استلم بعض موظّفي القطاع الحكومي في سوريا، في عددٍ من المحافظات وليس جميعها، رواتبهم لشهر أيار/مايو التي تم تحويلها عبر تطبيق “شام كاش” يومي 29 و30 نيسان/أبريل الماضي، في حين أفاد آخرون أنّهم استلموا رواتبهم عبر معتمدين أو صرافات آلية لعدم تفعيلهم لـ”شام كاش”.
أشار الموظفون إلى أنّ المعتمدين أبلغوهم بضرورة تفعيل التطبيق لاستلام راتب حزيران/يونيو المقبل حصراً من خلاله، كما أصدرت بعض المؤسسات إنذاراتٍ دعت فيها الموظفين إلى تزويد المحاسبين بمعلوماتهم الكاملة، من الاسم الثلاثي واسم الأم والرقم الوطني إلى رقم حساب “شام كاش”، تحت طائلة حجب راتب شهر أيار/مايو في حال التأخر.
وبعد نحو 5 أشهر من إعلان “شام كاش” تطبيقاً تستخدمه الدولة لصرف رواتب موظّفيها في كافة الأراضي السورية، ما زال عددٌ كبيرٌ من المستخدمين/ات يعانون من مشاكل كثيرة أثناء استخدامه. فمنهم من يشتكي توقّف التطبيق عن العمل بعد التحديث الأخير الذي خضع له في نيسان/أبريل الماضي، ومنهم من يرجّح كونه تطبيق “نصبٍ وتجسّس”. وفي منشورٍ طلبت فيه الشركة آراء المستخدمين/ات بالتطبيق، ذُكر أنّ “تجربة شام كاش فاشلة جداً والسبب هو أنّ الهاتف الخليوي ليس متوفراً لدى جميع الناس، الذين يعانون فقراً ولا يملكون ثمن شراء هواتف حديثة”، كما ذكر آخرون أنّ رواتبهم لا تصلهم/ن أصلاً، وإن وصلت، يُحسم منها رسومٌ عالية.
في التحليل الذي أجرته “سمكس” لـ”شام كاش” في نيسان/أبريل الماضي، فُنّدت هذه الشكاوى وغيرها من الصعوبات التي واجهها المستخدمون، ما يعني أنها ليست قديمة فحسب، بل آخذة بالتفاقم، ولم يُلاحظ أيّ تحسّن في أداء التطبيق على مستوى الاستخدام.
تبيّن خلال التحليل أنّ التطبيق يكتنفه كثيرٌ من الغموض، والجهة المطوّرة مجهولة، وليس معروفاً أين تخزّن بيانات مستخدميه. وقد أثيرت حوله العديد من التحفّظات المتعلّقة بالأمن الرقمي والخصوصيّة، لا سيّما وأنّه يفتقر إلى سياسة خصوصيّة واضحة.
إضافة إلى ذلك، التطبيق ليس متوفّراً على المتاجر الرسميّة مثل “غوغل بلاي” (Google Play) أو “آب ستور” App Store) ، ما يعني أنّه لم يخضع للاختبارات الأمنيّة الأساسيّة التي تضمن موثوقيّة التطبيقات وسلامتها. وفي حال حدوث أيّ تسريب للبيانات أو خلل أمني في التطبيق، فلا توجد جهة رسمية يمكن الرجوع إليها أو محاسبتها، أضف إلى ذلك أنّ التطبيق أخلَى مسؤوليّته سلفاً من أيّ تبعات قد تطرأ، سواء تعلّقت بالتحويلات الماليّة أو ببيانات المستخدمين/ات.
أمّا على صعيدي الأمن والخصوصية اللذان يمثّلان مصدر القلق الأكبر، فثبُت أنّ التطبيق نال 17 نقطة من أصل 22 في عملية تقييم المخاطر (22 هو الأكثر خطورة)، ولم تُجرَ أيّ تعديلاتٍ أو تحسينات لتدارك الخطر.
تثير هذه الأخبار وتعليقات المستخدمين/ات الجديدة تساؤلاتٍ كان على السلطة الإجابة عنها مذ قرّرت اعتماد التطبيق في جميع أنحاء البلاد واعتماده بشكلٍ رسميّ.
تملك شركة “إم تي إن” (MTN)، وهي واحدة من شركتي الاتصالات الرئيسيتين في سوريا، محفظة إلكترونيّة أطلقت عليها اسم “كاش موبايل” (Cash mobile). يستطيع المستخدمون/ات من خلال هذه المحفظة دفع فواتير الكهرباء والمياه والهاتف الأرضي، وتحويل الأموال بين الحسابات الإلكترونية، وشحن الرصيد ودفع رسوم الخدمات الحكومية.
وبما أنّ “إم تي إن” تمثّل مشغلّ اتّصالاتٍ أساسيّ في البلاد، وخدماتها مطروحة في السوق ويستفيد منها المستخدمون/ات منذ سنوات، فهي تملك بياناتهم/ن وملفّاتهم/ن أصلاً. فما الهدف إذاً إنشاء محفظة إلكترونيّة جديدة مليئة بالشوائب التقنيّة وعليها ما عليها من مآخذ لناحية الأمن الرقمي، بدلاً من العمل على تطوير المحافظ الموجودة وصون بيانات المستخدمين وحصر توزيعها؟
ينطبق الأمر نفسه على محفظة “سيريتيل” (Syriatel)، التي توفّر خدمة “سيريتيل كاش” (Syriatel cash) عن طريق تطبيق “أقرب إليك”، وتوفّر الخدمات نفسها الذي توفّرها محفظة “إم تي إن”.
إن عملت الدولة على تطوير محفظتي “كاش موبايل” و”سيريتيل كاش” وإدارتهما، سوف تضمن بذلك منافسةً يعود ربحها إلى خزينة الدولة، لتكون المستفيد الأول من ذلك. من جهة أخرى، إنّ جمع البيانات الذي لا مهرب منه بالنسبة إلى مشغّلي الاتصالات، سيكون محصوراً بـ”إم تي إن” و”سيرتيل” اللتان ستديرهما الدولة، كما أنّ حصر جمع البيانات وعدم مشاركتها مع أطرافٍ إضافيّة ضروريّ ويقلّل من احتمال تسرّبها أو سرقتها. وفي هذا السياق، نشير إلى أنّ شروط استخدام “شام كاش” لا تتماشى مع ممارسات الخصوصية السليمة، مما قد يؤدي إلى انتهاك حقوق المستخدمين وتعريض بياناتهم للخطر.
فلماذا إذاً تصرّ الدولة على استحداثٍ تطبيقٍ جديد غامضٍ لإتمام مهام تستطيع محافظ أخرى إتمامها؟
وعلى أيّ أساسٍ يتمّ استسهال مشاركة ونقل بيانات الأفراد وتعدّد أماكن تخزينها (المجهولة أيضاً)؟ لا سيماوأنّ الرابح الأول في حال جرى تعزيز المنافسة وإدارة المحافظ الإلكترونية الموجودة أصلاً بالأسلوب السليم هو السلطات نفسها.
ما زالت المطالب في ما يتعلّق “شام “كاش” نفسها. ينبغي على السلطات السورية إظهار شفافيّة ووضوح في ما يتعلّق بالتطبيق، والإجابة على الأسئلة التي تُركت من دون إجابات. وإلى حينها، تتحمّل الحكومة مسؤولية أي تهديدٍ أو خرقٍ أو انتهاكٍ لخصوصية المستخدمين وسلامتهم الشخصية.
الصورة الرئيسية من AFP.