واجهت هذه المقالة مشاكل تقنيّة قبل الوصول اليكم/ن بسبب انقطاع الإنترنت في الجزائر
اضطر الصحافي والمترجم الجزائري حمدي بعالة إلى تأجيل أعماله إلى الأسبوع الذي يلي فترة قطع الإنترنت خلال امتحانات البكالوريا التي امتدّت من 11 إلى 15 حزيران/يونيو الجاري.
تنتهج السلطات الجزائريّة هذه السياسة منذ سبع سنوات بهدف “منع الغش” خلال امتحانات الثانوية العامة في البلاد، إذ بدأت الحكومة تمنع الوصول الى شبكة الإنترنت عقب حادثة تسريب أسئلة الامتحانات التي جرت سنة 2016 بعد دقائق من توزيعها على التلاميذ عن طريق تصويرها ونشرها عبر منصات التواصل.
في حديث لـ”سمكس”، يقول بعالة إنّه اضطرّ إلى تأجيل أعمالٍ تتطلّب الاتصال بأشخاصٍ إلى وقت لاحق، والعمل على مشاغل لا تتطلّب توفّر الإنترنت كالترجمة والمراجعة والتحرير. “سوف أحتاج إلى الاتصال بالشبكة لإرسالها بعد الانتهاء منها، ما يعني أنّ عليّ انتظار انقضاء فترة الامتحان ورفع الحجب”، يشرح الصحافي الجزائري، مضيفاً أنّ الانقطاع سبّب تأخراً في تلقّي الأخبار لعدة ساعات “كما لو أننا في التسعينات”.
علاوة على ذلك، يواجه صحافيون/ات آخرون يعملون في منصّات رقمية المعاناة نفسها، خاصة أنّ المواضيع التي يعملون عليها لا تحتمل التأجيل غالباً. يقول مهدي ضحاك، وهو صحافيٌ ومدير موقع “ديزد فوت الرياضي” (DZfoot)، لـ”سمكس”، إنّه وفريقه يضطرون إلى العمل ليلاً للتعويض عن نقص النشر بسبب انقطاع الإنترنت طيلة النهار وتعذّر الدخول إلى شبكات التواصل. “يعطّل هذا الواقع عملنا بشكلٍ كبير خاصة أن أغلب قرّاءنا هم من مستخدمي/ات ‘فيسبوك’ و’تويتر’، مما يؤدي إلى تدنّي في نسب المقروئيّة فيؤثّر علينا اقتصادياً”.
الإنترنت لـ”ناس وناس”
تسبّبت هذه السياسية في خسائر مادية للكثير من الشركات، خاصة تلك التي تعتمد على التسويق الإلكتروني.
كشفت نورة، وهي موظفة في منظمة ألمانيّة غير حكومية في الجزائر، في مقابلةٍ مع “سمكس”، أنّ بعض المنظّمات الدولية لم تتأثّر بقطع الإنترنت!”لم نتأثر كموظفين/ات عاملين في المكاتب بقطع الإنترنت خلال فترة امتحانات البكالوريا، وذلك بفضل الاتفاقيات بين ألمانيا والجزائر والتي تشترط توفر الانترنت بشكل دائم”، تقول نورة. “عمال المنظمة الميدانيين/ات هم أكثر من يتأثّر بقطع الإنترنت، ويتعذّر علينا التواصل معهم خلال النهار بسبب قطع الإنترنت وبالتالي يتعطّل العمل والتعاون بيننا”.
“أذكر جيداً أنني كنت السبب في رفض الفيزا لأحد المتعاملين/ات الألمان السنة الماضية بسبب تأخّري في إرسال الدعوة للقنصلية في وقتها المحدد. لم يكن لديّ الوقت الكافي لإرسالها من المكتب حينها، ولم أستطع إرسالها من المنزل بسبب قطع الإنترنت”، تضيف نورة، مشيرة إلى أنّ اجتماعاً عالي المستوى كان سيعقد افتراضياً بين جهات ألمانيّة وجزائريّة (منها رسميّة)، ألغي بسبب قطع الإنترنت.
ليس الصحافيون/ات الفئة الوحيدة المتضرّرة من قطع الإنترنت. في مقابلة مع “سمكس”، تشير الموظفة في مركز التكوين المهني بسكيكدة (شرق الجزائر)، نصيرة بن يوسف، إلى أنّ “العمل في المركز يتطلّب توفّر الانترنت للاتصال، سواء داخلياً بين الموظفين/ات أو خارجياً مع باقي المؤسسات التكوينية أو مديرية التكوين والتعليم المهنيين، وذلك لاستقبال المراسلات والرد عليها وإتمام الأعمال اليومية الروتينية”.
