ظواهر الابتزاز الجنسي، والتحرّش عبر الإنترنت، وجمع المعلومات والوثائق الحساسة المنشورة على شبكة الإنترنت (doxxing)، حقيقة شبه يومية تطال النساء والفتيات، وبخاصة في بلدان مثل لبنان وفلسطين ودول الخليج والمغرب.
أرقام مقلقة تُظهر أنّ النظام الأبوي في انتشار على الإنترنت
بات الابتزاز الجنسي مشكلة في لبنان، مع كلّ ما يتخلّله من مشاركة صور ومقاطع فيديو عبر الإنترنت من غير موافقة الشخص المعني. فوفقاً لتقرير أصدرته جمعية “سمكس” للحقوق الرقمية عن التهديدات التي تطال خصوصية النساء ومجتمع الميم عبر الإنترنت في لبنان، يراوح عدد الشكاوى التي تصل إلى الهيئات الحكومية نحو 6 في الأسبوع. وقوى الأمن الداخلي تبذل جهداً كبيراً لتحذير مستخدمي الإنترنت باستمرار من أجل تجنّب مشاركة “صور غير ملائمة” مع أي شخص.
وفي غزة والضفة الغربية والأراضي المحتلة، يتعرّض ثلث النساء الفلسطينيات للعنف الجنسي والمضايقة عبر الإنترنت، وهذا ما يدفع النساء والفتيات إلى إغلاق حساباتهنّ على مواقع التواصل وتجنّب التعبير على الإنترنت، بحسب دراسة نشرها “المركز العربي لتطوير وسائل الإعلام الاجتماعية” (حملة) ومؤسسة “كفينا تيل كفينا” السويدية.
بعض حملات التوعية تضرّ بحرية التعبير على الانترنت
يشتمل المجتمع الأبوي الذي لا يوفر للمرأة عادةً الحماية القانونية الأساسية على تحديات وقيود تميل إلى التوسع في الفضاء الرقمي. وفي هذا الإطار، فإنّ الكثير من الحملات الموجّهة للحدّ من مشكلة التحرّش الجنسي والعنف عبر الإنترنت صُمّمت ضمن إطار أبوي يحرف الانتباه عن المتحرّشين والمسيئين ويلقي المسؤولية على كاهل الضحايا.
من الأمثلة على ذلك حملة شركة الاتصالات اللبنانية “ألفا” التي أطلقت في أكتوبر 2018 لتخبر مستخدمي الإنترنت اللبنانيين بأنّ “ليس كل شي للنشر” مستخدمة هاشتاغ #NotEverythingIsForSharing. قامت الحملة بالتنسيق مع وكالة إعلانات من دبي بتصوير نافذة أحد المنازل وكأنّها شاشة هاتف تعرض مشاهد مختلفة ترى الشركة اللبنانية أنّه “من الأفضل أن تبقى خاصة”.
تهدف حملات كهذه إلى ضبط سلوك الأفراد عند مشاركة أمور على الإنترنت، وهذا ما يؤدي بالتالي إلى المزيد من الرقابة الذاتية. وينطبق هذا الأمر في أكثر الأحيان على النساء والفتيات اللواتي يواجهن عوائق أكبر أثناء التعامل مع الضغوط المجتمعية التي تحدّ من حرية التعبير.
الرقابة الذاتية على الإنترنت منتشرة بالفعل بين الإناث، فقد وجدت دراسة مركز “حملة” أنّ 39.8% من النساء الفلسطينيات اللواتي شملهن الاستطلاع يشعرن بالأمان عند مشاركة المعلومات الشخصية والصور على وسائل التواصل الاجتماعي، وحوالي 42.9% منهنّ يمارسن الرقابة الذاتية على الإنترنت. وعلى الرغم من أنّ حالات الابتزاز والمضايقة على الإنترنت تستهدف الرجال، فإنّ النساء والفتيات ما زلن المستهدف الأكثر ضعفاً.
هذا الإقصاء المستمرّ للنساء والفتيات من الفضاء الرقمي العام قد يساهم في إبقاء هذا الفضاء تحت هيمنة الخطابات الأبوية والجنسية إذ يجري تجاهل العنف الجنسي والتحرّش والتقليل من خطورتهما.
خطوة صغيرة لاستعادة السيطرة
لا ينبغي الخضوع للرقابة الذاتية أو الخوف بل يجب العمل على استعادة الإنترنت. فالأمل بالوصول إلى شبكة إنترنت متساوية وديمقراطية ليس بعيد المنال، ويمكن أن يتحقّق بمجرّد أن تتحكّم النساء والفتيات من خصوصيتهن على الإنترنت بأنفسهنّ.
