نعرب نحن، منظمات المجتمع المدني الموريتانية والإقليمية والدولية الموقعة أدناه، عن قلقنا العميق إزاء اعتماد البرلمان الموريتاني لقانون حماية الرموز الوطنية وتجريم المساس بهيبة الدولة وشرف المواطن في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2021. نخشى أن يكون لدخول هذا القانون حيّز التنفيذ تأثير سلبي على ممارسة حرية التعبير في موريتانيا.
السياق
تم تقديم مشروع القانون هذا بشأن “حماية الرموز الوطنية وتجريم المساس بهيبة الدولة وشرف المواطن”، في تموز/يوليو 2021 من قبل السلطة التنفيذية، من أجل مكافحة “كلّ ما من شأنه التأثير على وحدة الشعب، وهيبة وسيادة الدولة التي تعكس رموزها المرجعية، ووضع حد للاستخدام السيء لمنصات التواصل الإجتماعي “.
تمت الموافقة أخيرًا على مشروع القانون من قبل الجمعية الوطنية في 9 نوفمبر 2021. تميزت المناقشات داخل الجمعية الوطنية بمقاطعة مشروع القانون من قبل أعضاء المعارضة، الذين شعروا أنّ رئيس لجنة العدل والدفاع لم يتخذ تعديلاتها المقترحة بعين الاعتبار. كما دعت نقابة الصحفيين الموريتانيين الحكومة إلى إعادة صياغة القانون من خلال التشاور مع جميع أصحاب المصلحة، بمن فيهم الصحفيون.
على الرغم من أنّ وثيقة شرح الأسباب المصاحبة لمشروع القانون تشير إلى صكوك حقوق الإنسان الرئيسية التي تعدّ موريتانيا طرفًا فيها، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فإنّ النص يحتوي على عدة مواد تتعارض مع المعايير الدولية التي تحكم حرية التعبير على الإنترنت.
في المساس بهيبة الدولة ورموزها
تنص المادة 2 من القانون على عقوبة السجن من سنتين إلى أربع سنوات لكلّ من “يمس بهيبة الدولة ورموزها”، أي من خلال الاستخدام المتعمد لـ ” تقنيات ووسائل الإعلام والاتصال الرقمي، ومنصات التواصل الإجتماعي بـ المساس بثوابت ومقدسات الدين الإسلامي أو بالوحدة الوطنية والحوزة الترابية أو بسبب أو إهانة شخص رئيس الجمهورية أو العلم أو النشيد الوطنيين.”
المصطلحات المستخدمة – بما في ذلك “الثوابت” و “ومقدسات الدين الإسلامي” هي غامضة وغير دقيقة. تكمل هذه المواد مواد أخرى حالية مثل المادة 21 من القانون رقم 2016-007 بشأن جرائم الإنترنت والمادة المثيرة للجدل 306 من قانون العقوبات، والتي تم تعديلها مؤخرًا لفرض عقوبة الإعدام الإلزامية على “الخطاب الزندقة” و “الأفعال التي تسيء إلى الإسلام”، دون إمكانية “التوبة” أو الاستئناف. تساهم هاتين المادتين بالفعل في تقييد أنشطة الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، ويتعارض بشكل عام مع المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
فيما يتعلق بازدراء شخص رئيس الجمهورية والعلم والنشيد الوطني، أعربت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة عن قلقها بشأن “القوانين التي تحكم مسائل مثل […] الإساءة للعلم والرموز، والتشهير برئيس الدولة وحماية شرف المسؤولين الرسميين والشخصيات العامة. إن “إهانة شخص الرئيس” شبيهة بالقوانين ضد جريمة إهانة الذات الملكية. ولا بدّ من التذكير بأنّ الشخصيات العامة بما في ذلك مناصب على أعلى مستويات السلطة السياسية معرضة شرعياً للنقد والمعارضة السياسية.
وبالمثل، ذكرت اللجنة المعنية في حقوق الإنسان في تعليقها العام رقم 34 أنّ “مجرد اعتبار أن أشكال التعبير مهينة للشخصية العامة لا يكفي لتبرير فرض عقوبات”. ومن ثمّ، فإنّ المادة 2 تتعارض في جوهرها مع المعايير الدولية لحرية التعبير.
