اقتحمت القوى الأمنية خيم اللاجئين السوريين في بعض مناطق البقاع اللبناني عدّة مرَات بين 10 و14 تشرين الأول/أوكتوبر الجاري، وصادرت أجهزة راديو وتلفزيون، هواتف، موجّهات الانترنت، وأطباق الدش، عازلة إياهم عن محيطهم والعالم، وفقاً لما قاله سكّان من داخل هذه المخيّمات لـ”سمكس”.
“أملك شاشة تلفزيون صغيرة وقديمة، أخفيها طوال الوقت خوفاً من أن يأتوا ويأخذوها”، يقول أبو عبدو، اللاجئ في أحد مخيمات البقاع الغربي لـ”سمكس”، ويضيف، “جاؤوا وأخذوا وحطّموا كل شيء”.
لم يُعرف سبب ضبط أجهزة الاتصالات من مخيمات اللاجئين التي تفتقر أصلاً إلى أدنى مقوّمات العيش الكريم.
في تسجيل صوتي استحصلت عليه “سمكس”، يُسمع صوت عدائي لرجل يطلق “آخر إنذار” لسكان المخيمات، ابتداء من “الشاويش وهلمّ جرا”، يحذّرهم فيه من امتلاك موجّهات الانترنت، قديمة كانت أم جديدة. وقد أرسل التسجيل على مجموعة المخيم الذي يقطن فيه أبو عبدو، مرفقاً بعبارة: “أمر من مخابرات الجيش”، ولكن لم نستطع التأكّد من صحّة الرسالة الصوتية أو هويّة مرسلها.
ونفى مصدر من أحد الأجهزة الأمنية تواصلت معه “سمكس” أن يكون أيّ من من هذه الأحداث قد وقع بالفعل، مؤكّدة أنّ “القوى الأمنية تنفّذ هذا النوع من العمليات في حال وجود مجرمين أو مطلوبين داخل المخيّمات حصراً”.
يقول ناشط سوري، فضّل عدم الكشف عن اسمه حفاظاً على أمنه الشخصي لـ”سمكس”، إنّ هذه الممارسات بدأت منذ حوالى أربعة أشهر في مخيمات البقاع الغربي وزحلة وبرّ الياس، مشيراً إلى أن حوالى 13 عملية دهمٍ جرت حتى اليوم، آخرها حصل الأسبوع الماضي في مخيمات الياسمين والأبرار ومخيم 052: “الأجهزة الأمنيّة صادرت وحطّمت كل ما يمكن أن يشكّل وسيلة تواصل مع العالم خارج المخيم، فضلاً عن تحطيم ألواح الطاقة الشمسية وضرب اللاجئين بعنف”، حسبما يقول.
يكشف الناشط أيضاً أنّ “مخيمات أخرى مهددة بالمصير نفسه”، لافتاً إلى أنّ “مسؤولي المخيمات اجتمعوا خلال الأسبوع الماضي، وحملوا تحذيرات جديدة لأبناء مخيماتهم من امتلاك موجهات إنترنت”.
يؤكّد المدير التنفيذي لمنظّمة “سمكس” محمد نجم إن “حق الوصول لشبكات الاتصال والتواصل وتداول ومشاركة المعلومات حقٌ إنسانيٌ لا يمكن منع الأفراد منه”، مشيراً إلى أن “لبنان هو من الدول الموقعة على البند العالمي لحقوق الإنسان، وأن المادة 19 منه واضحة ولا تحتمل التأويل في ما يخصّ حرية التعبير ومشاركة الآراء”.
ولعلّ هذه ليست المرة الأولى التي تُسجّل فيها انتهاكات من هذا النوع في حق اللاجئين منذ بدء توافدهم إلى لبنان بعيد الحرب السورية. ففي 23 آذار/مارس من عام 2021، كشفت منظمة العفو الدولية في تقرير لها عن سلسلة من الانتهاكات ضد محتجزين من الجنسية السورية، من ضمنها انتهاكات المحاكمة العادلة، والتعذيب الذي يتضمن ضرباً بالعصي المعدنية، والكابلات الكهربائية، والأنابيب البلاستيكية. ووجّهت المنظّمة الاتهامات بارتكاب الانتهاكات بشكل أساسي إلى مخابرات الجيش اللبناني.
لاجئون أم أجانب: هذه الممارسات غير قانونية
حتّى لو كانت أسباب عمليّات الدهم أمنيّة، تشير المحامية والخبيرة القانونية نجاح عيتاني لـ”سمكس” إلى أن “هذا النوع من عمليات الدهم لا يجوز تنفيذه من دون أمر صادر عن النيابة العامة أو عن قاضٍ مختصّ”. وبما أنّ القوى الأمنية التي أخذت على عاتقها تنفيذ هذه “المهمة” لم تملك أياً من الخيارين، فإن ما بدأته منذ أربعة أشهر ومال زال مستمراً حتى اليوم “لا يملك أي مسوّغ قانونيّ”.
ترتكب القوى الأمنية بفعلها هذا ترتكب مخالفة أخرى للقانون، تقول عيتاني، ألا وهي مصادرة الممتلكات الخاصة من دون إرجاعها بعد انتهاء التحقيق، فضلاً عن تحطيمها وتخريبها، منوّهة إلى أنّ “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يكفل حق الوصول إلى الإنترنت، ويعتبره حقاً أساسياً من حقوق الإنسان، وبالتالي فإن هذا العمل هو مخالفة واضحة لشرعة دولية وقّع عليها لبنان”.
على الرغم من عدم توقيع لبنان على اتفاقية عام 1959 الخاصة بوضع اللاجئين، والتي تعدّ المرجع الأهم دولياً في ما يخصّ التعامل مع اللاجئين، وقّع لبنان على العديد من الاتفاقيات الدولية التي تلزمه بتقديم الدعم والحماية للاجئين. فقد وقّعت البلاد على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادتين 22 و23)، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (المادة 5)، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 20)، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة (المادة 3)، ما يجعله مسؤولاً أمام المجتمع الدولي ومجبراً على العزوف عن أي ممارسات من شأنها الإخلال بتلك الاتفاقيات، إلا أن الواقع هو عكس ذلك تماماً.
تكمن المشكلة الأساسية في غياب قانون واضح ينظّم علاقة اللاجئين بالدولة، وفقاً لعيتاني التي تشرح أنّ “اللاجئ في لبنان لا يتخذ صفة “لاجئ” في القانون اللبناني، بل يُعامل معاملة الأجنبي ويعود ذلك إلى رغبة البلاد في تجنب ما قد يترتّب على توقيع اتفاقية ترعى شؤون اللاجئين من التزامات قانونية من قبل الدولة تجاه هؤلاء.
القوى الأمنية مطالبة اليوم بوضع حدّ لهذه الممارسات أولاً، وفتح تحقيق موسّع لكشف الجهات التي تقف وراء هذا العنف غير المبرّر؛ وثانياً، لأنّها تنذر بمستوى جديد في لعبة الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، وسط غيابٍ تام لكادر قانوني يتعامل مع هذه الفوضى التي تزداد سوءاً مع الوقت.