في حملة طويلة المدى تطلقها “سمكس” في يوم عيد الحب في بيروت، سنقول للنساء إنّ الاحتفال بالجسد والجنسانية على الإنترنت “مش عيب”. عندما تنعدم الحواجز بين التكنولوجيا والواقع ويتحوّل جيل الألفية والأجيال الشابة إلى الإنترنت من أجل التواصل أو الحب أو الجنس، يصبح لزاماً علينا أن نتوقع هذه الاحتياجات ونقدّم بعض التوصيات.
تساعد التوصيات الأساسية التالية على الحدّ من حالات التحرّش الجنسي والعنف عبر الإنترنت، ولكن إذا أردنا أن نكون واضحين فهي ليست مضمونة بالكامل.
وضع قفل للشاشة
ضعي قفلاً لهاتفك باستخدام رقم تعريف شخصي رقمي (PIN) أو نمط (pattern) أو كلمة مرور. انتقلي إلى “الإعدادات” (settings) في هاتفك ثمّ “شاشة القفل والأمان”، وانقري على “قفل الشاشة”. تجنبي استخدام أمور واضحة مثل يوم عيد الميلاد، وتجنّبي إعطاء كلمة المرور والصور مطلقاً إذا لم تثقي بالشخص.
قلّلي كمية البيانات التي يمكن للتطبيق جمعها عنك خصوصاً تطبيقات التعارف
بعد تنزيل التطبيق من متجر التطبيقات الرسمي، تحققي من أذونات التطبيق (app permissions). هل يريد تطبيق المواعدة الوصول إلى الميكروفون؟ لا. هناك تطبيق آخر يريد الوصول إلى قائمة جهات الاتصال؟ لا، شكراً. من المفيد الانتباه إلى نوع البيانات التي يريد أي تطبيق جمعها عنك، ولهذه الغاية اذهبي إلى مدير تطبيقات الهاتف (applications manager) وانقري على أيّ تطبيق لمعرفة المزيد حول الأذونات التي سبق أن منحتها للتطبيقات.
إيقاف المزامنة التلقائية في خدمات التخزين السحابي
خدمة التخزين السحابي الغامضة مثل “آي كلاود” (iCloud) و”درايف” (Drive) وغيرهما، والتي تسمح لك بتخزين بياناتك “في مكان ما” من أجل تحرير مساحة أكبر على كرت الذاكرة، تصبح أوضح عند معاينتها بالتفصيل. تتلخّص خدمة الحوسبة السحابية في استخدام شبكة من أجهزة الكمبيوتر لتخزين المعلومات ومعالجتها، وهذا يجعل السحابة الرقمية شيئاً ملموساً يُخزّن عليه كلّ شيء من مقاطع الفيديو الجنسية أو الصور أو الرسائل أو حتى معلومات الاتصال الخاصة بالأصدقاء، ويمكن الوصول إليها بسهولة. وبالتالي، يساعدك إيقاف المزامنة التلقائية بين الهاتف والتخزين السحابي على استعادة التحكم الأساسي في بياناتك من دون الخوف من أن تُسرّب.
استخدمي تطبيقات المراسلة المشفرة بين الأطراف
يسمح التشفير بين الأطراف الذي تستخدمه التطبيقات مثل “واتساب” وسيغنال” للقارئ والمُرسِل فقط بقراءة محتوى رسائلهما. يُعتبر هذا الأمر مهماً جداً في حال كانت لديك مخاوف بشأن تعرّض صورك الحساسة لأيّ اختراق، كما يطمئنك بأنّ أحداً لن يستطيع قراءة رسائلك سواء كانت الحكومة أو مطوري التطبيق. ولكن قد يكون “واتساب” خياراً مناسباً غير أنّه ليس الأكثر أمناً، فعندما تصلك صورة أو فيديو عن طريق “واتساب” يتم حفظها تلقائياً في معرض الصور على هاتفك، علماً أنّه يمكن تعطيل هذا الأمر من خلال إعدادات التطبيق.
الخيار الأفضل في هذه الحالة هو تطبيق “سيغنال” المجاني الذي يثق به خبراء الأمن السيبراني. لا يسمح “سيغنال” بحفظ الملفات في معرض الصور فحسب، بل يوفّر أيضاً ميزة إخفاء الرسائل عبر التدمير الذاتي بعد فترة زمنية محددة.
مهما كان الدافع وراء تطبيق هذه التوصيات، يمكن اعتبارها منطلقاً لاستعادة أي فرد القدرة على التحكّم بخصوصيته.