في أعقاب الاحتجاجات التي اجتاحت المنطقة وكافّة أنحاء العالم، من أفريقيا إلى أميركا الجنوبيّة وأوروبا، في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ارتأت السلطات الكويتيّة أن تمسك بزمام الأمور من خلال تنظيم أنشطة المستخدمين/ات على الإنترنت.
استخدمت السلطات المصطلح العام “الجريمة المعلوماتيّة” لتبرير إطارٍ قانونيٍّ يحدّد المصطلحات والتعريف والعقوبات الخاصّة بالجرائم المرتكبة عبر الإنترنت، كما تكشف دراسة نقديّة لقانون مكافحة جرائم تقنيّة المعلومات الكويتي الصادر في العام 2015 عن التدابير المُتعمَدة التي تقوّض عمداً المبادئ الديمقراطيّة.
لا يخلق القانون في حدّ ذاته تهديداتٍ جديدةً لحريّة التعبير، ولكن إنفاذه يعني اتّساع نطاق عمل القوانين الحاليّة لتشمل الفضاء الرقمي، ما قد يعرّض الحريات الفرديّة عبر الإنترنت للخطر. وصحيحٌ أن قانون مكافحة جرائم تقنيّة المعلومات يجرّم أعمالاً مثل اختراق الأنظمة الإلكترونيّة، والاسترجاع غير المصرّح به للبيانات الشخصيّة، والاحتيال، ونشر المواد الإباحيّة، والتورّط في الاتجار بالبشر عبر الإنترنت؛ غير أنّه يفرض أيضاً رقابةً وطنيّةً تنتقل إلى العالم السيبراني من خلال قانون المطبوعات والنشر (قانون رقم 3/2006).
ينظم القانون رقم (3) منشورات وسائل الإعلام المطبوعة والإلكترونيّة في الكويت، وتحظر بعض أحكام القانون انتقاد النظام المَلكيّ والمحتوى الذي “يخدش الآداب العامّة أو يحرّض على مخالفة النظام العام أو القوانين”. ويمنح القانون الحكومة سلطة حجب المواقع الإلكترونيّة ووسائل الإعلام الأخرى التي تنتهك هذه الأحكام، وإصدار أحكام بالسجن والغرامات على الأفراد الذين ينتهكون هذه الأحكام.
وبالفعل، تشير المادّتان 6 و7 من مكافحة جرائم تقنيّة المعلومات إلى المادّتين 27 و28 من قانون المطبوعات والنشر، اللتَيْن تشيران بدورهما إلى المواد 19 و20 و21 من القانون نفسه.
تنصّ المادّة (6) من قانون مكافحة جرائم تقنيّة المعلومات على أن العقوبة المنصوص عليها في البنود (1) و(2) و(3) من المادّة (27) من قانون المطبوعات والنشر تنفّذ على كلّ من يرتكب المخالفات نفسها عن طريق الشبكة المعلوماتيّة أو باستخدام وسائل تقنيّة المعلومات.
ووفقاً لقانون المطبوعات والنشر الذي تشير إليه هذه المادّة، والذي ترجمه “مركز الدوحة لحريّة الإعلام”، تحظّر المواد (19)، و(20)، و(21) المساس والسخرية من الدين، والتعرّض لشخص أمير البلاد بالنقد من دون إذنٍ خاص من الديوان الأميري، أو انتقاد دستور الدولة أو الشخصيّات السياسيّة أو النوّاب، أو إفشاء أسرار الدولة. وتجرّم المادّتان (27) و(28) من نفس القانون مخالفة هذه القوانين بالغرامة والسجن.
وفي حين لا يفرض قانون مكافحة جرائم تقنيّة المعلومات المطّبق في الفضاء الرقمي قيوداً جديدة على حريّة التعبير، يستمرّ في العمل بالقاعدة التي تنتهك هذه الحقوق نفسها في كافة مجالات الحياة. فبحسب منظّمة “هيومن رايتس ووتش“، صدر القانون عندما كانت الكويت تحاكم عدداً من الشخصيات السياسيّة المعارضة والناشطين/ات والصحافيّين/ات وأيّ شخصٍ يعبّر عن معارضته للحكومة.
وتعتبر قضيّة المواطن الكويتي سلمان الخالدي الذي انتقد الحكومة والسلطات السعوديّة على حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي من أبرز الأمثلة على تطبيق قانون مكافحة جرائم تقنيّة المعلومات، إذ اعتُقل في نهاية المطاف وحُكم عليه بالسجن لمدّة خمس سنوات، بعد إدانته بالإساءة للمملكة العربيّة السعوديّة، ونشر أخبارٍ كاذبة. ويشير ذلك إلى أن قانون مكافحة جرائم تقنيّة المعلومات الكويتي لا يُطبّق على حالات انتقاد الأمير أو سياسات الدولة فحسب، بل أيضاً على الدول الأخرى التي تربطها علاقاتٍ وثيقة بالكويت.
أمّا القضيّة الأحدث التي تصوّر انتهاكات قانون مكافحة جرائم تقنيّة المعلومات فهي قضيّة مدافعَي حقوق الإنسان الكويتيَّيْن عبد الحكيم الفضلي وحامد جميل، اللذان استٌدعيا من قبل إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية في الكويت للتحقيق معهما حول مزاعم إنشائهما حساباً مزيّفاً على منصّة “إكس” (X) (“تويتر” سابقاً) للتهجّم على موظّف عام عبر الإنترنت وتنظيم احتجاجٍ سلميٍّ أمام إدارةٍ حكوميّة.
لم تكن هذه المرّة الأولى التي يتعرّض فيها هذان المدافعان إلى الاستدعاء والاعتقال، ولكن المفاجأة هذه المرّة كانت أنّهما أمضيا يوماً كاملاً من التحقيق والإجراءات ثم أطلق سراحهما بكفالةٍ قدرها 200 دينار للشخص الواحد (حوالى 650 دولارٍ أميركي).
لا شكّ أنّ قانون مكافحة جرائم تقنيّة المعلومات الكويتي سيُستخدم لفرض رقابةٍ على مستخدمي/ات وسائل التواصل، إذ نظراً للتحديد الغامض للمحتوى المقبول على كلٍّ من المنصّات التقليدية والرقميّة، تهدّد هذه القوانين حريّة التعبير فتؤثّر بشكلٍ خاص على الفئات الضعيفة والمهمّشة.
تضمّن بيان وكيل وزارة الإعلام المساعد لقطاع الصحافة والنشر والمطبوعات، لافي السبيعي، تذكيراً صارخاً للمواطنين بعواقب مخالفتهم هذه القوانين. ينبغي على الكويت إلغاء هذه الأحكام التي تشجّع الرقابة في قانون المطبوعات والنشر وقانون مكافحة جرائم تقنيّة المعلومات، والسماح للكويتيّين/ات بالتعبير عن أنفسهم بحريّة على الإنترنت، من دون خوفٍ من التداعيات أو الملاحقة القضائيّة.
الصورة الرئيسية من أ ف ب.