أعلنت شركة “أمازون لخدمات الويب” (Amazon Web Services AWS)، في 30 آب/أغسطس، عن إطلاق منطقة سحابية جديدة في الإمارات العربية المتّحدة، مع خطط للتوسُّع إلى إسرائيل في النصف الأوّل من عام 2023. على الرغم ممّا قد تحمله هذه الخطوة من وعود اقتصادية وتكنولوجية طموحة، إلّا أنَّ هذا التعاون يطرح التساؤلات حول تأثيره على حقوق الإنسان في المنطقة الناطقة بالعربية.
وفقاً لشركة “أمازون”، سيُوفّر إنشاء وتشغيل مركز البيانات الجديد في الإمارات العربية المتّحدة حوالي 6 آلاف فرصة عمل سنوياً، كما سيُساهِم بنحو 11 مليار دولار (41 مليار درهم إماراتي) في الناتج المحلّي الإجمالي الوطني على مدار العقد المقبل. تُتيح السحابة الإقليمية توطين البيانات وتسريع قدرات الحوسبة للمؤسّسات، وبالتالي تجذب الشركات التي تسعى إلى تطوير قدراتها التكنولوجية ودفع عجلة الابتكار.
ولكنْ، خلف هذه الرؤية للنموّ الاقتصادي والتنويع، ثمّة سلطة استبدادية تَستخدِم التكنولوجيا لتعزيز الذراع القمعية للدولة. ولقد استثمرت الإمارات العربية المتّحدة بشكلٍ مكثّف في برامج التجسُّس وبرامج التحكُّم بالمحتوى من أجل السيطرة على المجتمع وتثبيط المعارضة الداخلية والتلاعب بالخطاب عبر الإنترنت لفرض خطاب واحد فقط يؤيّد جميع أفعال السلطات.
الاستثمار التكنولوجي في الإمارات العربية المتّحدة
أثبتت دولة الإمارات العربية المتّحدة مكانتَها كمركز تقني في المنطقة من خلال إحداث ثورة في البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتّصالات وتوفير حوافز مالية فعّالة، مثل الإعفاءات الضريبية ومناطق التجارة الحرّة للمؤسّسات والشركات الناشئة. وفي إطار رؤية البلد لتنويع الاقتصاد الذي يعتمِد على الهيدروكربون، تستحوذ شركات الاستثمار الخاصّة والمملوكة للدولة على حصص كبيرة في تطبيقات وخدمات التواصل الاجتماعي ومراكز البيانات وفي مجال الاتّصالات وعمليات “السواتل”. على سبيل المثال، أعلنت شركة “مبادلة للاستثمار”، المملوكة لحكومة أبوظبي، عن استثمارٍ مباشر بقيمة 75 مليون دولار في تطبيق المراسلة “تيليغرام” (Telegram).
وعلى غرار بلدان خليجية أخرى، استخدمت الإمارات تقنيات المراقبة في الكثير من الأحيان، مثل برنامج التجسُّس “بيغاسوس” (Pegasus) الإسرائيلي من شركة “إن إس أو” (NSO)، و”ايفيدنت” (Evident)، وهي أداة للمراقبة الجَمَاعية طوّرتها شركة الدفاع البريطانية “بي أيه إي سيستمز” (BAE Systems). سهّلت هذه الأدوات التجسّسية الكشف عن المعارضين/ات والصحفيين/ات والمُدافِعين/ات عن حقوق الإنسان واختراق حساباتهم/نّ داخل الإمارات وخارجها. كما استثمر البلد في تطوير مؤسّسات ومبادرات محلّية تُعنى بالتجسُّس، مثل “دارك ماتر” (DarkMatter)، التي تعمل كشركة “للأمن السيبراني”.
ويُعتقد أيضاً أنَّ هذه الشركة هي وراء تطبيق “تو توك”، وهو تطبيق مجاني للمراسلة ومكالمات الفيديو صدر في عام 2019، ليتبيَّنَ لاحقاً أنَّه أداة تجسُّس تسمح للحكومة بتتبُّع محادثات المُستخدِمين/ات وصورهم/نّ.
الاستثناءات والثغرات القانونية
من ناحية أخرى، تأتي الصفقة الجديدة بين شركة “أمازون” والإمارات العربية المتّحدة بعد إصدار “القانون الاتّحادي لحماية البيانات الشخصية” الذي يتضمّن استثناءات مُثيرة للقلق.
