بصورة مفاجئة، عادت الأجهزة الأمنية في مصر قبل أربعة أيام تقريباً إلى ضبط الهواتف والأجهزة الشخصية على الطرقات وفي الساحات ومحطّات المترو. تجبر نقاط الارتكاز الأمنية هذه الناس على فتح هواتفهم وأجهزتهم بهدف التدقيق في محتواها.
“كان يحصل هذا الإجراء عند كلّ مناسبة وطنية مثل ذكرى ثورة يناير، ولكنّه تضاءل بعد احتجاجات أيلول/سبتمبر 2019″، يشرح المحامي والباحث القانوني مع “مسار”، حسن الأزهري لـ”سمكس”.
يعود أحد أسباب إعادة العمل بهذا الإجراء إلى الدعوة إلى التظاهرات في يوم 11/11 (أي 11 تشرين الثاني/نوفمبر) بالتزامن مع “مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ” (COP27)، والذي ينعقد من 8 إلى 18 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل في شرم الشيخ في مصر.
يبدو أنّ الغاية الأولى من ضبط الهواتف يستهدف التعبير السياسي وحرية الرأي. يشرح الناشط عمرو مجدي أنّه في بعض الحالات “يأخذ الضابط الهاتف ويقرأ المحتوى على مختلف وسائل التواصل باحثاً عن أيّ أمر يتعلق بالسياسة”. ويقول لـ”سمكس” إنّ أحد الأشخاص الذين أوقفوا تفاجأ حتى بقدرات العسكريين على التفتيش في الهاتف، بحيث طلب منه إظهار تطبيق “فيسبوك” الذي كان أخفاه في الهاتف، “ما يعني أنّ الأمور تصبح أكثر تعقيداً”.
Egypt’s social media is witnessing some calls for protests on 11.11 as the country hosts #COP27. Gov’t reacted as usual by hysterical checkpoints in vital streets arbitrarily picking ppl to open their phones for unlawful checks into their contents. pic.twitter.com/h7C8ztFHs8
— Amr Magdi (@ganobi) October 20, 2022
ومع ذلك، تكرار هذه الإجراءات لا يعني شرعيّتها وقانونيتها، إذ أنها تتنافى مع “المادة 57 من الدستور المصري الصادر عام 2014 والمعدل في 2019 والتي تفيد بأنّ للحياة الخاصة حرمة، وهى مصونة لا تمس”، وفقاً للأزهري. علاوة على ذلك، تحدّد المادة نفسها أنّ “للمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبّب، ولمدة محددة، وفى الأحوال التي يبينها القانون”.
والحرمة تعني هنا السياق الواسع، أي عدم قدرة جهات الضبط والتحكم الأمني على دخول منزلك أو ضبط جهازك وتفحص رسائلك إلا بإذن قضائي ومع سبب محدد. حتّى في الإطار الإجرائي للتفتيش، ينبغي مراعاة مجموعة من الأمور، كما يشرح الأزهري، ومنها: “وجود إذن قضائي مبرّر مبنيّ على سبب واضح، تسبقه تحرّيات دقيقة تقول للجهة مُصدِرة القرار، ثمّ وجود إذنٍ بالتفتيش من النيابة العامة”.
ولكن، إجراءات ضبط الأجهزة وتفتيشها من قبل النقاط الأمنية المفاجئة والعشوائية تستند إلى الحالة الاستثنائية التي تشمل حالات التلبّس. والمقصود هنا أن يدرك “الضبط القضائي (الشرطة القضائية) شخصاً وهو يرتكب جريمة متلبّساً (بالجرم المشهود)، وفي بعض الأحيان تحاول الجهات القضائية إيجاد مصدر للتلبّس، كما يشرح الأزهري، مؤكّداً أنّ “هذا الإجراء ينطوي على بطلان”.
في السياق نفسه، يؤدّي خوف المواطنين من الإجراءات إلى عدم السؤال عن الإذن القضائي، ويسمحون تلقائياً بضبط هواتفهم وتفتيشها وفحص محتواها، بحيث يمكن أن تجد الأجهزة الأمنية منشورات ورسائل يمكن أن تجرّم صاحبها. ويشرح الأزهري أنّ هذه المواد “يمكن أن تُستخدم ضدّ الشخص الذي يعترف عند مواجهته بها”، مضيفاً أنّ هناك رأياً قضائياً في مصر يقول إنّ الاعتراف يتجاوز الخطأ الإجرائي”.
في المقابل، يفيد رأي قضائي آخر بأنّ ما بني على باطل فهو باطل، وإذا كان الإجراء باطلاً فالتحقيق سيكون باطلاً إذاً، وفقاً للباحث القانوني. على سبيل المثال، يخالف ضبط الأجهزة وتفتيشها قبل صدور الأمر القضائي قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 (أو ما يعرف بقانون الجرائم الإلكترونية). يحصر القانون ضبط الأجهزة وتفتيشها بارتكاب جرم قبل عملية الضبط، وكذلك بصدور أمر مسبب من قبل جهة التحقيق المختصة (أي القضاء). وتحدّد المادة 6 من القانون إصدار جهة التحقيق المختصة الأمر المسبّب لمدة “لا تزيد على 30 يوماً قابلة للتجديد لمرة واحدة، متى كان لذلك فائدة فى ظهور الحقيقة على ارتكاب جريمة معاقب عليها بمقتضى أحكام هذا القانون”.
ينبغي للسطات المصرية الرسمية أن توقف هذا النوع من الممارسات وأن تلتزم بالإجراءات القانونية والدستور المصري، بدلاً من هذا الانتهاك الواضح للمعاهدات الدولية التي وقّعت عليها القاهرة. كما يجدر بالجهات القضائية في البلاد أن تؤكّد على عدم شرعيّة هذه الإجراءات التي تستخدمها السلطات لتخويف الناس ومنعهم من حقهم في التعبير عن الرأي.