أدانت المحكمة الابتدائية بالحسيمة (شمال المغرب) في 25 نيسان/أبريل الماضي المدوّن والناشط في حراك الريف، ربيع الأبلق، بالحبس النافذ لمدة أربع سنوات بتهمة “عدم توقير شخص الملك”، بسبب منشورات ومقاطع فيديو على “فيسبوك” تنتقد الملك محمّد السادس.
وبعد إدانة الأبلق بأيّام، قضت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء في 29 نيسان/أبريل بحبس المدوّنة والشاعرة سعيدة العلمي لعامين، بعدة تهم، أبرزها “إهانة موظفين عموميين بمناسبة قيامهم بمهامهم بأقوال مسّت بالاحترام الواجب لسلطتهم”، وذلك في تدوينات لها على موقع “فيسبوك”.
“هذه المحاكمات غير عادلة، لأنها تتعلّق بحرية الرأي والتعبير والنشر الذي يكفلها القانون والدستور، ومن المفترض ألا تندرج في إطار مقتضيات القانون الجنائي الذي طُبّق على الأبلق والعلمي”، كما تقول سعاد البراهمة، محامية كلّ من العلمي والأبلق، في حديثها مع “سمكس”.
تحايل على القانون
تلجأ السلطات المغربية عادةً إلى مقتضيات القانون الجنائي لمعاقبة المدوّنين/ات والصحفيين/ات المعارضين/ات بسبب كتاباتهم/ن المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تتضمّن انتقادات لبعض الشخصيات والمؤسسات النافذة. هذا ما يعتبره محمّد زيّان، نقيب المحامين ووزير حقوق الإنسان الأسبق، “تحايلاً على الدستور والقانون”. ويشرح زيّاد لـ”سمكس” أنّ “القانون رقم 88.23 المتعلّق بالصحافة والنشر هو الذي يجب أن يُطبق على كلّ ما يُنشر في الفضاء الإلكتروني أو الورقي، في حالة إذا ما تمّ تفعيل أيّ متابعة قضائية ضد أيّ مدوّن أو صحفي بسبب كتاباته”.
في حين تتباهى السلطات المغربية وتتفاخر أمام المجتمع الدولي بقانون الصحافة والنشر الصادر في أغسطس/ آب من عام 2016، بفعل خلوه من العقوبات الحبسية واقتصاره على الغرامات المالية، فهي تلجأ وفقاً لزيّان إلى “توظيف القانون الجنائي للتضييق على المدونين والصحفيين، في مخالفة صريحة لقاعدة الاختصاص”. ويؤكّد زيّان أنّ “الشكاوى المتعلّقة بما ينشر في الصحف والمدونات ومواقع التواصل الاجتماعي، باستثناء بعض الحالات المتمحورة حول التحريض على القتل ونشر خطاب الكراهية مثلًا، يجب أن تعالج بموجب قانون الصحافة والنشر”.
بالإضافة إلى ذلك، “الانتقاد السلمي للمسؤولين الحكوميين محمي بموجب الدستور والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادق عليه المغرب في عام 1979″، حسبنا تؤكّد البراهمة. أمّا اللجوء إلى بنود القانون الجنائي لمعاقبة المدونين/ات والصحفيين/ات على ما يكتبونه عوض العمل بقانون الصحافة والنشر “فيخلق نوعاً من الرعب وسط هذه الفئة وينمّي الرقابة الذاتية لديها”.
حملة قمعية ضد حريّة التدوين والتعبير
أصبحت حريّة التدوين والتعبير مقيّدة أكثر في المغرب، بفعل التهم الثقيلة الموجهة ضد المدوّنين والنشطاء الذين ينتقدون السلطة على وسائل التواصل الاجتماعي من قبيل “الإخلال بواجب التوقير والاحترام لشخص الملك” و”الإساءة للمؤسسات الدستورية” و”إهانة موظفين عموميين أثناء أدائهم لواجباتهم”، كما تشرح البراهمة.
والأمثلة كثيرة. ففي 15 تمّوز/يونيو 2021 اعتقلت السلطات المدوّن نور الدين العوّاج أثناء تواجده في تظاهرة تضامنية مع الصحفيين سليمان الريسوني وعمر الراضي أمام محكمة الاستئناف بالدار البيضاء. اتهم العوّاج بـ “إهانة المؤسسات الدستورية” و”إهانة هيئات منظمة” و”التحريض على ارتكاب جناية” على خلفية تدويناته المنتقدة للاعتقال السياسي في موقع “فيسبوك”، قبم أن يدان بالحبس النافذ لمدة سنتين.
