تسبّب قطع خدمة الإنترنت في العراق خلال الاسبوع الماضي، بذريعة منع الغش في امتحانات الدور الثاني الوزارية لطلبة المراحل المنتهية، بامتعاض المواطنين في المدن العراقية، لما تتركه عملية قطع الإنترنت من آثار سلبية على جميع القطاعات.
تستمرّ السلطات العراقية بقطع الإنترنت بالتزامن مع الأحداث والمناسبات الوطنية مثل الامتحانات والانتخابات والاحتجاجات، ويبدو أنّ الأمر مستمرّ وسط مخاوف من ازدياد عمليات قطع الإنترنت في المستقبل.
تبعات اقتصادية واجتماعية
يقول المواطن علاء أسود الذي يعمل كمزود فرعي لشبكات الإنترنت المحلية، إنّ “عملية قطع خدمة الإنترنت عن المواطنين وحجبها بذرائع عدة تتسبّب بخسائر مادية ومعنوية كبيرة”. ويرى أنّ “قطع الإنترنت يعتبر فشلاً إدارياً واضحاً، فهو يعطّل جميع مصالح المواطنين بما في ذلك مصالحهم المالية جرّاء فقدان القدرة على التواصل مع البنوك، وحتّى المراسلات بين الوزارات مع بعضها”.
وبالنسبة إلى عمله كمزوّد لخدمات الإنترنت، يبيّن أسود أنّ “غالبية الشركات الثانوية لتزويد خدمات الإنترنت كانت تبيع المواطنين اشتراكات بالساعات، وبالتالي لو كان لدي ألف مشترك على سبيل المثال وقطعت عني خدمة الإنترنت لساعتين، فهذا يعني أنّي سأخسر ألفي ساعة عمل وخدمة”.
من جهة ثانية، يشير أسامة رزاق، موظّف في إحدى شركات الصيرفة في مدينة الديوانية العراقية، إلى أنّ انقطاع خدمة الإنترنت أثناء الامتحانات يؤدّي إلى عرقلة أعمال الشركة ويعرّض القطاع المصرفي للكثير من المشاكل مع العملاء لأنّ غالبية الحوالات المحلية والخارجية ترتبط بالإنترنت. ويشرح أنّ “المواطن لا يعرف بحجب الخدمة وهو غير معنيّ بذلك، وله مستحقّات على شكل أموال وحوالات، وتأخيرها بسبب قرارات وزارتي التربية والاتصالات أمر غير منطقي”.
للصحافة أيضاً نصيبها من قطع الإنترنت في العراق. تقول الصحافية والناشطة زينب الرماحي، إنّ “حجب خدمة الإنترنت يؤثّر سلباً على نشر موادنا الإعلامية، وبخاصة العاجلة منها، كما يحرجنا مع مؤسساتنا ويتسبّب بتأخير إيصال الرسائل الإعلامية إلى المواطنين”.
ولذلك كان لا بدّ من حلول بديلة كما تشرح الرماحي: اضطررنا لإيجاد وسائل بديلة في تلك الظروف والاعتماد على خطوط الهاتف للتواصل مع محرّري الديسك وإبلاغهم بما يحدث من أخبار، ومن ثمّ يعملون هم بدلاً عنا في تلك الحالة”.
الحكومة تتحمّل المسؤولية في المقام الأول
دعا المواطنون وزارتي الاتصالات والتربية إلى إيجاد وسائل أخرى لمنع تهريب الأسئلة ووصولها إلى الطلبة، بدلاً من قطع الإنترنت الذي يترك آثاراً سلبية على أعمالهم.
يشكو أسود من أنّ الكثير من المشتركين في خدمات الإنترنت لديه لا يقتنعون ولا يصدقون بأنّ المشكلة حصلت بسبب قرار حكومي وليست بقرار من مزوّد الخدمة. ولذلك يدعو الحكومة إلى “الإبلاغ المبكر عن أوقات حجب الخدمة عبر المؤسسات الإعلامية والفضاء الإلكتروني ومواقع تلك الوزارات ومديرياتها للحدّ من آثار المشكلة على الأقلّ”.
ولكن ما يمنع وزارة الاتصالات من الإعلان عن قطع الإنترنت رسمياً في وسائل الإعلام، بحسب أسود، هو خشيتها من التبعات القانونية وما يترتّب من حقوق للشركات المتعاقدة والمواطنين .ولذلك، يرى أنّه “يتوجّب على الشركات الكبرى المتعاقدة مع وزارة الاتصالات إلزام الاخيرة بدفع تعويضات مالية ورفع دعاوى أمام المحاكم المختصة بسبب التعدي على حقوق الشركات والمواطنين من دون إشعار أو تعويض”.
بدوره يعتبر الناشط والمدون ثائر كريم الطيب، أنّ “حجب خدمة الإنترنت عن المواطنين أثناء الامتحانات، يدلّ بوضوح على ضعف المؤسسات الحكومية وتغلغل الفساد فيها، بدلالة بيع أسئلة الامتحانات”. ويتساءل الطيب عن “ذنب المواطن في تحمّل تبعات تلك الخروقات المعيبة بسبب المؤسسة التربوية وفساد وزارة الاتصالات التي تشرعن مكاتب بيع الإنترنت ومن ثمّ تسرق ساعات خدمة من المواطنين من دون أيّ تعويض”. ولهذا يرى أنّ “ذلك يُعبّر عن إخفاقات الحكومات العراقية وفشلها في استئصال الفساد من مؤسّساتها من دون المساس بحقوق المواطنين”.
هذه المشاكل التي ترافق قطع الإنترنت قد تزداد سوءاً في المستقبل، فإذا ما أقرّ البرلمان الدور الثالث للامتحانات سيكون على المواطن أن يخضع لإجراءات قطع الإنترنت نفسها لثلاث مرات. أمّا بالنسبة إلى الحلّ، فيرى أسود أنّه “ينبغي للوزارات المعنية البحث عن طرائق جديدة لمنع الغش وتسريب الأسئلة الامتحانية إلى طلبة المراحل المنتهية في جميع أدوارها بدلاً من قطع الإنترنت”.
مصدر الصورة الرئيسية: DW.com
—————————————————————————————————————————————–
تحسين الزركاني، صحافي استقصائي عراقي، ومدرب في مجال الصحافة والاعلام والتحقق الرقمي والامن الرقمي وصحافة الموبايل والمدونات.