انطلق تطبيق “كلوبهاوس” (Clubhouse) في بدايات فترات الإغلاق التام، في شهر آذار/مارس 2020 تقريباً، ليصبح منصّةً لتنظيم اللقاءات والاجتماعات والندوات الصوتية. أصبحت هذه الفعاليات الرقمية تناقش أموراً أكثر جديةً وإثارةً للجدل في المنطقة، مثل تبادل الآراء بشأن تطبيع الخليج العربي للعلاقات مع إسرائيل، والتمييز العنصري ضد البعض، وحقوق الأشخاص المغايرين/ات والعابرين/ات جنسياً.
ومع ذلك، ترافق هذا الشعور بالارتباط مع الآخرين عن طريق ألفة الصوت والمحادثات المرتجلة مع ثمنٍ باهظ. فلقد وُضع التطبيق تحت المجهر بسبب انتهاكاتٍ مرتبطة بالخصوصية، وبسبب سماحه باستخدام لغةٍ مسيئة وعدوانية غير معتدلة، ونتيجة الغموض في تخزين البيانات.
بالإضافة إلى ذلك، تعمد السلطات في العديد من بلدان المنطقة إلى حجب تطبيق “كلوبهاوس” أو كبحه وإبطائه، نظراً إلى لجوء المزيد من الأشخاص إليه لممارسة حقّهم في حريّة التعبير.
أُطلق تطبيق “كلوبهاوس” في نيسان/أبريل 2020 في سان فرانسيسكو الأميركية، وهو تطبيقٌ صوتي مخصّص لهواتف “آي فون” فقط حالياً، ويمكن الانضمام إليه عن طريق الحصول على دعوة خاصّة. عند الدخول، يمكن الاستماع إلى أحاديث أشخاص آخرين يناقشون مروحةً من المواضيع، من السياسة إلى الأعمال التجارية والموسيقى، وذلك ضمن جلسات نقاش مباشرة غير قابلة للتسجيل إلّا من قبل التطبيق نفسه. ولا يسمح التطبيق بمشاركة المنشورات أو الصور أو الفيديوهات خلال هذه الجلسات، فلا يبثّ إلّا صوت المتحدّثين والمتحدّثات.
القدرة على الوصول إلى أبرز الأخبار والآراء العالمية
سمحت القدرة على إجراء المحادثات في مساحاتٍ افتراضية سريعة الزوال، كتلك التي يوفّرها تطبيق “كلوبهاوس”، للكثير من الأشخاص، بتخطّي العقبات التي تفرضها الرقابة في البلدان التي تُعتبر فيها حرية التعبير معدومة. فبعد أقلّ من عامٍ واحد على إطلاقه، اكتسب “كلوبهاوس” شعبيةً واسعة بين روّاد التكنولوجيا والثقافة الشعبية، ليصبح ميداناً افتراضياً للمناقشات حول حريّة التعبير والسياسة. ووصلت قيمته إلى نحو مليار دولار في الجولة المعلن عنها في 24 كانون الثاني/يناير، وأصبح اليوم التطبيق الأكثر تنزيلًا في ألمانيا واليابان وسلوفاكيا وتركيا.
ولكن، في حين ظهر “كلوبهاوس” فجأةً ليقدّم منصةً تسمح للكثير من الأشخاص بالتواصل بصراحة ومناقشة انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها حكوماتهم، رُسِم حوله في المقابل عدداً من المخاوف الأمنية التي تتعلّق بنقاط ضعفٍ تقنية في التطبيق، كما وُضِعَت علامات استفهامٍ حول بنيته التحتية الكامنة.
وللمفارقة، واجه “كلوبهاوس” انتقاداتٍ لاذعة حول بعض السلوكيات المعادية للنساء في الدردشات، فضلًا عن مزاعم حول التمييز العنصري ونشر معلوماتٍ زائفة حول جائحة فيروس كوفيد-19 على المنصة، على الرغم من الأحكام التي تعتمدها لمكافحة التمييز العنصري وخطاب الكراهية والعنف والمعلومات الخاطئة. وتشير إحدى الميسّرات على موقع “كورا” (Quora)، تاتيانا إستيفيز، إلى بعض الجوانب المقلقة لتطبيق “كلوبهاوس” في مجموعة التغريدات هذه على “تويتر“.
