جدلي، ومفصلي، ومقلق للصحافيين/ات، ومقيّد لحرية عملهم الصحافي؛ هكذا يُمكن تلخيص إقتراح قانون الإعلام في لبنان، الذي يناقش في اللجان النيابية المختصة بمسودته النهائية. بعد 13 عاماً من المسودة الأولى التي أعدت من قبل “مؤسسة مهارات”، وهي منظمة غير حكومية تُعنى بقضايا حرية الرأي والتعبير، والنائب غسان مخيبر في العام 2010.
مرّ القانون على لجان نيابية عدة، وعلى وزراء إعلام متعاقبين على الوزارة، وفي العام الماضي طرحت منظمة اليونيسكو مقترحاتٍ وضعتها مع وزير الإعلام الحالي زياد مكاري، كما أنّ “تجمّع نقابة الصحافة البديلة” وضع ملاحظات على مسودة لجنة الإدارة والعدل الأخيرة الصادرة في العام 2021.
مع كلّ ذلك، واصلت لجنة الإدارة والعدل في البرلمان اللبناني دراسة نسخة قديمة خالية من أي تعديلات، إلّا تلك التي يرتئيها أعضاؤها، كما رفض رئيس لجنة الإدارة والعدل، النائب جورج عدوان، طلبات المجتمع المدني حضور الجلسات المغلقة والمشاركة في المناقشات حول مشروع القانون.
وتعليقاً على ذلك، قال “تحالف حرية الرأي والتعبير في لبنان”، اليوم الثلاثاء 28 تشرين الثاني، في بيان، إنّ “لجنة الإدارة والعدل في مجلس النوّاب اللبناني على وشك اختتام مناقشاتها خلف الأبواب المغلقة حول قانون جديد للإعلام، من شأنه، إذا أقرّته الهيئة العامّة للمجلس النيابي في صيغته الحالية، أن يحدّ بشدّة من حريتَيْ التعبير والصحافة في لبنان وأن يقوّض ضمانات أساسية لحقوق الإنسان”.
وأشار التحالف إلى أنّ المسوّدة الأخيرة لاقتراح القانون التي راجعها أطراف التحالف، “تتضمّن العديد من الأحكام المثيرة للقلق التي من شأنها خنق حريتَيْ التعبير والصحافة”. ودعا التحالف مجلس النوّاب إلى “جعل المناقشات التشريعية في اللجان البرلمانية علنية ومفتوحة، وإتاحة المجال للمجتمع المدني بتقديم ملاحظاته بشكل خاص حول مشروع قانون الإعلام، وضمان أن يفي قانون الإعلام الجديد بالمعايير الدولية”، كما حثّه على إلغاء العقوبات الجزائية التي تؤيدها النسخة الحالية.
في 14 تشرين الثاني/نوفمبر تابعت لجنة الإدارة والعدل في المجلس النيابي، دراسة قانون الإعلام على ضوء ملاحظات وزارة الإعلام، وكان سبق للجنة أن كلفت لجنة فرعية بدراسته ورفع تقريرها إلى لجنة الإدارة والعدل، وعرضت هذا التقرير على وزارة الإعلام التي أبدت ملاحظاتها عليه.
أقرّت لجنة الإدارة والعدل في جلسة واحدة ومن دون أي نقاش يذكر أكثر من ثلاثين مادة من اقتراح قانون الإعلام بنسخته المشوّهة، ومن دون الأخذ بعين الاعتبار أي من التعديلات المقترحة من قبل اليونيسكو والمحالة إلى المجلس النيابي من قبل وزير الإعلام، وذلك في ظل تغييب كل الجهات الممثلة للصحافيين والمنظمات الحقوقية المعنية عن اجتماعات اللجنة أو نقاشاتها. كما كان هناك محاولة لعدم شمول القانون الصحافيين الذي يعملون في المواقع الإلكترونية.
ركّز عمل لجنة الإدارة والعدل على النسخة القديمة من القانون ولم تلتفت إلى الملاحظات التي وضعتها اليونيسكو على مسودة قانون الإعلام، ممّا أدى إلى سجال بيانات صحافية بين اللجنة من جهة والهيئات الحقوقية والإعلامية في لبنان.
حماية الصحافيين لا سجنهم!
تصف الصحافية إلسي مفرّج، منسّقة “تجمع نقابة الصحافة البديلة”،في حديث لـ”سمكس” أنّ القانون بنسخته الحالية سيء للغاية، مشيرةً إلى أنّه “عاد إلى الساحة مع سلة الإصلاحات التي طالبت بها الجهات المانحة الدولية لتقديم مساعدات لبنان، لا سيما بعد الأزمة الإقتصادية وانفجار مرفأ بيروت”.
وتفنّد مفرّج مخاطر قانون الإعلام، أوّلها “دراسة الاقتراح في ظلّ ظروف المعادية للحريات في لبنان، وبخاصة حرية العمل الصحافي والملاحقات بحقهم، لا سيما أنّ الأكثرية في اللجان النيابية موقفها مقيّد للحريات ومؤيّد لمواد سجن الصحافيين، وهي مواد ألغيت من قانون العقوبات قبيل الحرب الأهلية”.
أمّا بالنسبة إلى بدائل المواد التي تجرّم الصحافيين، ترى مفرّج أنّه ينبغي “الذهاب إلى محكمة مدنية غير استثنائية يكون فيها ثلاث درجات للمحاكمة، ابتدائية واستئنافية و تمييزية، وتكون متخصّصة بقانون الإعلام، كما لا يجب أن يصدر أي عقوبات أو أحكام للصحافيين على السجل العدلي”.
يمارس قانون الإعلام قيد الدرس كذلك سلطة وصاية على الصحافيين، حيث يمنع عليهم نشر محاضر اجتماعات مجلس الوزراء، ومجلس القضاء الأعلى، وغيرها. وهذا ما يُعد مخالفاً لقانون حق الوصول إلى المعلومات وإبرازها للرأي العام، وفق المحامي طوني مخايل، المستشار القانوني في “مؤسسة مهارات”.
بالإضافة إلى ضرورة إلغاء عقوبة المحاكمات لكلّ ما يندرج في إطار حرية الرأي والتعبير المحمية بنص الدستور، يشرح مخايل لـ”سمكس” أنّ “القانون ينبغي أن “يؤمّن الحماية للصحافيين وحقوقهم، وأن يحمي مهنتهم عبر ضمان مصادرهم، وحماية منازلهم من التفتيش القضائي والاعتباطي، وحتى حماية المعدات التي يستخدمونها”.
صلاحية لنقابتي المحررين والصحافة
يعطي قانون الإعلام بنسخته الحالية دوراً لـ”المجلس الوطني للصحافة”، والذي يضم نقابتي الصحافة والمحررين، ليلعب دوراً في مراقبة وسائل الإعلام التلفزيونية والإذاعية التي يتمّ الترخيص لها لاستخدام الموجات والترددات الأرضية بأحكام ودفاتر الشروط المتفق عليها. كما يُمنح “المجلس الوطني للصحافة” سلطة إجرائية تمكّنه من محاسبة وسيلة الإعلام، بعد تنبيهها، وإتاحة المجال للدفاع عن نفسها بما يتناسب مع المخالفة.
يتخوف الإعلاميون، من الدور الذي ستلعبه نقابتا المحررين والصحافة، وإعطائهم دور وصلاحيات مقلقة في إطار ما يُسمّى “اتحاد الصحافة اللبنانية”، لا سيّما وأنّ التجارب الحالية مع الهيئات الناظمة وحتّى النقابات ليست مشجّعة، وفق مفرّج. “فالكثير من الصحافيين غير منتسبين للجسم النقابي، وأغلبهم عاملين بصيغة العمل الحر (الفريلانس) ولا يجدون حماية لهم، لا من النقابتين ولا من أصحاب العمل، كما يكونون عرضة لملاحقات قضائية، ولا يلحظهم القانون كصحافيين لأنّهم غير منتسبين إلى نقابة المحرّرين التي يصعب الانتساب إليها أصلاً”.
ما مصير المواقع الإلكترونية؟
تنصّ نسخة القانون التي تناقشها لجنة الإدارة والعدل على ضرورة أخذ تراخيص مسبقة لوسائل الإعلام، فيما كانت النسخة الأساسية المقدمة من قبل النائب غسان مخيبر و”مؤسسة مهارات” تحصر الترخيص المسبق بالمؤسسات التي تستخدم الترددات وليس الإنترنت.
نصَّ اقتراح قانون الإعلام الذي قدمته “مهارات” والنائب مخيبر على تنظيم الإعلام الإلكتروني مع حرية إنشاء المواقع الإلكترونية من دون أي موافقة مسبقة، “ولكنّ النسخة التي تناقشها اللجنة أدخل عليها التعديلات منذ العام 2010 ممّا شوّه مضمون القانون”، وفق ما يقول مخايل.
التعديلات الحالية التي تناقشها لجنة الإدارة والعدل النيابية تُخضِع المواقع الإلكترونية المهنية للتسجيل عبر السجلّ الخاص لدى “المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع”، ولكنّ هذا الأمر “خارج صلاحياته”، كما يشرح مخايل.
وفي حين تشمل نسخة قانون الإعلام تعريفاً واسعاً لمفهوم الإعلام الإلكتروني، والنشرة الإلكترونية، برزت إشكاليات تتعلق بماهية المواقع الإلكترونية التي تخضع للتسجيل، والرسوم الكبيرة التي يفرضها القانون على إنشاء المواقع الإلكترونية. ففي المادة 45 من نسخة لجنة الإدارة والعدل تحدّد رسوم المواقع الالكترونية الإعلامية بـ150 مليون ليرة لبنانية (أي 100 ألف دولار أميركي على سعر الصرف السابق 1500 ليرة لكل دولار).
إجبار المواقع الإلكترونية على دفع رسوم تأسيس ضخمة “من شأنه أن يخنق حرية التعبير في البلاد”، بحسب بيان “تحالف حرية الرأي والتعبير”. أمّا نسخة الأونيسكو فكانت اقترحت عدم تحديد الرسوم في القانون بل إناطتها بما أسمته “الهيئة الناظمة للإعلام” التي تتمتّع بالاستقلالية المالية والإدارية والتي تُعنى بتنظيم قطاع الإعلام لجعل الأمر “أكثر مرونة”. يرى “تجمّع النقابة البديلة” أنّ هذه الهيئة يمكن أن تعطي استقلالية أوسع، ولكنّ “الصيغة الفضلى هي اعتماد التنظيم الذاتي لوسائل الإعلام، لأنّ تجارب تعيين الهيئات الناظمة السابقة لم تنجح بتأمين الاستقلالية”.
أمّا مفهوم التنظيم الذاتي للإعلام الذي ظهر في السنتين الأخيرتين في عدد من وسائل الإعلام اللبنانية، “لا يملك تعريفاً موحّداً، بل ينبع من تطبيقه بحسب ثقافة البلد والبيئة القانونية والأنظمة الإعلامية في إطار مفهومٍ ديمقراطي طوعي”، كما تقول الأستاذة الجامعية والباحثة في قضايا التواصل والجندر، ربى الحلو، في حديثها لـ”سمكس”.
وتشرح الحلو، التي أدارت اجتماعات عدّة لتنظيم وسائل الإعلام في لبنان استناداً إلى تجارب السويد والدنمارك، أنّه وبناءً على ذلك، تلتزم المؤسسات الإعلامية في غرف الأخبار بالسعي إلى تطبيق المعايير المهنية الأساسية المتمثلة بالدقة والعدالة والتفاني في تطبيق المصلحة العامة والمهنية والاعتراف بالأخطاء، والشفافية في عرض القواعد المهنية التي تشكل ميثاقاً للعمل والسياسات بوضوح وتطبيقها.
في وقت يستشهد الصحافيون خلال عملهم في تغطية خطوط المواجهة، ويتعرّضون للملاحقة بسبب عملهم بدعاوى مختلفة مثل القدح والذم، ويصعب عليهم الانتساب إلى نقابة مهنتهم، لا تزال لجنة الإدارة والعدل في مجلس النواب اللبناني تحاول إقرار نسختها العقابية من قانون الإعلام الجديد، ضاربةً بعرض الحائط المقترحات الدولية والمحلية.