أصبحت وسائل التواصل في مصر سبيلاً آخر تواجه فيه النساء عنفاً رقمياً وخطاب كراهية يؤثّران على حياتهن وحضورهنّ على المنصّات الرقمية.
وتُقابَل الأفكار النسوية في مصر، وصانعات المحتوى الداعم للنساء، عادةً بهجوم رقمي عنيف، مثل محاولات اختراق الحسابات، وخطابات كراهية والتشهير وما يعرف بالانتقام الإباحي، أي نشر صور مسيئة للنساء إما بتصويرهم دون دراية منهن أو سرقة صورهن.
وفي العالم، يزيد احتمال تعرّض النساء للمضايقات أو خطاب الكراهية عبر الإنترنت بمقدار 27 مرة على الرغم من أنّ احتمال استخدام النساء للإنترنت أقلّ بنسبة 20% من الرجال، وفق دراسة للأمم المتحدة نشرت في آذار/مارس من هذا العام.
فكيف تواجه صانعات المحتوى المصريات هذا العنف الرقمي؟
هجمات من كلّ حدب وصوب
في أحد الأيام وجدت آية منير، مؤسِّسة مبادرة “سوبروومن” (Superwomen) التي انطلقت عام 2016 لدعم النساء، نفسها ضحيّة هجومٍ إلكتروني بعد أقلّ من دقيقة على إعادة مشاركة منشور لداعية سلفي يتحدّث عن تعدّد الزوجات، منتقدةً رأيه بشيء من السخرية.
في كلّ مرّة تنشر فيها أي محتوى موجه للنساء، تتعرّض منير لموجات من العنف الرقمي مثل “التنمّر والسخرية من حالتي الاجتماعية كمطلّقة”، كما تقول لـ”سمكس”، لافتةً إلى أنّ “بعض هذه التعليقات الهشّة تأتي من دوائري المقرّبة مثل العائلة”.
ولكنّ هذه التجارب جعلت منير أكثر إصرار على تعلّم كيفيّة حماية نفسها رقمياً، وبدأت تأخذ خطوات لتحمي حساباتها عند مهاجمتها ، كما تقول، “كأن أغلق التعليقات مؤقتاً برغم الأثر السلبي الذي تركه ذلك على التفاعل مع صفحتنا على فيسبوك، أو كأن أتجاهل التعليقات تماماً”.
لا تقتصر الهجمات على العنف الرقمي، بل قد يصل إلى حدّ محاولة إغلاق الحسابات والصفحات الخاصّة. تقول الناشطة النسوية المصرية، سميرة عبد القادر، مؤسِّسة صفحة “لا لتعدد الزوجات”، في حديث مع “سمكس”، إنّ “ستّ صفحات فيسبوكية وحسابات شخصية أُغلقت بسبب حملات تبليغ فقط لانتقادنا القوانين الظالمة للنساء في مصر مثل قانون الأحوال الشخصية”.
حتّى عندما حاولت رفع الأمر إلى شركة “فيسبوك”، كان الجواب يأتيها بأنّ صفحاتها “تنتهك المعايير وتبثّ خطاب كراهية، من دون تحديد منشور الذي سُجّل فيه الانتهاك وبأيّ شكل حدث”، كما تشرح.
عنف متدرّج
تتلقى صفحة “لا لتعدد الزوجات” بين الحين والآخر روابط غير آمنة كمحاولات لاختراق حساباتها، كما تشير إلى أنّها دائماً ما تتلقّى تهديداتٍ بالقتل والسجن، الأمر الذي جعلها تطلق حملات عديدة ضد خطاب الكراهية الموجه للنساء عبر مواقع التواصل.
تعتبر عبد القادر أنّ “ثمّة رابطاً قوياً بين خطاب الكراهية ووسائل التواصل والجرائم المنتشرة ضدّ النساء، وقد شهدنا ذلك في قضية الفتاة نيرة أشرف التي ذبحها شاب أمام جامعتها عام 2020”. في ذلك الوقت، شهدت مواقع التواصل عنفاً ضدّ المطالبين بالعدالة لنيرة وموجة تبرير لما فعله القاتل، وفقاً لعبد القادر.
وانطلاقاً من قضية نيرة أشرف، تؤكّد دراسة أجرتها أستاذتا الصحافة مُنية إسحاق وسارة أحمد، ونشرت هذا العام في “المجلة المصرية لبحوث الإعلام” التابعة لـ”جامعة القاهرة”، أنّ لوسائل التواصل دوراً كبيراً في انتشار خطاب الكراهية الاجتماعي الذي ينتج عنه اضطهاد للمرأة في المجتمع والتضييق عليها، حيث جاء خطاب الكراهية السياسي أولاً بنسبة 33%، ثمّ الاجتماعي بنسبة 29%، فالرياضي بنسبة 27%.
