اكتشفت رنا، وهي شابّة أدرنيّة مقيمة في عمّان، حملها بعد 8 أشهر من زواجها، بالتزامن مع بدء عامها الدراسي الجامعي الثاني.
“لم أكن مستعدّة لهذه الخطوة. كنت أبكي كثيراً خلال فترات الامتحانات بسبب الخوف والتقلّبات المزاجيّة التي يتسبّب بها الحمل، وكانت طاقتي الجسدية منهارة. كنت أبحث عن معلوماتٍ عن الحمل عبر مواقع التواصل، وأتجنّب استشارة طبيبي خوفاً من أن يهزأ أو يستخفّ بما أمرّ به”.
تمرّ النساء خلال فترة الحمل بتغيّرات نفسيّة وفيزيولوجية قد تدفعها للبحث عن معلوماتٍ تفسّرها عبر الإنترنت، حيث تتوفّر المصادر الأكثر سهولة من حيث الوصول والكلفة، سواء عن طريق الصفحات التي تدّعي توفير المعلومات الدقيقة حول هذا الموضوع أو من خلال التواصل مع صاحبات تجارب سابقة. إلّا أنّ سهولة الوصول التي يوفّرها عالم الأونلاين ليست بلا ثمن، وقد تكون مصدراً للكثير من المعلومات المغلوطة التي قد تهدّد سلامة النساء وأبناءهم في بعض الأحيان.
أذى نفسي للحوامل والأمّهات الجدد
في الحالة المثاليّة، يساهم توفّر المعلومات الصحيّة على الإنترنت في تمكين النساء من الحصول على معلوماتٍ هنّ بحاجة إليها، إلا أنّ هذا قد يؤدّي إلى عواقب وخيمة، وفقاً لأخصائيّة الطب النسائي والتوليد، الدكتورة أسيل الجلاد، التي كشفت في مقابلةٍ مع “سمكس” أنّ “بعض النساء يعتمدن علاجاتٍ خاطئة بناءً على بحثٍ سريع على الإنترنت”، لافتة أنّ “التعامل مع الأعراض بهذه الطريقة يمكن أن يضرّ بصحة الأم وجنينها”.
وبيّنت الجلّاد أنّ الحمل ليس حالة مرضية تمتد لـ9 أشهر كما يشاع عنه في المنصات الرقمية المختلفة، التي “تدفع الحوامل إلى التردّد والشك ويجبرهنّ على اتخاذ قراراتٍ قد تؤثر سلباً عليهنّ”.
لا تختلف تجربة غيداء عن أخريات مررن بمثل تجربتها. اعتمدت الشابة الأردنيّة في بداية حملها على تطبيقات الهاتف لمتابعة حالتها: “لم أشعر بحركة جنيني في الوقت المحدد، فبحثت في التطبيق لأطمئن، لكن النتيجة كانت صادمة إذ أخبرني أنه متوفٍّ”.
“بحثي المستمرّ عن معلوماتٍ عبر الإنترنت وتطبيقات الحمل تحديداً ضاعف من شعوري بالقلق والتوتر، مما أثر سلباً على صحتي النفسية. وقد انغمست في قراءة تجارب الأمهات عبر مواقع التواصل وكنت أسقطها على نفسي، حتى ولو لم تكن مماثلة”.
اعتمدت غيداء على نصائح مجموعات الأمّهات على موقع “فيسبوك”، وجرّبت علاجاتٍ مثل الأعشاب والوصفات الشعبيّة التي لا تستند على أيّ أسس علميّة أو طبيّة.
يشرحالاستشاري النفسي والتربوي، الدكتور موسى مطارنة، لـ”سمكس”، حول أهميّة أن تستشير المرأة الحامل طبيبتها/طبيبها المعالج/ة، أو الاستشاري النفسي، حول المشاكل أو الأعراض التي تواجهها، مؤكداً أنّ مصادر المعلومات الإلكترونيّة غير دقيقة في أحيانٍ كثيرة وقد تولّد عدم استقرار نفسي وضعف القدرة على التكيّف.
وعن مقارنة التجارب ببعضها، يعلّق مطارنة قائلاً إنّ “هذا السلوك قد يؤدّي إلى تدهور الحالة النفسية للمرأة، خاصّة عندما تكون حسّاسة مثل الإجهاض أو الوفاة خلال الولادة”، داعياً إلى عدم الاعتماد على مواقع التواصل واللجوء إلى الاستشاري النفسي للحصول على الدعم والمشورة اللازمة.
