أعلنت وزارة الاتصالات اللبنانية في الآونة الأخيرة أنّه يجب على المواطنين تسجيل أرقام “الهوية الدولية للأجهزة المتنقلة” (IMEI) الخاصة بهواتفهم على موقع إلكتروني جديد مرتبط بالوزارة. ومن ثمّ بعد تسجيل المواطنين لرقم IMEI، تُرسل الوزارة رابطاً لتشغيل هواتفهم على شبكة الاتصالات المحلية.
تزعم وزارة الاتصالات أنّ هذا الإجراء سيحدّ من تهريب الهواتف، ولكنّه من الناحية العملية يضرّ بخصوصية المواطنين ويمنح الحكومة وسيلة لتتبع الأجهزة المحمولة واستهدافها.
ما هو رقم IMEI؟
رقم “الهوية الدولية للأجهزة المتنقلة” (والذي يُعرف اختصاراً بـ IMEI) والمكوّن من 15 رقماً، هو رقم يرتبط مباشرةً بجهاز مادي ويشير إلى “لوحة المعايير المسؤولة عن تحديد المعرّف (identifier)، والوقت الذي صُنع فيه [الجهاز] ، والرقم التسلسلي لطراز الجهاز، والبرنامج التشغيلي للهانف ورقم إصداره”.
تستخدم شركات تشغيل الاتصالات رقم IMEI لتحديد الأجهزة الشرعية وكذلك الهواتف المسروقة. عندما تحدّد إحدى شركات التشغيل أنّ الهاتف مسروق، يمكنها منعه من العمل على شبكة الهاتف المحمول عن طريق وضع رقم IMEI ضمن القائمة السوداء في إحدى قواعد البيانات، مثل “سجل هوية المعدات” ((Equipment Identity Register (EIR). وإذا وَضعت إحدى الشبكات رﻗم IMEI لهاتفٍ ما ضمن القائمة السوداء، ﻓﻟن ﯾﻌﻣل اﻟﮭﺎﺗف سواء قام صاحب الهاتف بتغيير شريحة الاتصال (SIM) أم لا.
مخاطر ربط رقم الهاتف مع رقم IMEI
ثمّة الكثير من المخاوف حول ربط أرقام هواتف المشتركين (MSISDN) بأرقام IMEI. في لبنان، من أجل تسجيل شريحة اتصال جديدة مسبقة الدفع، يجب على المواطنين والمقيمين اللبنانيين تقديم بطاقة الهوية إضافة إلى معلوماتهم الشخصية. ولذلك، فإنّ كلّاً من أرقام هواتف المشتركين و”الهوية الدولية لمشتركي الجوال” (IMSI) مرتبطة بشكل أساسي بهوية مالكي الهواتف والخطوط. وفي إطار القانون الحالي، قامت الوزارة أيضاً بربط أرقام IMEI وكذلك الأجهزة بهوية أصحابها الشخصية.
في الواقع، لا حاجة فعلية لربط أرقام IMEI بأرقام هواتف المشتركين وهوياتهم الشخصية، إذ يمكن للدول وشركات التشغيل حالياً – من أجل مكافحة تهريب الهواتف المحمولة – التحقّق من “سجل تحديد هوية المعدات” (EIR) الفعلي لأرقام IMEI المسجلة.
السياسة الجديدة لوزارة الاتصالات تزوّد الحكومة بالقدرة على فعل ما هو أكثر من مجرّد تعقّب تهريب الهواتف. فإذا كان كلّ من “الهوية الدولية لمشتركي الجوال” (IMSI) و”الهوية الدولية للأجهزة المتنقلة” (IMEI) وأرقام هواتف المشتركين (MSISDN) مرتبطة بهويات المواطنين والمقيمين، يمكن للحكومة تتبّع الأجهزة وربطها بأصحابها تماماً. بالإضافة إلى ذلك، يصعّب القانون على المستخدمين تبديل الهواتف بسهولة من أجل حماية خصوصيتهم، وهو أمر مهم للصحافيين والناشطين. كما أنّ هذه السياسة تسهّل عمليات البحث بهدف الاستغلال، وكذلك استهداف جهاز معين بالاستعانة بأحد المحترفين، لأنّ رقم IMEI يكشف الكثير من الميزات التقنية للجهاز. وعليه، تستطيع الحكومة التي تمتلك موارد كافية استخدام هذه الأرقام بهدف إجراء عمليات مراقبة أكثر استهدافاً.
هذه السياسة الجديدة لوزارة الاتصالات اللبنانية قد تكشف أيضاً أرقام IMEI أمام طرف ثالث. فالموقع الجديد الذي يهدف إلى التحقق من أرقام IMEI ينطوي على الكثير من العيوب الأمنية، حسبما تبيّن من التحليلات التقنية التي أجريناها. هذه الهفوات يمكن أن تهدّد البيانات الشخصية للمستخدمين وتهدّد خصوصيتهم لأنّه يمكن لطرف ثالث، بما في ذلك حكومات أخرى، الحصول على أرقام IMEI. كما أنّ الوصول إلى أرقام IMEI هذه قد يتيح لجهات الطرف الثالث القيام بعمليات مراقبة هادفة وواسعة النطاق أو إجراء تسويق مستهدِف من دون موافقة مستخدمي الموقع الإلكتروني الذي تستخدمه وزارة الاتصالات لتسجيل أرقام IMEI.
الحماية القانونية
قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي الصادر حديثاً في لبنان لا يذكر صراحةً رقم IMEI كنوع من البيانات الشخصية. وفي حين تَعتبر “اللائحة العامة لحماية البيانات” (GDPR) في الاتحاد الأوروبي أنّ أرقام IMEI وأرقام هواتف المشتركين هي بيانات شخصية، فإنّ القانون اللبناني الجديد نادراً ما يحدّد أو يذكر أنواعاً واضحة للبيانات، علماً أنّ استبعاد أرقام IMEI من القانون يسمح للدولة بمواصلة جمع هذه البيانات من دون موافقة المستخدمين.
هذا القرار الذي ألزمت بموجبه وزارة الاتصالات اللبنانية المواطنين تسجيل أرقام IMEI، والذي سبق أن طبقته بأشكال مختلفة بين عامي 2013 و2014، يحوّل كلّ هاتف خلوي إلى جهاز تتبّع وتعقّب من دون أدنى حماية للبيانات تقنياً أو قانونياً. ونظراً إلى تاريخ الدولة اللبنانية في المراقبة الرقمية، فإنّ جَمع أرقام IMEI بهذا الشكل غير المنظّم يشكّل تهديداً لخصوصية جميع اللبنانيين المقيمين.
للتحقق من رقم IMEI الخاص بك، اطلب #06#* ثمّ يمكنك رؤية مواصفات هاتفك على الموقع الذي خصصّته وزارة الاتصالات اللبنانية لهذا الغرض: https://imei.info.
راغب غندور طالب دكتوراه، وهو عالم كمبيوتر يحمل درجة الماجستير في نظم المعلومات لإدارة المخاطر. راغب شغوف بالأمن السيبراني، ويركز بشكل رئيسي على الخطأ البشري في مجال الأمن السيبراني وحقوق حرية التعبير والخصوصية عبر الإنترنت.