بعد أسابيع من اعتقال العوّاج، ألقى الأمن القبض على جميلة سعدان في آب/أغسطس 2021، بسبب فيديو نشرته على حساباتها على “فيسبوك” و”يوتوب” يتعلّق برأيها فيما أسمته “شبكات الاتجار في السياحة الجنسية بمراكش”. قضت المحكمة بحبس سعدان لثلاث أشهر وبدفع غرامة مالية قدرها 1000 درهم (حوالي 100 دولار).
وفي 24 كانون الثان/يناير ي 2021، أصدرت المحكمة الابتدائية في سلا حكماً يقضي بإدانة المدوّن ياسر عبّادي، نجل الأمين العام لـ”جماعة العدل والإحسان الإسلامية” المعارضة، بـ6 أشهر موقوفة التنفيذ وغرامة قدرها 500 درهم (حوالي 50 دولار)، على خلفية تدوينة انتقد فيها بعض ممارسات أجهزة الأمن التي وُصفت بـ”التسلطية” خلال فترة الحجر الصحي.
بالتزامن مع ذلك، تواصل السلطات المغربية حبس المدوّن محمد بن بودوح الملقب بـ “مول الحانوت” منذ 5 كانون الأوّل/ديسمبر 2019، والمدان بالسجن ثلاث سنوات بتهمة “الإساءة للمؤسسات الدستورية” و”إهانة موظفين عموميين”. ويشير محاميه حسن الطاس إلى أنّ تقرير الشرطة المعتمد كدليل لإدانة بودوح، أشار إلى أن الأخير توجه للملك “بعبارات وجمل وكلمات تفتقر إلى الاحترام الواجب تجاه الملك، لا سيما في الفيديو المؤرخ في 1 كانون الأول/ديسمبر 2019″.
في هذا السياق، أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” بالاشتراك مع “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان” في شباط/فبراير 2020 تقريراً يرصد تنامي الاعتقالات وسط المدوّنين بسبب تعليقات سلمية على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تمّ توثيق ما لا يقل عن عشر حالات اعتقال/محاكمة في الفترة فيما بين أيلول/سبتمبر 2019 وكانون الثاني/يناير 2020.
نفي رسمي لظاهرة اعتقال المدونين والصحفيين
“يعمل النظام المغربي بشكل مُمنهج على عدم متابعة المدونين والصحفيين المنتقدين للسلطة في إطار قانون الصحافة والنشر الخالي من العقوبات السجنية” كم تقول لـ”سمكس”، زهرة قوبع، القيادية في “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان”. ترجع قوبع استعمال بنود القانون الجنائي إلى سببين: الأوّل يكمن في إيجاد مبرّر “قانوني” للزج بالمدونين والصحفيين المنتقدين في السجن، وهو الأمر الذي أدّى إلى نشر الخوف والرعب وسط نشطاء الفضاء الإلكتروني؛ والثاني يتمثل في محاولة إسقاط صفة “معتقل سياسي” على المدونين والصحفيين المعتقلين، إذ في أكثر من مرة تؤكّد السلطات على نهاية الاعتقال السياسي في المغرب، على اعتبار قضايا المدونين والصحفيين المعتقلين تندرج ضمن قضايا جنائية تتعلّق بجرائم الحق العام.
وقد سبق لأمينة بوعيّاش، رئيسة “المجلس الوطني لحقوق الإنسان” (مؤسسة رسمية) أن نفت وجود معتقلين سياسيين بالمغرب، معتبرةً أنّ السلطات المغربية لا تعمل على اعتقال النشطاء بسبب آرائهم ومواقفهم السياسية.
وتُواصل بعض المؤسسات الحكومية، كـ“المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان”، إنكار وجود معتقلين سياسيين بالمغرب، إذ دوماً ما تركّز في الرد على منظمات حقوق الإنسان بالقول إنّ “الملفات المعروضة على القضاء والتي تمسّ المدونين والصحفيين تندرج في نطاق جرائم الحق العام”، متهمةً المنظمات مثل “منظمة العفو الدولية” بخدمة “أجندات سياسية معادية للمغرب”.
في المقابل، يؤكد أحمد بنشمسي، مدير التواصل والمرافعة بقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، أنّ “السلطات المغربية صارت لا تقبل التعبير السلمي، وأصبحت تُلاحق المنتقدين مباشرة بسبب أفكارهم”. لكنّ ذلك في نظر الكثيرين يظهر مدى ضعف النظام وخوفه من العناصر النشيطة داخل الفضاء الإلكتروني، ومحاولته للسيطرة على هذا الفضاء.