هل تطبيق “كلوبهاوس” آمن إذًا؟
تشير سياسة الخصوصية لتطبيق “كلوبهاوس” إلى أنّ التسجيل الصوتي للمستخدم/ة سيُحفظ لفترة مؤقتة، وتوضح إرشادات الاستخدام أنّ التطبيق “يحفظ التسجيل الصوتي لغرفة دردشةٍ معيّنة طالما كانت هذه الغرفة في البثّ الحيّ، من أجل دعم التحقيقات في حال حصول أيّ حادث”.
وإذا لم يرفع المستخدم/ة أيّ تقريرٍ للثقة والسلامة، يزعم “كلوبهاوس” أنّه يحذف التسجيلات المحفوظة، من دون أن تحدّد سياسته المدّة الزمنية “المؤقتة” لحفظ التسجيل (أيام، أشهر، سنوات؟)، لتبقى هذه العبارة مبهمةً.
أكّد موقع “بلومبورغ” بدوره أنّ موقعاً إلكترونياً (طرف ثالث) كان يستحصل على التسجيلات الصوتية ويجمعها من النقاشات التي كانت تجري على التطبيق. وفي 22 شباط/فبراير، تمّ الكشف عن معلوماتٍ إضافية تفيد بإنّ المناقشات المنعقدة على التطبيق تُنقل إلى تطبيق “أندرويد” مستقل وغير رسميّ، بما يسمح لمستخدمي نظام تشغيل “أندرويد” بالاستماع إلى المحادثات في وقت إجرائها عبر هذا التطبيق غير الرسمي.
تسمح سياسة الخصوصية لتطبيق “كلوبهاوس” تتيح له مشاركة بيانات المستخدمين/ات مع أطراف ثالثة من دون إخطار المستخدمين/ات، غير أنّها لا تحدّد نوع المعلومات التي سيشاركها، وفقاً لمستشار الأمن الرقمي والباحث في حريّة الإنترنت لدى “سمكس”، علي السباعي.
ِتعرّض التطبيق كذلك للكثير من الانتقادات بسبب جمعه معلومات الاتصال الخاصة بالمستخدمين/ات بشكلٍ مكثّف. فهو، لا يزال يعتمد نظاماً قائماً على الدعوات حصراً فإنّه يشعرهم/ن بنوعٍ من الخصوصية والحصرية. ولكنّه، على سبيل المثال يطلب الوصول إلى دليل أرقام هاتف المستخدمين/ات لإضافة أشخاص يعرفونهم. وعند دعوة أشخاص آخرين، يعرض “كلوبهاوس” اقتراحاتٍ لأشخاص إضافيين، بحيث تصبح الأرقام المحفوظة في الهاتف جزءاً من التفاعلات بالنسبة لمعظم مستخدمي/ات التطبيق.
يحثّ السباعي مستخدمي/ات التطبيق على أخذ الحيطة في ما يناقشونه على غرف الدردشة الإلكترونية، وعلى الامتناع عن مشاركة أيّ معلوماتٍ سريّة أو شخصية. كما ويحذّر من عمليّات الاحتيال على الإنترنت أو من حملات التسويق المستهدف غير اللائقة. وفي الوقت عينه، يقدّم السباعي بعض النصائح لمن يفكّر في الانضمام إلى التطبيق: “عند نشر هذا المقال، لم يكن تطبيق كلوبهاوس متوفّراً على نظام تشغيل أندرويد، ولذلك ينبغي أخذ الحيطة من التطبيقات المزيّفة التي تقلّد كلوبهاوس في متجر غوغل بلاي أو على أي موقع آخر”.
