بعد اغتيال الكاتب لقمان سليم، يجري الحديث عن تسليم هاتفه الشخصي للتحقيق، مما يفتح موضوع خرق “خصوصية الضحية“. هناك عدّة أسئلة تطرح في هذا الشأن، مثل هل هاتف الضحية مهم للتحقيق؟ وفي حال تسليمه، هل يمكن للمحقّقين الوصول إلى المحتوى، وكيف يمكنهم التمييز بين المعلومات الشخصية والمعلومات المرتبطة بالتحقيق، وما العمل في حال كان للهاتف كلمة مرور؟
يوجد في لبنان عدة أمثلة عن عمليات ضبط الأجهزة، حتى لو لم تكن مهمة للتحقيق. فالإطار القانوني لعمليات الضبط هذه غير واضح، وغالباً ما يُستغلّ أو يُتحايل عليه لأنّه يخضع للكثير من الممارسات غير المشروعة من جانب الأجهزة الأمنية.
فبحسب تقرير نشرته “سمكس” قبل أيام حول “تقييم الإطار القانوني المتعلّق بعمليات ضبط الأجهزة في لبنان”، تكرّر خلال انتفاضة تشرين الأوّل/أكتوبر إيقاف الأجهزة الأمنية لعدد من المحتجّين وضبط أجهزتهم، الأمر الذي يُشكِّل خرقًا للخصوصية وانتهاكًا للحقوق الأساسية. وردّاً على عمليات الضبط هذه، أصدر النائب العام التمييزي تعميماً في 3 كانون الأوّل/ديسمبر 2019 سلّط فيه الضوء على الحقوق الأساسية التي يتمتّع بها الموقوفون، وذكّر بـ”دستورية” الحقّ في الخصوصية، ولا سيّما في ما يتعلّق بالأجهزة. ولكنّ ذلك لم يلجم فعلياً مسألة التفتيش والدخول لهذه الأجهزة.
بالتركيز على الخصوصية، أثبتت التجارب أنّ الأجهزة الأمنية في لبنان لا تحترم خصوصية الموقوفين والضحايا في الكثير من الأحيان. فحتّى مع تعميم النائب العام التمييزي، بقيت الأجهزة الأمنية تفتش في هواتف الموقوفين من أجل الوصول إلى محتوى يدينهم أو يدين رفاقهم مهما كان قديماً. نظرياً، من الممكن تجريم صاحب أيّ هاتف بعد حصول الأجهزة الأمنية على محتواه، مثلاً: الصور الخاصة، سجلّ البحث في “غوغل”، محادثات قديمة بين الأصدقاء، وغيرها، ما يعني أنّ مجال التجريم واسع في حال لم يكن التحقيق مهنياً.
في حالة هاتف لقمان سليم، إن كان الهاتف مقفلاً بكلمة مرور، سيواجه المحققون صعوبات من أجل فتح الهاتف، خصوصاً وأنّه من نوع “أيفون”. ومن المعروف عن شركة “آبل” المصنّعة لهواتف “أيفون” أنّها لا تتهاون بشأن قفل الهاتف، كما أنّها سبق أن امتنعت عن التعاون مع “مكتب التحقيقات الفدرالي” في عام 2016 من أجل كسر حماية هاتف متّهم قتل 14 شخصاً بإطلاق نار في عام 2015 في كاليفورنيا.
بالإضافة إلى ذلك، في حال كان صاحب الهاتف قد فعّل خاصية حذف محتوى الهاتف بعد 10 محاولات فاشلة في إدخال الرمز او كلمة المرور الصحية، فهذا يعني أنّ كلّ المحتوى سيُحذف.
وفي لبنان، حيث الإطار القانوني لحماية الخصوصية وضبط الأجهزة غير واضح، هناك عدة قوانين تحكم هذا الأمر. فقانون “أصول المحاكمات الجزائية” يسمح للقاضي بإصدار أمر بضبط الأجهزة، والقانون رقم 140 لسرية المخابرات يسمح لقاضي التحقيق اتخاذ القرار باعتراض مخابرات هاتف ما وتفتيشه.
يمنح القانون 140 أيضاً هذه الصلاحية لبعض فروع السلطة التنفيذية بإصدار أمر للقيام بعمليات الضبط، ولكّه يفرض شروطاً من أجل اعتراض المخابرات إنّما لا يعطي أي ضمانة للشخص بحيث لا يمكن الاعتراض على قرار التفتيش. والشروط التي يفرضها القانون هي: اتّخاذ القرار في حالات الضرورة القصوى، وتدوين القرار وتبريره، وكذلك ضرورة اتّخاذ هذا القرار في إطار التحقيق بجريمة تعاقب بسنة على الأقلّ.
من جهة أخرى، فإنّ “قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي” الذي أُقِرّ في العام 2018 ينقل صلاحية التفتيش وضبط الأجهزة خلال التحقيقات من قاضي التحقيق إلى النيابة العامّة من دون أيّ “قيود”.
ولذلك، نكرّر التوصيات التي وردت في تقريرنا حول عمليات ضبط الأجهزة في لبنان:
- تعديل المادّة 123 من قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي بهدف إضافة قيود على عمليات الولوج إلى الأجهزة الشخصية والتفتيش فيها، على غرار القيود الواردة في القانون رقم 140/1999 لصون الحقّ بسرية المخابرات (الاتّصالات)، وذلك بهدف إخضاع عملية التفتيش في الأجهزة للإجراءات المرتبطة باعتراض الاتصالات الخاصّة، وليس تفتيش المواد.
- مطالبة النائب العام التمييزي بإصدار إرشادات واضحة حول شروط عمليات التفتيش في الأجهزة وضبطها، من شأنها احترام مبادئ الشرعية، والضرورة، والنسبية في انتهاك الخصوصية.
- نقل صلاحية الأوامر القضائية حصرًا إلى قاضي التحقيق، لأنَّ المدّعي العام لا يزال طرفًا في الدعاوى القضائية، ما قد يؤدّي إلى إصدار أوامر متحيّزة.
- وضع آليات مساءلة للتأكُّد من أنَّ الأجهزةِ الأمنية تحترم القوانين والأنظمة.
- مواصلة النضال من أجل حقوق الدفاع وإنفاذ المادّة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية أمام كلّ السلطات القضائية.
- الامتناع عن مصادرة الهواتف والأجهزة الأخرى لدى استدعاء الأفراد للاستجواب، إلّا في حال وجود أمر قضائي يستدعي ذلك.