تضييق مقصود على النساء في المساحات العامة
“حينما ظهر الإنترنت ظنّت النساء أنّ هناك متنفساً يستطعن التواجد فيه بدون التعرض لمضايقات وعنف، وهو ما اتّضح أنّه غير صحيح، لا سيما بعدما فتحت منصات التواصل الباب أمام الوصول إلى البيانات الشخصية الحقيقية لبعض النساء مثل الصورة والعنوان وأحياناً أفراد العائلة”، على حدّ قول لمياء لطفي، الناشطة النسوية والعضوة في “مؤسسة المرأة الجديدة” (New Woman Foundation)، وهي مؤسسة مصرية غير حكومية لدعم حقوق النساء. وتُستغلّ هذه البيانات “في هجمات تهدف إلى تضييق مساحة المجال العام أمام النساء على طريقة ’استخبّي واقعدي في بيتك‘”، كما تضيف لطفي لـ”سمكس”.
ذلك الضغط الذي تتعرض له الفتيات من المجتمع والأسرة بسبب أشكال مختلفة من العنف الرقمي جعل النساء، بحسب لطفي، يتّبعن نوعاً من الرقابة الذاتية مثل”إنشاء حسابات بهوية مزيفة، أو حصره بالأصدقاء المحدّدين فقط، وصولاً إلى الابتعاد عن استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل نهائياً للشعور بالخطر طوال الوقت”.
بالإضافة إلى ذلك، تخشى النساء اللاتي يتعرضن إلى العنف الرقمي من الإبلاغ “للأسباب نفسها التي تمنعهنّ من الشكوى ضدّ العنف اليومي”، وفقاً للطفي، لأنّ “المجتمع سيُدين الفتاة، أو أنّ أفراد الشرطة لن يتعاونوا معهنّ إيجابياً، أو لن تُأخذ شكواها بجدية، بالإضافة إلى أنّ بياناتها الشخصية ستكون مباحة للجميع وقد تتعرّض لضغط وابتزاز من أجل التنازل عن القضية”.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ القوانين مثل القانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، استُخدمت بعد لملاحقة واضطهاد النساء. ومن أشهر تلك القضايا ملاحقة صانعات المحتوى الترفيهي من النساء عبر تطبيق “تيكتوك” عام 2020، مثل منة عبد العزيز وحنين حسام ومودة الأدهم، بزعم “مخالفة قيم الأسرة المصرية”، وفق ما أوضحت دراسة بعنوان “فضاءات العنف والمقاومة: حقوق المرأة في العالم الرقمي” وهي دراسة تركز على 10 بلدان في منطقة “غرب آسيا وشمال أفريقيا” نشرتها “الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان” عام 2021.
على الرغم من كلّ ذلك، لا تزال لطفي ترى أملاً في المعالجة. وتقترح بدايةً توفير قنوات آمنة كي تبلغ النساء عن تعرّضهن للعنف الرقمي، مع ضوابط صارمة لحماية بيانات المُبلّغات. وتضيف أنّه “ينبغي أن يكون لهذه القضايا أولوية في التحرك القانوني، مع تحديد الجهة المسؤولة عن ذلك بدلاً من اعتماد جهات متعددة مثل مباحث الإنترنت ومباحث التليفونات التي يتبّع كلّ منها طرق تبليغ مختلفة”.
نصائح لتعزيز السلامة الرقمية
في مثل هذه الحالات، قد يكون من المفيد اتّخاذ بعض الخطوات التي تعزّز السلامة الرقمية، لمواجهة التهديدات الرقمية قدر الإمكان. وهذه بعض النصائح التي يوصي بها فريق “منصة دعم السلامة الرقمية” من “سمكس”:
تعزيز كلمات المرور: استخدمي كلمات مرور قوية ومعقدة لحساباتكِ على وسائل التواصل والبريد الإلكتروني. قومي بتحديث كلمات المرور بشكل دوري.
التحقق بخطوتين: قومي بتفعيل خاصية التحقق بخطوتين عند تسجيل الدخول إلى حساباتكِ. هذا يعزز من أمان الحساب ويصعِّب اختراقه.
التأكد من الروابط والمرفقات: تجنبي فتح الروابط غير المعروفة أو تحميل المرفقات إلا إذا كنتِ متأكدة من مصدرها.
مراجعة إعدادات الخصوصية: تحقّقي من إعدادات الخصوصية في حساباتكِ على وسائل التواصل وقومي بتعديلها بحيث تحددين من يمكنه رؤية محتواكِ.
مراجعة المحتوى المراد مشاركته على الإنترنت بعناية. فكّري بعناية ما إذا كنتِ تريدين فعلاً مشاركة المعلومات الشخصية الحساسة، مثل الصور أو العناوين أو البيانات الشخصية.
الإبلاغ عن التهديدات: في حال تعرضتِ لأي تهديد أو تحرش رقمي، لا تتردّدي في الإبلاغ عنه إلى المنصات المعنية والجهات الأمنية إذا اقتضى الأمر، ويمكنكِ أن لا تتفاعلي مع المهدِّد كي لا تتطوّر الحالة.
*يمكنكم/ن دائماً التواصل مع “منصّة دعم السلامة الرقمية” في “سمكس” في حال تعرّضكم/ن لأي حوادث إلكترونيّة مشابهة، عبر العناوين والأرقام التالية:
-تطبيق “سيغنال”: 0096181633133
-البريد الإلكتروني: helpdesk@smex.org
-تطبيق “واتساب”: 0096181633133