ينصح السباعي المستخدمين/ات بعدم الوثوق في التطبيق وبالحفاظ على خصوصية محادثاتهم وأنشطتهم، مشدّداً على “الاكتفاء بمشاركة المعلومات التي قد تنشرونها في المجال العام فقط”.
تطبيق كلوبهاوس غير مرّحبٍ به في سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة والأردن
منذ أوائل شهر آذار/مارس، اشتكى عدد من المستخدمين/ات في الإمارات العربية المتحدة من إبطاء الإنترنت بحيث بات الدخول الكامل إلى “كلوبهاوس” شبه مستحيل، في إشارةٍ محتملة إلى بدء تضييق الخناق على منصّة التواصل الاجتماعي الصاعدة. في البداية بدا الأمر غير ملحوظ بما أنّ معظم المستخدمين/ات يدخلون التطبيق باستخدام تطبيق “شبكة خاصة افتراضية” (VPN). وفي حديثٍ مع موقع “ميدل إيست آي”، أفاد أحد المصادر بإنّ الصوت على “كلوبهاوس” لم يكن واضحاً للكثير من المستخدمين/ات الأسبوع الماضي، مؤكّداً بالتالي حدوث الانقطاع.
أمّا ظاهرة إبطاء الإنترنت التي تحصل عندما يعمد مزوّدو الخدمات إلى إبطاء السرعة للحدّ من الازدحام في عرض النطاق التردّدي، فقد استُخدمَت مراراً من قبل عدّة دولٍ تسعى إلى “منع انتشار المعلومات المؤذية”، بحسب “مؤشّر الجاهزية الشبكية” (NRI).
وفي سلطنة عُمان، حظرت الحكومة تطبيق “كلوبهاوس” في 15 آذار/مارس، زاعمةً أنّه “لا يحمل الترخيص اللازم”، فيما اعتبر ناشطون/ات هذه الخطوة انتهاكاً إضافياً لحقّهم في حريّة التعبير. تصدّر هاشتاغ #Oman_blocks_Clubhouse منصّات التواصل الاجتماعي في اليوم عينه، وتشارك العديد من العُمانيين لقطاتٍ عن التطبيق وهو يُظهر “رسالة خطأ”. وأصدرت “الجمعية العمانية لحقوق الإنسان” بدورها بياناً قالت فيه إنّ “الحكومة العُمانية تتّخذ من حكومة الصين الديكتاتورية مثلاً أعلى وتحظر كلوبهاوس الذي يستخدمه العمانيون كمساحة للتعبير عن آرائهم بحرية من دون رقابة حكومية”.
وفي المملكة العربية السعودية، أفاد موقع “عرب نيوز” بأنّ تطبيق “كلوبهاوس” قد فتح المجال لإجراء مناقشاتٍ محمومة حول مواضيع تُعتبر حساسةً في البلاد، غير أنّ المخاوف المتعلّقة بالمراقبة قد نالت من المستخدمين/ات. واعتبرت الناشطة السعودية الأمريكية المقيمة في الولايات المتحدة، أماني الأحمدي، في حديثٍ لها مع “وكالة الأنباء الفرنسية”، أنّ “تطبيق كلوبهاوس يزدهر بسبب وجود وفرةٍ من المفكّرين السعوديين المهتّمين بمناقشة الكثير من المواضيع المحرّمة أو الخاضعة للرقابة في المجال العام”.
وفي الآونة الأخيرة، انضمّت الأردن إلى قائمة الدول التي تحجب تطبيق “كلوبهاوس”. ففي 25 آذار/مارس، لجأ المستخدمون إلى مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن إحباطهم من حجب التطبيق، فكتب الصحافي الأردني، باسل رفايعة، على صفحته على “فيسبوك”: “السلطة التي تخافُ من الكلام، وتقمعُ شعبها على الأرض وفي الفضاء، لا تستطيعُ مواجهةَ وباء”. وعبّر المستخدمون/ات عن شعورهم بالظلم بعد إسكاتهم على التطبيق فيما يستمرّ صنّاع القرار في التعبير عن آرائهم، وأعلن كثيرون أنّهم سيلجؤون إلى تطبيقات الشبكة الخاصة الافتراضية (VPN) للاستمرار في استخدام “كلوبهاوس”.
