بعد يومٍ واحد على انتهاء احتفالات بلدية جزين بعيد انتقال السيدة العذراء، في 15 آب/أغسطس الماضي، تلقى المصور رامي رزق، الذي كان يستخدم طائرة “الدرون” الخاصة به لتصوير الحدث، اتصالاً من شخصٍ عرّف عن نفسه كموظّف في “شركة الإعلان المتعاقدة مع البلدية”.
وضع الموظف الذي تحدث باسم البلدية، بحسب ما كشفه رزق في حديثٍ مع “سمكس”، عدّة شروط في حال أراد استخدام الدرون مستقبلاً، منها ضرورة الحصول على ترخيصٍ من قبل البلدية، وضرورة تسليم داتا الصور والفيديوهات التي يتم تصويرها بالدرون ضمن النطاق البلدي. وقد تُرجم الشرط الأوّل بقرارٍ بلديّ حمل الرقم 883، أكدت فيه بلدية جزين على منع استخدام الدرون إلا بعد الحصول على إذن خطي مسبق منها.
أثار القرار موجة من ردود الفعل المؤيدة والرافضة على مواقع التواصل، وطرح العديد من الأسئلة: هل يحق للبلدية أو أي جهة أخرى فرض إعطاء ترخيص؟ وهل يحقّ للبلديّة نفسها استخدام “الدرون” لضمان الأمن في البلدة كما تفعل، أم أنّها تنتهك بذلك قواعد الخصوصية؟ وأيّ إطارٍ قانوني ينظّم استعمال الدرون أصلاً في لبنان؟
مخاوف من استخدام “الترخيص” اعتباطياً!
ولا شك أن الإجابة عن هذه الأسئلة يزداد أهمية في ظل تنامي هذا السوق وتوسّعه وانتشاره. وتشرح الدكتورة في القانون الجزائي، عطاف قمر الدين، في حديثٍ لـ”سمكس”، أنّ “الجهة المخولة منح الترخيص ليست البلديّة، إنما الجيش اللبناني الذي نظّم آلية الحصول على طلب ترخيص تصوير بواسطة طائرة صغيرة (flying cam)، بناءً على مجموعة مستندات تُقدّم بموجب طلب خطي من صاحب العلاقة”. في الوقت نفسه، يعدّ إعطاء هذا الحق للجيش اللبناني، في ظلّ غياب قواعد أو معايير واضحة تُمنح على أساسها التراخيص، قد يتحوّل إلى أداة اعتباطية بيد البلدية أو الجيش أو أي جهة أخرى.
وتنصّ المادة 47 من المرسوم الاشتراعي 118/1977 على أنّ “كل عمل ذي طابع أو منفعة عامة، في النطاق البلدي، من اختصاص المجلس البلدي”، وبالتالي، هل يمكن الاستناد إلى هذه المادة لتبرير خطوة بلديّة جزين؟ تجزم قمر الدين “عدم أحقية” البلدية بذلك، إذ “لا يمكن الاعتماد على هذه المادة لتحويل الصلاحية إلى البلديات”.
“إذا حصل أحد الأشخاص على رخصة سلاح من وزارة الدفاع، فلا يحق للبلدية فرض الحصول على رخصة أخرى منها للدخول إلى البلدة”، تضيف قمر الدين. كما لا تزال المعايير التي ستعتمدها بلدية جزين غير واضحة، الأمر الذي قد يحوّل مبدأ الترخيص إلى أداة تصفية حسابات عائلية أو سياسية أو انتخابية في البلدة.
علاوة على ذلك، في اشتراط بلدية جزين على المصورين تسليم الداتا نوعٌ من الاستغلال، وذلك لأنّ المصوّرين/ات يبذلون جهداً ومالاً للحصول على صورة أو مقطع فيديو، وليس من المنطقيّ تسليم عملهم/ن للمجلس البلدي مجاناً.
البلدية تنتهك الخصوصية بالدرون
انتشر عددٌ من الفيديوهات التي التُقطت بواسطة طائرات “درون” لأشخاص بأوضاع حميمة في مساحتهم الخاصة. سبق ذلك نشر بلدية الفنار، في تموز/يوليو الماضي، فيديو عبر تطبيق تيك توك يُظهر استخدامها لتقنية جديدة لمراقبة البلدة عبر الطائرات المسيّرة، مما أثار علامات استفهام حول مدى انسجام هذه الخطوة مع الحق في الخصوصية. تعليقاً على ذلك، تؤكد قمر الدين أنّه “لا يوجد أيّ نصّ صريح في قانون البلديات يعطي البلدية حق التصوير الجوي أو مراقبة الأفراد بالدرون”.
ولفتت إلى أنّه “فيما يتعلق بخرق الخصوصية، أي التصوير خلافًا للغايات المبينة في الترخيص أو على ارتفاع غير مسموح أو بغير ترخيص، إذا وقع من البلديات، وبما إنّ البلدية شخصٌ من أشخاص الحق العام، فإنّ عملها يصبح في هذه الحالة إدارياً غير مشروع (المراقبة من دون أساس قانوني)”. وأوضحت أنّ “المراجعة بشأن هذا العمل تخضع لصلاحية مجلس شورى الدولة، إذ يحق للمواطن المتضرر أن يتقدم بمراجعة إبطال ضد قرار البلدية استخدام الدرون”.
تجارب عربية مُتشددة
بصرف النظر عن الحصول على ترخيص من عدمه، فإنّ لاستخدام الصور والفيديوهات الناجمة عن الدرون قواعده القانونية الخاصة لناحية ضرورة حماية الخصوصية في هذا الإطار. وتؤكد قمر الدين أنه على مستوى النصوص الجزائية، لا يوجد نص جزائي في لبنان يعاقب تحديداً على تصوير الأشخاص في الأماكن الخاصة، خلافاً للتشريع الفرنسي مثلاً المادة 226-1 عقوبات فرنسي.
وفقاً لقمر الدين، “يمكن سوق الملاحقة الجزائية على أساس القانون 81/2018 على أساس جمع ومعالجة وإفشاء البيانات ذات الطابع الشخصي (الصور التي تكشف هوية الشخص)، كما يمكن المطالبة بالتعويض عن الضرر على أساس قواعد المسؤولية المدنية أمام القضاء المدني المختص”.
وفي حين يفتقر لبنان إلى التشريعات الواضحة والصريحة المتعلقة باستخدام طائرات الدرون، فإنّ بعض الدول العربية أقرّت قوانين خاصة لتنظيم هذه الطائرات، إلا أنّها متشدّدة إلى حد بعيد. ففي مصر، صدر القانون رقم 216 لسنة 2017، الذي يُعنى بتنظيم استخدام الطائرات المحركة آلياً أو لاسلكياً وتداولها والاتجار بها. ويحظر القانون في مادته الثانية “على وحدات الجهاز الإداري للدولة من وزارات، ومصالح، وأجهزة، ووحدات الإدارة المحلية، والهيئات العامة، والشركات، وغيرها من الشخصيات الاعتبارية العامة أو الخاصة والأشخاص الطبيعيين، استيراد أو تصنيع أو تجميع أو تداول أو حيازة أو استخدام الطائرات المحركة آلياً أو لاسيلكياً، إلا بعد الحصول على تصريح بذلك من الجهة المختصة”. والمقصود بالجهة المختصة هي وزارة الدفاع.
إلا أنّ القانون المصري يتشدد كثيراً في معاقبة مخالفي القانون، إذ يُشير في مادته الثالثة على أنه “يعاقب بالحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تجاوز السبع سنوات، وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من قام باستيراد أو تصنيع أو تجميع أو تداول أو حيازة أو الاتجار أو استخدام الطائرات المحركة آلياً أو لاسلكياً بغير تصريح من الجهة المختصة”.
فئات الدرون في الاتحاد الأوروبي
وعلى المستوى الدولي، نظّمت لوائح الاتحاد الأوروبي للطائرات بدون طيار، والمعمول بها منذ عام 2020، استخدام هذه الطائرات من خلال تقسيمها إلى ثلاث فئات رئيسية بحسب مستوى الخطر. ويهدف هذا التنظيم إلى ضمان سلامة الطيران، الخصوصية، وتوحيد القواعد في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي.
ووفقاّ لذلك، فإن الفئة الأولى هي “المفتوحة” (Open) وتطبّق على الرحلات منخفضة المخاطر، إذ لا تتطلب إذناً مسبقاً، وتحدّد الحدّ أقصى لارتفاع الطيران (120 متر)، وتتكون من فئات فرعية (C0 – C4) تحدد المتطلبات الفنية للطائرات نفسها، كما أنها تسمح ببعض الاستثناءات، مثل التحليق فوق العقارات السكنية إذا سمح المالك.
أما الفئة الثانية فهي الفئة المحددة (Specific) التي تشمل الرحلات ذات المخاطر المتوسطة التي لا تندرج ضمن الفئة المفتوحة، وتتطلب هذه الفئة الحصول على موافقة مسبقة من هيئة الطيران الوطنية. وأخيراً، الفئة المعتمدة (Certified)، وتُطبق على الرحلات عالية الخطورة مثل عمليات النقل. وتتطلّب هذه الفئة تشغيل الطائرات من قبل شركات معتمدة مع طيارين مرخصين وطائرات معتمدة.
تؤكّد منظمة “سمكس” ضرورة تجنّب مُستخدمي الدرون التقاط الصور أو الفيديوهات أو أيّ بيانات تُحدد هوية الأفراد من دون موافقة صريحة من منهم/ن، ومراعاة القوانين والأنظمة المرعية الإجراء، خاصةً في الأماكن الخاصة أو أماكن السكن. إذ أنّ عدم الإلتزام بذلك من شأنه أن يُشكل انتهاكاً للخصوصية.
وتُطالب “سمكس” بضرورة إقرار قانون محدّدٍ وواضح للخصوصية بهدف حماية المواطنين/ات من هذه الانتهاكات، سواء ارتكبها أفرادٌ أو مؤسساتٌ أو حتّى جهات أمنيّة أو رسميّة.
الصورة الرئيسية من AFP.