بدورها، تقول المسيرة في وكالة سياحية محليّة بالجزائر العاصمة سارة زحاف إنّ الوكالات السياحية تعدّ من أكبر الخاسرين جراء عملية قطع الانترنت: “أثّر قطع الانترنت بشكلٍ سلبي على سيرورة عملنا، إذ أعاق تواصلنا مع زبائننا خارج البلاد، وتكبّدت وكالتنا خسائر مادية تقدر بـ10% في اليوم الواحد بسبب حجوزات التذاكر التي لا تقبل الانتظار، عدا عن عدم قدرتنا على تلبية طلبات الزبائن الوافدين بسبب انقطاع الشبكة”.
إجراءات تفتك باقتصاد البلاد
لا تتوفّر تقارير رسمية توثّق الخسائر الاقتصادية التي تخلّفها إجراءات قطع الإنترنت، إلّا أنّ خبراء اقتصاديين استطاعوا تقديرها بحوالى 50 مليون دولارٍ أميركي لليوم الواحد، فضلاً عن الخسائر الناتجة عن قطع إنترنت الهاتف (Mobile Data)، التي تقدّر بنحو خمسة ملايين دولار لليوم الواحد أيضاً. وفي هذا السياق، يؤكّد الخبير في الرقمنة، يونس قرار، أنّ قطع الإنترنت يتسبّب بخسائر هائلة في الاقتصاد الوطني للبلاد، تقدّر بـ388 مليون دولار عام 2020.
أعداد المستخدمين/ات في تزايد سريع جداً، ما يعني أنّ الفئة المتأثرة بقطع الإنترنت تزداد كلّ سنة. يصل عدد المشتركين/ات بخدمة الإنترنت الثابت في الجزائر حالياً إلى خمسة ملايين مشترك، مقارنةً بـ3.5 ملايين مشترك في بداية سنة 2020″، بحسب بيان رسميٍ لوزارة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، صدر في أيار/مايو الماضي. .
هذا الواقع أدّى إلى علوّ الأصوات المنتقدة لإجراءات قطع الإنترنت كل سنة، وذلك لأنّ تأثيرها المتعاظم يلقي بثقله على قطاعات ومؤسسات ومنظماتٍ محليّة ودوليّة. من بين المنتقدين كان الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، الذي قال إنّ “من انطلت عليه ادعاءات السلطة الحاكمة بأنه يوجد اقتصاد في البلاد وأنهم يحققون نتائج جيدة في تحسين بيئة الأعمال ونمو المؤسسة الاقتصادية فليتأمل في غلق الانترنت خمسة أيام أثناء امتحان شهادة البكالوريا، تصوّروا لو كان عندنا اقتصادٌ حقيقي – كما يدّعون – كم يكون حجم الخسائر الاقتصادية بسبب قطع الإنترنت؟ وتصوروا لو كنا دولة قانون كم سيكون حجم التعويضات التي تقدمها الجهة التي تقطع الأنترنت على المؤسسات الاقتصادية المتضررة.”
موجة غضبٍ وسخرية على وسائل التواصل
خلّف تصريح وزير التربية عبد الحكيم بلعابد السنة الماضية حول قطع الإنترنت موجة غضبٍ كبيرة بين المواطنين ورواد مواقع التواصل، كما سخر مدونون/ات على موقع “فيسبوك” من تصريح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قبل سنتين، والذي قال فيه إنّه “لن يتسامح مع مشكلة قطع الإنترنت”.
كانت موجة الغضب التي شهدتها مواقع التواصل في الجزائر السنة الماضية ردّ فعلٍ على ما جرى مع ابتهال بزاح، وهي طالبةٌ حاصلة على عدة جوائز وطنية ودولية في الحساب الذهني، بعد أن حُرمت من تمثيل البلاد والمشاركة عن بعد في مسابقة عالمية استضافتها ألمانيا.
“من الواضح أن قطع الإنترنت لم يمنع الغش. في الحقيقة، إنّ بلداً يقطع الإنترنت كلياً بسبب امتحانٍ هو بلدٌ لا يثق في قدرة منظومته التربوية على منع الطلاب من إدخال هواتف ذكية إلى قاعات الامتحان، وهذا اعتراف بالفشل، يشدّد بعالة، شارحاً لـ”سمكس” أنّ “ما نجحت فيه هذه السياسة للعام السابع على التوالي هو معاقبة ملايين الأشخاص لأسبوغٍ كامل”..
لا تكمن المشكلة في انعدام حيل الحكومة لحماية الامتحانات من الغش، فالكثير من الخبراء ونقابات التعليم والفاعلين/ات في مجال الرقمنة اقترحواوا بالفعل أساليب مختلفة للحد من الغش وإفشال محاولات تسريب الأسئلة، من دون إلحاق الضرر باقتصاد البلاد وحرمان 40 مليون مواطن جزائري من حقهم/ن في الوصول إلى الإنترنت. ومن هذه المقترحات، منع محاولات الغش داخل المراكز وبشكل آني، ومكافحة أيّ حالات فساد قد تؤدّي إلى تسريب الأسئلة.