هل يكون المحتوى الصوتي بمثابة الجيل الجديد لمواقع التواصل الاجتماعي؟
يعكس اشتهار تطبيق “كلوبهاوس”، لا سيّما في ظلّ جائحةٍ عالمية، جهوزيةً ثقافية للتواصل الشفهي وربّما ارتياحاً متنامياً مع نوع الأحاديث التي تشتهر في المحتوى الصوتي (البودكاستات).
وحول استخدام “كلوبهاوس” كنافذةٍ للاطّلاع على آخر الأخبار، يقول الصحافي محمود غزيل، المتخصّص في التدقيق في الحقائق ومعالجة المعلومات المغلوطة على الإنترنت، في مقابلة مع “سمكس”، إنّه “مع وصول تطبيق كلوبهاوس إلى المزيد من المستخدمين كلّ دقيقة، نتوقّع بوصفنا مدقّقين في الحقائق رؤية محتوياتٍ زائفة وإنشاء المزيد من المجموعات لتشاركها”. ولكنّ الحدّ من انتشار هذه الأخبار الكاذبة لن يكون ممكناً من دون مساعدة تطبيق “كلوبهاوس” نفسه، كما كان الحال مع “يوتيوب” و”فيسبوك” و”تويتر”، بحسب غزيل.
في المقابل، يعتبر غزيل أنّ “وجود تطبيقٍ يعمل بالصوت فقط، قد يكون حلّاً لوقف انتشار الروابط ومقاطع الفيديو والمقالات الزائفة، غير أنّه قد يتيح المجال للحديث عن معلوماتٍ مغلوطة وتناقلها بالصوت. ولذلك، سننتظر لنرى كيف سيكون تطوّر كلوبهاوس”.
تكشف سامية عايش، وهي إحدى مستخدمي/ات “كلوبهاوس” الشغوفين، وزميلةٌ في “مبادرة غوغل للأخبار” في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أنّها كانت متحمّسةً للغاية إزاء التطبيق في البداية، “سيّما وأنّني مهتمة شخصياً بالمحتوى الصوتي”. وتشرح في حديث مع “سمكس” أنّ “هذا التطبيق أثبت عن كسره جميع الحواجز، حيث جمع الكثير من الأشخاص في نقاشاتٍ تناولت مجموعةً كبيرة من المواضيع البالغة الأهمية”.
وفي هذا الوقت، لا يزال الحديث دائراً حول مستوى الشعبية الذي قد تحقّقه منصات التواصل الاجتماعي الصوتية، حيث أثار تطبيق “كلوبهاوس” جدلاً كبيراً حول توسيع العلاقات الرقمية إلى ما يتعدّى النصوص والصور ومقاطع الفيديو، ليشمل الصوت بمعناه التقليدي.
تضيف عايش أنّه “في وقتٍ انتقد كثيرون التطبيق باعتباره مليئاً بالأحاديث الفارغة والخبرات الزائفة، أعتقد شخصياً أنّ المستمعين/ات هم الأحرى بالحكم على المحتوى وتصنيفه”.
وبالمثل، بدأت شركة “تويتر” بعرض المساحات الصوتية (Spaces) تحاكي تجربة “كلوبهاوس”، وتطبيق
“سبوتيفاي” للمويسقى يجري تجارب على أدوات البودكاست الحيّ، بحسب أحد المصادر في مقابلةٍ مع “وول ستريت جورنال”.
في الختام، نطالب “كلوبهاوس” والمنصات الصوتية المماثلة باحترام خصوصية المستخدمين/ات وأمنهم. ونتوقع من هذه الخدمات، ونحثّها على التعامل مع بيانات المستخدمين/ات بأقصى درجات العناية والمسؤولية والشفافية.
الصورة الرئيسية من “أنسبلاش”