تعهّد حكومي بتأمين خدمات الصحة الجنسية والإنجابيّة
أعدّت الحكومة الأردنية ما يسمّى بـ“كتيّب دعم المجلس الأعلى للسكان لقضايا الصحة الجنسية والإنجابية” ليكون إطاراً مرجعياً لتحقيق الإتاحة الشاملة لخدمات ومعلومات الصحة الإنجابية والجنسية المتكاملة، وذلك بهدف “المساهمة في الوصول إلى رفاه الأسر في الأردن، متبنّية الهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة (2016-2030)، للعمل على توسيع حزمة الخدمات لتشمل الرعاية قبل الحمل، والخدمات قبل الزواج، والصحة النفسية، والأمراض غير المعدية، ودعم برامج التغذية”.
كما تضمن الاستراتيجيّة حق جميع الفئات بالوصول إلى معلومات الصحة الإنجابية والجنسية من خلال توفير وسائل تواصل متنوعة ومبتكرة لكلّ الفئات العمریّة […] بالإضافة إلى الترويج لقضایا الصحة الإنجابية عن طریق وسائل التواصل الإجتماعي التي یشرف علیھا أفراد من وزارة الأوقاف”.
في حديثٍ لـ”سمكس”، تؤكّد الدكتورة هديل السائح، مدير عام مديرية الأمراض السارية في وزارة الصحة، “التزام الوزارة بتحقيق الأهداف الاستراتيجية من خلال تأهيل ورفع قدرات الكوادر الصحية لتقديم خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، في كافة المراكز الصحية الأولية”.
بحسب السائح، تتولّى لجانٌ محليّة مهمّة تعريف المواطنين/ات بخدمات الصحة الجنسية والإنجابية وتوافرها في المراكز الصحية، وكيفيّة الوصول إليها، والحصول على هذه الخدمات، كما تعمل الوزارة باستمرار على توعية الجمهور من خلال نشر مجموعة متنوّعة من المواد التعليميّة المرئية والمقروءة.
وأصدر “مركز المعلومات والبحوث” الحكومي، الذي يعمل على “تعزيز التطور الاجتماعي-الاقتصادي من خلال إجراء بحوث شاملة”، عام 2021، تقريراَ حول تصحيح المفاهيم المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية، جاء فيه أنّ النساء يتوجّهن للمواقع الرقمية للحصول على المعلومات الصحيّة والمشورة والتشخيص والعلاج والخدمـات الرعائية والوقائية المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية لتنظيم الأسرة، بالإضافة إلى معلومات حول صحّة الأم والطفل.
والأردن دولة مدرجة في قائمة تضمّ 179 دولة تخصّص ميزانية للدفع بواقع الصحة الجنسية والإنجابية، والعمل على أساس كونها حق أساسي من حقوق الإنسان.
ويؤكّد البحث أنّه لا يجب على النساء الاعتماد على “المعلومات المتداولة على المواقع الإلكترونية، وشبكات التواصل الاجتماعي التي قد تكون خاطئة”، مضيفاً أنّ الإنترنت ليس مصدراً معالجاً للمعلومات. كما يشير إلى أنّه في الوقت الذي لا يزال هناك الكثير من الصعوبات في الوصول للمعلومات الصحيّة الصحيحة.
ويظهر بحثٌ أجرته” سمكس” بعنوان “من المشاركة إلى الصمت: تقييم مدى قمع محتوى الصحة والحقوق الجنسية والإنجابيّة على المواقع التواصل الاجتماعي في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا” في نيسان/إبريل 2024، أنّ منصّات التواصل فرضت قيوداً على المنظمات وصانعي/ات المحتوى الذين نشروا عن الصحّة والحقوق الجنسية والإنجابية، وعمدت إلى إزالة محتواهم وحظر حساباتهم/ن.
تقع مسؤولية معالجة هذا الواقع على عاتق الحكومات وشركات التكنولوجيا بشكلٍ أساسي، لأنّها معنيّة بتوفير مساحات آمنة لتقديم معلوماتٍ دقيقة ومحاربة المعلومات المضلّلة على حدٍّ سواء.