شعار فيسبوك (الصورة من موقع pexels)
صفحة “وينية الدولة؟” على فيسبوك، الّتي عليها أكثر من 250,000 إعجاباً، تنشر بشكل منتظم مواد فيديو وصوراً عالية الجودة بغرض توثيق ما تعتبره جرائماً تحصل في لبنان، حاصدةً بذلك مئات الآلاف من المشاهدات. وفي حين أوقف فيسبوك الصفحة البارحة الثلاثاء، 26 أيلول/سبتمبر، بعد نشرها معلوماتٍ تسهّل التعرّف على فردين، لا تزال صفحتها الاحتياطيّة الّتي تملك 70,000 متابعاً ومتابعةً، تتابع نشاطها.
مهمّة هذه الصفحة هي التحرّي بالاعتماد على الحشود من الناس، أي Crowdsourcing، بغية إلقاء القبض على مرتكبي ومرتكبات هذه الجرائم المزعومة، ما يعرف بالتحرّي الالكتروني Online Sleuthing. حيث يستعرض الناس مواد الفيديو والصور ويحاولون التعرّف على المشتبه بهم، ثم يرسلون معلوماتٍ عنهم إلى الصفحة من خلال بريد الرسائل الخاص بها أو من خلال واتساب. هذه المعلومات تشتمل أحياناً على أسماء، عناوين، ومعلومات تعريف شخصيّ أخرى. عادةً، تتمّ مشاركة هذه المعلومات بشكلٍ علنيّ من قبل الصفحة، ربّما لتُعْلِم المتابعين والمتابعات بنتائج عملها. إلّا أنّ مشاركة هذه المعلومات خرقٌ لخصوصية من تزعم الصفحة أنّهم متّهمون ومتّهمات، وتهديدٌ لفرص وصولهم إلى العدالة. هذه الصفحة تساهم، بالإضافة لخرقها حقّ الخصوصية، بتعزيز ثقافة تحويل المدنيّين والمدنيّات في لبنان إلى مستقلّين Vigilantes وتثير، بمعرض ذلك، تساؤلاتٍ عن علاقاتها المحتملة مع الدولة.
مقطع فيديو برز مؤخّراً يُظهِرُ واقعةً بين رجلٍ وامرأة، يوضّح هذه القضية. إذ نشرت الصفحة يوم الأحد، 24 أيلول/سبتمبر، مقطع فيديو يظهر امرأةً تجرّ رجلاً باستخدام سلسلة في محيط منطقة جونية، شمال بيروت. حصد هذا الفيديو أكثر من 500,000 مشاهدة. أرفقت الصفحة بالفيديو، النص التالي: “يبقى أن نأخذ على عاتقنا أن نسعى لنشر الهوية الكاملة لكل من ظهر في الفيديو، ربما بذلك ندفع القوى الأمنية إلى التحرك وإلقاء القبض عليهما.” وبعد عدّة ساعات فقط، نشرت الصفحة أن قوى الأمن الداخلي اعتقلت الرجل الظاهر في الفيديو، ونشرت اسمه على العلن. الصفحة سمّت أيضاً المرأة الظاهرة في الفيديو وكشفت أنّها متحوّلة جنسياً، معرضةٍ إياها بذلك للمضايقة والعنف. بعد ذلك، يوم الإثنين، أعلنت الصفحة أن قوى الأمن الداخلي اعتقلت المرأة أيضاً، ونشرت معلوماتٍ عن كلا الفردين، مثل السنّ، مكان العمل، ووصف مقتضب لحياتهم.
نشر هذه المعلومات يخترق حقّ الخصوصية المنصوص عليه في المادّة 14 من الدستور اللبناني، والمادة 12 من إعلان حقوق الإنسان الّذي تعتمده الأمم المتّحدة، وتتبناه لبنان. البروفيسور المساعد في القانون العام بجامعة بيروت العربية، علي مراد، نشر على فيسبوك أنّ مشاركة صورٍ ومعلومات عن هؤلاء الناس “تطيح بمبدأ قانونيّ أساسيّ وهو قرينة البراءة” وتروّج “للتشهير” الموجّه ضد هذين الشخصين. ممّا يضاءل فرصهم بخوض محاكمةٍ عادلة، ويجعل توقيفهم دون اتّهامات رسمية أمراً ممكناً. ناهيك عن تعريضهم للخطر جرّاء نشر هذه المعلومات أمام الملأ.
شدّد السيّد مراد على أنّ هذه الصفحة خطيرة بشكلٍ خاصّ لأنّها لا تخرق حقّ الخصوصية فحسب، بل تحوّل “كلّ مواطنٍ إلى محقّق، وقاض ومخبر.” القائمون على هذه الصفحة يشجّعون اللبنانيين واللبنانيّات على تزويدهم بمعلومات عن أبرياءٍ وينشرونها بشكل عشوائي. في هذه الحالة، شاركت الصفحة تفاصيل دقيقة جدّاً عن اعتقال الشخصَين، مدّعيةً بأنّها تلقّت الخبر من متابعيها. حتى ما نشرته عن الاعتقال احتوى معلوماتً تعريفية شخصية عن الفردَين أكثر تفصيلاً من ما نشرته قوى الأمن الداخلي على فيسبوك بخصوص هذه الحادثة.
يتساءل بعض الناس عمّا إذا كانت السلطات، بدلاً من التدخّل لحماية الناس والمعلومات المعرّفة بشخصيّتهم، تساعد وتدعم هذه الصفحة. في ما كتبه السيد مراد على فيسبوك، يقول أنّ “بعض الإدارات العامة تتفاعل أحيانا كثيرة وبإيجابية مع الصفحة.” ناشطٌ، فضّل عدم الإعلان عن هويته، افترض أنّ كلتا جودة وكمّية مقاطع الفيديو المنشورة على هذه الصفحة ترجّحان إمكانية إدارتها من قبل قوى الأمن الداخلي، أو على الأقل التواصل مع من يقوم بذلك. هذه الثقافة، وإن كانت مبادرة فردية، خطيرة بحد ذاتها، لكنّها تصبح أخطر إذا ما تلقّت دعماً ضمنيّاً من السلطات.
بصفتنا منظّمة تدافع عن الحقوق والحريات الرقمية، نطالب مسؤولي صفحة الفيسبوك هذه بعدم مشاركة معلومات التعريف الشخصي مما يهدّد أمن وسلامة أفرادٍ قد يكونون أبرياء، وبحال التواصل مع القوى الأمنية، يمكنهم أن يقوموا بذلك بشكل خاص وليس بالضرورة علناً. والأكثر أهمّيةً من ذلك، نحن نحثّ الدولة اللبنانية على حماية حقوق الخصوصية للمواطنين والمواطنات وكل من يسكن على أرض لبنان، هذا يشمل سنّ قوانين حماية بيانات أكثر قوّة لضمان أنّ أيّ طرف ثالث لن يتمكّن من نشر معلومات التعريف الشخصي لأيّ شخصٍ بدون عواقب.