جريمة الإضرار بالروح المعنوية للقوات المسلحة والأمن
المادة 3 تجعل أيّ منشور “تستهدف النيل من [الروح المعنوية] لأفراد القوات المسلحة وقوات الأمن أو زعزعة ولائهم لرئيس الجمهورية” جريمة يعاقب عليها بالسجن لمدة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات.
لا يحدد القانون كيف يمكن إثبات الصلة بين نشر المحتوى وتدهور الروح المعنوية للقوات المسلحة والأمن أو ولائهم، كما لا يحدد كيفية تقييم التغيرات في الروح المعنوية. وفقًا لصياغة المادة 3، لا يمكن استبعاد أن تقريرًا صحفيًا على الشبكات الاجتماعية ينتقد الاستخدام غير المتناسب للقوة، على سبيل المثال، يقع ضمن نطاق هذا القانون إذا اعتبر أنه “يضر بالروح المعنوية” للقوات الأمنية.
نحن نتفق مع اللجنة المعنية بحقوق الإنسان على أنّه لا ينبغي للدول أن تحظر انتقاد المؤسسات مثل الجيش أو الإدارة وأن السجن ليس عقوبة مناسبة على الإطلاق.
من ناحية أخرى، ينبغي صياغة القانون بطريقة واضحة لتمكين الأفراد من توقع تبعات أفعالهم. وأكدت اللجنة المذكورة أنّ “القانون لا يمكن أن يعطي للمكلفين بتطبيقه صلاحيات غير محدودة لاتخاذ قرار بشأن تقييد حرية التعبير”. ومع ذلك، فإنّ المصطلحات المستخدمة في المادة 3 تمنح السلطتين التنفيذية والقضائية سلطة تقديرية واسعة للغاية يمكن أن تتحول إلى سلطة اعتباطية من خلال فرض أحكام بالسجن على النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين وجميع الأفراد الذين يعبرون عن آراء مخالفة لتلك التي يتبناها السياسيون أو المؤسسة العسكرية.
عدم توافق خطاب الكراهية مع القانون الدولي
تتناول المادة الرابعة “المساس بالسلم الأهلي واللحمة الاجتماعية” أي مواد “تتضمن قذفاً أو تجريحاً أو سباً موجهاً لجهة من جهات الوطن أو مكون من مكونات الشعب أو تبث الكراهية بين هذه المكونات أو تحرض بعضها على بعض”. وتتراوح العقوبات من سنتين إلى خمس سنوات سجن (10 سنوات في حال التكرار).
نحن قلقون من عدم التمييز بين السب والقذف والتشهير من جهة، ونشر الكراهية والتحريض من جهة أخرى. قد يكون للجمع بين هذه المصطلحات في مقال واحد تأثير مخيف على حرية التعبير للصحفيين أو غيرهم من الأفراد ، مثل المدافعين عن حقوق الإنسان.
يُخشى أن تفسر السلطات هذه المبادئ على نطاق واسع، مع الأخذ في الاعتبار أن أيّ كتابة انتقادية أو استطرادية، مثل تلك التي تستجوب المؤسسات الوطنية، يمكن اعتبارها إهانة. لم يتم تعريف مصطلح “المكون” المذكور في المادة 4 في القانون. لذلك ليس من الواضح ما إذا كان يشير إلى مكونات عرقية أو دينية أو اجتماعية مهنية أو جنسية أو وضع ما.
في قرارها الصادر في قضية اتحاد الصحفيين الأفارقة وآخرين ضد غامبيا، قضت محكمة عدل الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بإلغاء قوانين القذف والتشهير الجنائية على أساس أنها تتعارض بشكل غير متناسب مع حقوق الصحفيين.
العرق والتمييز من القضايا الحساسة سياسياً في موريتانيا، تتضمن التشريعات الحالية العديد من الأحكام العامة التي تم استخدامها في الماضي لقمع مستخدمي الإنترنت الذين ينددون بتهميش مجتمعات معينة.
في كانون الأول/ديسمبر 2014، حكمت محكمة موريتانية على المدون الشهير محمد الشيخ ولد امخيطير بالإعدام بتهمة الردّة بسبب مقال انتقد فيه التمييز الطبقي. على الرغم من أنّ محكمة الاستئناف خففت عقوبته إلى السجن لمدة عامين، مما جعلته قابلاً للإفراج عنه على الفور، إلا أنّه تعرض للاحتجاز التعسفي في مكان غير معلوم لأكثر من 20 شهرًا قبل أن يتم تهريبه إلى فرنسا، حيث تقدّم بطلب للحصول على صفة اللاجئ.