على سبيل المثال، لا ينطبق القانون على القطاع العام والسلطات الحكومية التي تتحكّم بالبيانات الشخصية وتُعالِجها. وفي بلدٍ حيث تَستثمِر الحكومة بكثافة في القطاع الخاصّ والصناعات التقنية، يؤثّر هذا الاستثناء على فعّالية القانون وشفافيته.
ومن أبرز سِمات القانون أنَّه يمنح “مكتب الإمارات للبيانات”، كهيئة مسؤولة عن حماية البيانات، صلاحية إعفاء المؤسّسات التي لا تُعالِج كمّية “كبيرة” من البيانات الشخصية، من دون شرح واضح لهذا المصطلح. ويخلق ذلك مزيداً من التفاوت بين الكيانات التي ينبغي أن تنطبق عليها التزامات الخصوصية، كما يزيد من تقييد نطاق الحماية المقصود.
ويحتوي القانون على جانب آخر مُثير للقلق، وهو أنَّه يمنح مكتب البيانات إمكانية تفويض بعض صلاحياته إلى السلطات الحكومية المحلّية، الأمر الذي يُهدِّد استقلالية المكتب.
بالنظر إلى أوجه القصور في القانون الاتّحادي لحماية البيانات الشخصية، هل ستكون البيانات الشخصية لمواطني ومواطنات دولة الإمارات العربية المتّحدة، والمقيمين في المنطقة الناطقة بالعربية بشكل عام، آمنةً في سياق هذه السحابة الجديدة من “أمازون”؟
تاريخ الاستبداد الرقمي
تمتلك الإمارات العربية المتّحدة سجلّاً حافلاً في قمع حرّية التعبير والنشاط السلمي، وبالأخصّ عبر الإنترنت. يواجه العشرات من النشطاء والأكاديميين/ات والصحفيين/ات والمُدافِعين/ات عن حقوق الإنسان عقوبات طويلة بالسجن، في ظروف قاسية ومحاكمات غير عادلة، بسبب التعبير عن آرائهم/نّ بطريقةٍ سلمية عبر الإنترنت، بموجب قانون الجرائم الإلكترونية الذي يكتنفه الغموض. ومن الأمثلة على ذلك حالة أحمد منصور، المحكوم عليه بالسجن لمدّة 10 سنوات بسبب انتقاد انتهاكات حقوق الإنسان في الإمارات، أو المواطن الأردني أحمد العتوم الذي اعتقل بسبب منشوراته على “فيسبوك” التي انتقدَ فيها الحكومة الأردنية.
في ظلّ إساءة استخدام التكنولوجيا للتجسُّس على سكّان الدولة وقمع حرّية التعبير، قد لا تكون الإمارات العربية المتّحدة مكاناً آمناً لإنشاء سحابة “أمازون”، وذلك لأنَّ حماية البيانات غير مضمونة. فإنشاء الخدمة السحابية قد يُسهِّل على السلطات مراقبة واستهداف المُعارِضين إذا أُتيحَت لها إمكانية الوصول إلى بياناتهم الشخصية.
تعتبر ماريان رحمة، الباحثة القانونية في القانون الرقمي ومسؤولة وحدة السياسات في منظّمة “سمكس”، أنَّ “الحكومات في دول الخليج لديها سجلّ سيّئ جداً في مجال حقوق الإنسان: بدءاً بإسكات أصوات المعارضة والمواطنين/ات من خلال الاحتجاز، وصولاً إلى التعذيب والقتل خارج نطاق القضاء واستخدام برامج التجسُّس وما إلى ذلك؛ والقائمة تطول. ويُثير هذا التاريخ مخاوف جدّية بشأن استثمارات شركات التكنولوجيا الكبرى في المنطقة، مثل المنطقة السحابية لشركة “أمازون” في الإمارات العربية المتّحدة”. وتضيف أنّ “شركات التكنولوجيا الكبرى تساهم في تيسير انتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة على نحو مُثيرٍ للقلق”.
لا تهتمّ شركات التكنولوجيا كثيراً بالمكان الذي تُمارِس فيه أعمالها وتُعطي الأولوية دائماً للربح على حساب حقوق الإنسان. في السنوات الأخيرة، أطلقت “أمازون” و”غوغل”، وهما من الشركات العملاقة في مجال التكنولوجيا، مشاريع واسعة النطاق في بلدان تتبنّى نظاماً قمعياً في المجال الرقمي، مثل المملكة العربية السعودية وإسرائيل، على الرغم من انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان.