لم يخطر ببال أحد أنّ 11 أبريل/نيسان سيكون يوماً مفصلياً في حياة السودانين/ات، حين خرجت الحشود فرحةً بعزل الجيش للرئيس السابق عمر البشير وتجمعت في المنطقة المحيطة بالقيادة العامة للجيش.
ولكنّ شيئاً ما حدث فجأة! قُطعت خدمة الإنترنت والخطوط الأرضية في السودان مع انتشار أخبار عن تصدّي المجلس العسكري للمعتصمين بوحشية. وما كشفته الوقائع فيما بعد كان كارثياً، فقد قُتل 110 أشخاص وأصيب 116 آخرون فيما فُقد أكثر من 150 شخصاً
أذية طالت الجميع
لا شكّ في أنّ المستهدف الأبرز من قطع الإنترنت كان الحراك الثوري الذي تأثر سلباً. فمع تعذر التواصل عبر الشبكة، لجأ المواطنون إلى الرسائل النصية. ولكن هذه الخدمة تُعتبر سهلة الاختراق ومراقبتها أسهل بكثير سواء من قبل الشركات أو الأجهزة الأمنية، مما أدّى إلى حصول بعض عمليات الاعتقال ضدّ الناشطين/ات.
ويشرح ناشط حقوقي لـ”سمكس” أنّ “عدداً من الناشطين كانوا غير قادرين على التواصل مع بعضهم البعض خصوصاً وأنّ الإنترنت كان يوفر ملاذاً آمناً لإجراء المحادثات واللقاءات”.
طال أيضاً كافة فئات المجتمع السوداني، بدءاً بالشركات والمنظمات وصولاً إلى بعض الخدمات الأساسية التي تعتمد على الإنترنت مثل شراء الكهرباء. فقد أدّى انقطاع خدمة الإنترنت إلى توافد المستهلكين إلى منافذ البيع مباشرة مما أدّى إلى استغلال بعض الفاسدين للوضع وبيع الاشتراكات بأسعار مضاعفة.
ويقول مطور مواقع ويب إنّ قطع الإنترنت كان السبب في خسارته لعدد من المشاريع بسبب تعلّق كلّ أعماله بالإنترنت. ويضيف ساخراً أنّ “قطع الإنترنت كان مفيداً للعلاقات الاجتماعية، إذ رحت ألتقي بأصدقائي بعد فترة انقطاع بسبب توافرهم على مواقع التواصل الاجتماعي”. بدوره، يشير مدير شركة تسويق إلى أنّ انقطاع خدمة الإنترنت تسبّب في خسارة عدد من عملائه وموظفيه، لافتاً إلى أنّ ذلك يؤثّر أيضاً على المستثمرين: “عدم استقرار الخدمة يزعزع ثقة المستثمرين”.
ومن جهتها، تقول موظفة تعمل في منظمة قانونية إنّ “انقطاع الإنترنت سبب ارتباكاً في عمل المنظمة، فقد “توقّف الكثير من الأنشطة الحساسة، كما أنّ عدداً لايستهان به من الممولين المهمين قد رحلوا لأنّهم لم يكونوا على علم بانقطاع الإنترنت في السودان”.
وسائل وأدوات بديلة للاتصال
لجأ بعض المواطنين السودانيين إلى استخدام شرائح اتصال من دول أخرى وفعّلوا خدمة التجوال، ولكنّ هذه الخدمة لم تكن فعالة بسبب كلفتها المرتفعة وصعوبة الحصول على شريحة من بلد آخر.
تذكر ربة منزل مغتربة لـ”سمكس” أنّها كانت قلقة جداً بسبب تعذّر التواصل مع أسرتها للاطمئنان عليهم، خصوصاً مع انتشار الإشاعات الكاذبة في تلك الفترة. ولذلك كانت تلجأ إلى استخدام الوسائل البدية للاتصال والتي كانت تكلفتها أكبر.
لا جواب ولا تعويض
“لم تكن شركات الاتصالات تردّ على سؤالنا عن سبب قطع خدمات الإنترنت”، كما يوضح سائق سيارة تاكسي. “لقد توقّفت أعمالنا، فأنا أعتمد على التطبيق الهاتفي في عملي. وقطع خدمة الإنترنت ثم إرجاعها يجعل من غير الآمن وغير العملي الاعتماد على التطبيق”.
فيما بعد، وبعد أن شرع محامون في السودان بمقاضاة شركات الاتصالات، وبعد اعتراف المجلس العسكري بذلك بسبب “تهديد الإنترنت للأمن القومي”، تمّ تعويض المستخدمين ببعض من حزم البيانات التي كانت متبقية لهم. ولكن هذا التعويض البسيط “لم يكن عادلاً ولم يحصل عليه الجميع”، كما تقول مصممة جرافيك من السودان.
لم يشمل التعويض جميع المتضرّرين، كما أنّ الشركات استخدمت سياسة التعويض عن الخدمات والباقات من دون أخذ الأضرار غير المباشرة لقطع الإنترنت بعين الاعتبار.
على سبيل المثال، لو كان لديك في حينها باقة 500 ميغابايت واستهلكت 400 ميغابايت سيبقى في رصيدك 100 ميغابايت، وبالتالي كان التعويض الأقرب هو العرض الأقرب لديهم 250 ميغابايت. وهنالك شركه اخرى عوّضت مشتركيها عن طريق إرجاع الأموال بالتقريب أيضاً، بحيث أعادت لهم نسبة من قيمة الفاتورة. ويقول موظفو الشركة إنّ التعويض سيكون لكافة المشتركين، ولكنّ العملية تأخذ وقتاً.
سياسات قمعية مستمرة حتى بعد الثورة
في شهر آب/أغسطس الفائت، وقع خلاف بين قبيلتي البني عامر والنوبة في مدينة بورتسودان فخرج الخلاف عن السيطرة ونشبت نزاعات دامية خسر فيها الطرفان عدداً من الجرحى والقتلى. والحلّ الذي اعتمدته السلطات؟ قُطعت خدمة الإنترنت في المدينة لمدة يومين (24 إلى 25 آب/أغسطس) قبل أن تُعاد الخدمة بعد ضغط من الشارع والناشطين.
لقد أصبح الإنترنت خدمة أساسية لا يحقّ لأحد التحكّم بها ولا يحقّ للشركات والحكومات استغلالها لممارسة سياسات دكتاتورية على الشعوب. ولذلك، فإنّ رصد عمليات قطع الإنترنت حول العالم من قبل المنظمات والحقوقيين/ات يلعب دوراً مؤثراً للإضاءة على هذه الانتهاكات والعمل على إيجاد الحلول من أجل مجتمع تسود فيه قيم العدل والعقل والانسانية.
الصورة الرئيسية من StockVault
محمد جميل، متخصص في الإعلام الاجتماعي وناشط حقوقي