أصدر “مجلس الإشراف” التابع لشركة “فيسبوك”، يوم أمس 14 أيلول/سبتمبر، قراره بإعادة السماح بمنشور لإحدى صفحات شبكة “الجزيرة” الإعلامية يتضمّن صورة لأشخاص في “كتائب عز الدين القسّام”، الجناح العسكري لحركة “حماس”، في خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، في شهر أيار/مايو الماضي.
تقول “فيسبوك” إنّه “بعد اختيار مجلس الإشراف لهذه القضية رقم 2021-009-FB-UA، وجدت أنّ المنشور لم ينتهك معايير المجتمع لديه فيما يتعلّق بـ’الأشخاص الخطرون والمنظمات الخطرة‘”. ومن المفارقة أنّ الشركة قالت إنّها “لم تعرف لماذا قرّر مراجِعان اثنان من فيسبوك بحذف المنشور باعتباره عنيفاً أو يحرّض على العنف، وينتهك معايير المجتمع”، متحجّجةً بأنّ “المراجعين لا يفترض بهم أن يسجلوا أسباب قراراتهم المتعلقة بالمحتوى”.
تهرّب من أسئلة مجلس الإشراف؟
الخطير في الموضوع أنّ إجابة “فيسبوك” لـ”مجلس الإشراف” حول الطلبات الإسرائيلية كانت مواربة، حيث نفت الشركة تلقّيها أيّ طلبات إسرائيلية رسمية بإزالة المحتوى، في حين رفضت التعليق على تلقّيها طلبات إسرائيلية غير رسمية!
وفقاً لضيا كيالي من منظمة “نيمونك” (Mnemonic) فإنّ “مطالبة مجلس الإشراف بالتدقيق في طريقة عمل فيسبوك بشأن المحتوى المؤيد لفلسطين أمر يسعدنا، وهو ما ينادي به المجتمع المدني طويلاً”. ومع ذلك، “قد لا يكون لقرارات المجلس غير الملزمة أثر يُذكر مع “فيسبوك”، بحسب ضيا، خصوصاً وأنّ “الشركة بدت متردّدة بالتزام الشفافية حتّى مع مجلس الإشراف، بحيث لم تتجاوب مع سؤال المجلس حول الطلبات الحكومية الإسرائيلية غير الرسمية”.
لا يستغرب مجد الشهابي من “سمكس”، والمشارك في مجموعة مناصرة للحقوق الرقمية الفلسطينية على الويب في العالم، قرار مجلس الإشراف هذا. ويقول إنّه “كان واضحاً أنّ مجلس الإشراف سيصدر حكمه في هذا الأمر لأنّ هذه هي الخطوة البديهية بعد الطعن بقرار فيسبوك بإزالة المحتوى”. ولكنّ السؤال هو “كيف سينعكس قرار المجلس على سياسات فيسبوك، وكيف سيوضع قيد التطبيق؟”. ويتوقّع الشهابي كذلك أن “لا يكون القرار سهلاً على الشركة خصوصاً وأنّها لا تمتلك خبرات كافية في المناطق الناطقة باللغة العربية لتنفيذ قرار من هذا النوع، ولا تكرّس الموارد التقنية والمادّية الكافية لمواجهة التحدّي الذي يطرحه هذا القرار”.
اعتذار غير مجدٍ
وكانت “فيسبوك” قد أزالت المنشور في خلال العدوان على غزة باعتباره يتضمّن “تهديداً بالعنف من قبل كتائب عز الدين القسام”، وذلك وفقاً لمعيار “الأشخاص الخطرون والمنظمات الخطرة”، بعدما كان شاركه مستخدم يتابعه حوالي 15 ألف شخص في مصر.
حذفت “فيسبوك” المنشور، ولكنّ المستخدم من مصر قدّم طعناً ورفع شكوى إلى “مجلس الإشراف” الذي اختار النظر في هذه القضية، فخلصت “فيسبوك” بعد خمسة أشهر تقريباً إلى أنه أزال المحتوى عن طريق الخطأ وعمدت بالتالي إلى إعادة نشره. وكان “مجلس الإشراف” بعد مراجعة الطعن وجد أنّ المنشور الأصلي لشبكة “الجزيرة” لم يُحذف وأنّ الخبر هو خبر يهمّ الرأي العام وأنّ “للأفراد الحق بنشر المحتوى الإخباري مثل المؤسسات الإعلامية”.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، قد اجتمع في 15 أيار/مايو، أي في أوجّ العدوان الإسرائيلي على غزة، بممثّلين عن “فيسبوك” و”تيكتوك”، قبل أن تعمد “فيسبوك” إلى الاجتماع بممثّلين عن السلطة الفلسطينية، بعد تسريب أخبار اجتماع الشركة مع الجهة الإسرائيلية ممّا تسبّب بإحراجها لكي تجتمع مع الجانب الفلسطيني.