في كانون الثاني/يناير 2018، تم اعتقال الناشط عبد الله سالم ولد يالي ومحاكمته بتهمة التحريض على العنف والكراهية العنصرية بسبب منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي التي انتقدت التمييز العنصري في البلاد قبل إطلاق سراحه في 1 شباط/فبراير 2019.
كما أكدت خطة عمل الرباط بشأن حظر أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العرقية أو الدينية التي تشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف، على أنه كلما تم تعريف التحريض على الكراهية على نطاق أوسع، كما هو الحال في هذه الحالة ، يفتح الباب أمام التطبيق التعسفي للقانون. في الواقع، لا تميز المادة 4 بين الفئات المختلفة لخطاب الكراهية كما هو مذكور في خطة عمل الرباط. لذلك نحن قلقون من إمكانية استغلال غموض المصطلحات لمعاقبة الآراء التي تختلف عن آراء الأغلبية أو الحكومة.
الحق في الخصوصية وحرية التعبير
ينص القانون في المادة 5 على جريمة “المساس المتعمد بالحياة الشخصية”، والتي تشمل أي تسجيل صوتي أو فوتوغرافي تم إجراؤه، عن عمد، دون علم الأفراد المعنيين، وكذلك نشره وتوزيعه بهدف إلحاق الضرر بهؤلاء الأفراد أو بشرفهم.
تحظر الفقرة الثانية من المادة على وجه التحديد إفشاء الأسرار الشخصية المتعلقة بالموظفين العموميين في سياق حياتهم الخاصة. تتراوح العقوبات من سنة إلى سنتين في السجن.
للأسف، لا تشير هذه المادة إلى أي توازن بين الخصوصية وحرية التعبير، لا سيما في حالة الموظفين العموميين، مع مراعاة عوامل مثل المساهمة في مناقشة المصلحة العامة، أو سمعة الفرد، أو كيف تم الحصول على المعلومات وصحتها.
يجب أن يكون الصحفيون الموريتانيون قادرين على نشر المعلومات الشخصية في سياق نقاش حول المصلحة العامة، مثل إساءة استخدام الموظف العمومي للمنصب العام لتحقيق مكاسب شخصية أو إساءة استخدام الأموال العامة، دون خوف من الملاحقة القضائية. فيما يتعلق بالفقرة الثانية، نعتقد أن حق الشخصيات العامة في حماية خصوصيتهم يجب أن يكون أكثر تقييدًا.
الخلاصة
بينما ندرك الحاجة إلى تنظيم الاعتدال في المحتوى على شبكات التواصل الاجتماعي، فإننا نتساءل عن القيمة المضافة لقانون محدد ينظم وسائل التواصل الاجتماعي. في الواقع، قانون حماية الرموز الوطنية هو الأحدث في سلسلة القوانين التي تضع قيودًا مفرطة على محتوى الكلام سواء عبر الإنترنت أو خارجه.
لذلك ندعو الحكومة الموريتانية إلى إلغاء القانون، حيث ينبغي للسلطة التنفيذية استشارة أصحاب الاختصاص ومنظمات المجتمع المدني بهدف تطوير إطار تشريعي لاستخدام شبكات التواصل الاجتماعية التي تحترم المعايير الدولية مع الاسترشاد بالتشريعات المقارنة في هذا المجال لاسيما تلك المرتبطة بحقوق الإنسان والخصوصية.
نوصي أيضًا بتجنب اتباع المقاربة الزجرية البحتة واعتماد تدابير إيجابية يمكن أن ترسخ القيم الديمقراطية داخل المجتمع، مثل نشر التربية على وسائل الإعلام لاسيما التربية الرقمية، والتعاون مع شبكات التواصل الاجتماعي لتحقيق المزيد من الشفافية، وأخيراً، تعزيز آليات التحقق من الأخبار.
قائمة الموقعين
أكسس ناو (Access Now)، منظمة المادة 19 (ARTICLE 19)، منّا لحقوق الإنسان (MRG)، منظمة التضامن الإجتماعي المتكاملة للتنمية الدولية (ODISSI) ، جمعية ربات البيوت (AFCF) ، منتدى المنظمات الوطنية لحقوق الإنسان (FONADH) ، سمكس (SMEX).
الصورة الرئيسية قبل التعديل: C.Hug, Attribution-Share Alike 2.0 Generic.