وفي أواخر الشهر نفسه، أعلنت “فيسبوك” عن إنشاء فريق خاص يتابع على مدار الساعة على التساؤلات الخاصة بالمحتوى الذي يتناول “الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”، قبل قبل أن تعتذر “فيسبوك” لرئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتيه في نهاية الشهر نفسه، بسبب “شكاوى حول حجبه منشورات فلسطينية تناولت الصراع مع إسرائيل”.
في الوقت نفسه، تصاعدت الأصوات في وجه التحيّز الذي تمارسه منصّات التواصل، لا سيّما “فيسبوك”. وأطلقت “سمكس” إلى جانب عدد كبير من المنظّمات في العالم عريضة وشاركت في حملة مستمرّة لمطالبة هذه المنصّات بالكف عن إسكات أصوات فلسطين والتحيّز ضدّ المحتوى المؤيّد لفلسطين.
ومع ذلك، يقول “مجلس الإشراف” في محضر القضية الذي نُشر هذا الشهر إنّ “فيسبوك” “فشلت في تقديم الإجابات الكافية على أسئلته، فيما يتعلق بمنع منشورات بعض النشطاء الفلسطينيين”.
توصيات غير ملزمة
وشملت توصيات مجلس الإشراف لشركة “فيسبوك” ما يلي:
- إضافة معايير وأمثلة توضيحية لسياسة “الأشخاص الخطرون والمنظمات الخطرة” من أجل توضيح الاستثناءات التي تشمل المناقشات المحايدة ومنشورات الإدانة والتقارير الإخبارية.
- ضمان الترجمة السريعة للتحديثات لمعايير المجتمع إلى جميع اللغات المتاحة.
- تشكيل هيئة مستقلة غير مرتبطة بأيّ طرف من طرفي النزاع الإسرائيلي الفلسطيني لكي تجري تحقيقاً شاملاً لتحديد حالات التحيّز في عملية إدارة المحتوى ومراجعته بغضّ النظر عن الجنسية أو العرق أو الدين أو المعتقد أو الآراء السياسية، ومن ثمّ نشر التقرير والاستنتاجات علناً.
- اتّباع آلية شفافة حول تلقّي “فيسبوك” للطلبات الحكومية والاستجابة لها والحرص على نشرها في جميع تقارير الشفافية، مع التمييز بين الطلبات الحكومية التي أدت إلى إزالة المحتوى بسبب انتهاك معايير المجتمع، من جهة، والطلبات التي أدت إلى إزالة المحتوى أو الحظر الجغرافي بسبب انتهاك القانون المحلي من جهة أخرى، بالإضافة إلى الطلبات التي لم ينجم عنها اتّخاذ أيّ إجراء.
وفي ملحق حول القضية 2021-009-FB-UA، وبعد إعاد “فيسبوك” للمنشور على إثر توصية “مجلس الإشراف”، طلب المجلس توضيحات أكثر من الشركة، في مهلة 30 يوماً، حول ما إذا كانت إزالة المحتوى تتناسب مع معايير المجتمع والقيم المعلنة للشركة والتزامها بحقوق الإنسان، وكيف تؤثر سياسات “فيسبوك” على مشاركة المعلومات حول القضية الفلسطينية، وتوضيح ما إذا كان إنفاذ سياسات “فيسبوك” يفرض الرقابة على المهمّشين في المنطقة. وكان المجلس أعلن عن استقبال “تعليقات العامّة” من الجمهور، “للإسهام بوجهات نظر قيِّمة يمكن أن تساعد في البت في الحالة”.
قالت “فيسبوك” إنّها “ستطبّق قرار المجلس فور الانتهاء من تداوله”، ولكن لم توضح بعد ماذا ستفعل حيال باقي التوصيات.
ولكن، لا أحد يعلم ما إن كانت “فيسبوك” ستلتزم بتوصيات “مجلس الإشراف”، خصوصاً وأنّ هذه التوصيات غير ملزمة للشركة الأم والشركات التابعة لها، وأنّ الكثير من وعودها السابقة بقيت في إطار الكلام. يُضاف إلى ذلك الفضائح التي تلاحق الشركة باستمرار، خصوصاً فيما يتعلّق بتطبيق سياساتها، وليس آخرها تسريب وثيقة تفيد باستثناء عدد كبير من المشاهير من تطبيق معايير المجتمع الخاصّة بالمنصّة عليهم.