في 16 مارس 2023
إلى مجلس هيئة الإعلام والاتصالات
بغداد، العراق
الموضوع: حول مشروع لائحة تنظيم المحتوى الرقمي
تحية طيبة،
نحن المنظمات الموقعة أدناه نود أن نعبر عن قلقنا البالغ بخصوص مشروع لائحة تنظيم المحتوى الرقمي في العراق بسبب ما تضمنته من أحكام قانونية خطيرة من شأنها تهديد الحق في حرية الرأي والتعبير والتضييق على الحريات في الفضاء العام الرقمي بصفة عامة.
علاوة على مخالفة مشروع اللائحة لأحكام الدستور العراقيّ الذي يحدد اختصاصات مختلف السلطات العمومية، تضمَّن عدة مواد مخالفة للالتزامات الدولية لدولة العراق في مجال حقوق الإنسان وخاصة المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. لقد اتسم المشروع بضبابية مفرطة على مستوى المصطلحات والمفاهيم المستعملة، لا سيما فيما يتعلق بالتمييز بين “المحتوى الهادف” و”المحتوى الهابط“، مما يمنح الجهات المكلفة بتنفيذ اللائحة سلطات واسعة جدا لتحديد المحتوى المسموح به وفقا لضوابط ذاتية منافية للقيم التي تقوم عليها المجتمعات الديمقراطية والمتمثلة في التعدد والتفتح والتسامح. كما حظر المشروع أيضا طائفة واسعة جدا من المضامين الرقمية بصورة تمس من الحق في حرية التعبير وتقيّد عمل الصحفيين ووسائل الإعلام دون وجه حق.
نظرا لخطورة المشروع وتعارضه مع الدستور والالتزامات الدولية للعراق في مجال حقوق الإنسان، ندعو إلى سحبه بصورة عاجلة. كما نذكر بأن تنظيم المحتوى الرقمي يحتاج إلى مقاربة شاملة وتعميق الحوار بين مختلف الفاعلين في هذا المجال حتى لا يتحول إلى ذريعة قانونية للتضييق على الحريات في الفضاء الرقمي.
اعتداء جسيم على الدستور العراقي
اعتمدت الهيئة عدة مواد من الدستور العراقي لتبرير إعداد مشروع اللائحة بالإضافة إلى الاستناد إلى الأمر عدد 65 لسنة 2004 المتعلق بإحداث هيئة الإعلام والاتصالات. إلا أنه بالتمعن في أحكام هذين النصين نستنتج أن الهيئة تجاوزت صلاحياتها المحددة بمقتضى الأمر عدد 65، واعتدت على اختصاصات البرلمان العراقي المضبوطة بمقتضى الدستور.
من ناحية أولى، نصت المادة 46 من الدستور على أنه “لا يكون تقييد ممارسة أي من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون أو بناء عليه، على ألا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية .” وهذا يشمل الحق في حرية التعبير المنصوص عليه في المادة 38. وبالتالي، أي تقييد للحق في حرية التعبير بحسب مشروع اللائحة هو غير دستوري.
كما منحت الهيئة لنفسها صلاحية إعداد مشروع اللائحة معتمدة على بعض الأحكام الواردة بالأمر 65، التي تخول لها تشجيع التطور في الاعلام الالكتروني، ووضع وإصدار القواعد واللوائح التنظيمية اللازمة لتوفير المنافسة في مجالات تقديم خدمات الاتصالات. ولكنها تجاوزت المنطوق الصريح لهاته الفقرات التي لم تسمح لها البتة بفرض عقوبات على المحتوى الرقمي وسن جرائم إلكترونية جديدة.
من ناحية أخرى، أمعنت الهيئة في خرق الدستور من خلال الاعتداء على اختصاص البرلمان في المجال الضريبي حيث أكدت في المادة 24 من مشروع اللائحة على التزامها “باستيفاء الضرائب والرسوم والأجور من شركات التواصل الاجتماعي عن جميع أعمال الترويج والإعلان وفقا للقانون والضوابط التي تعدها للغرض.” في حين أن الفقرة الأولى من المادة 28 من الدستور نصت على أنه “لا تفرض الضرائب والرسوم ولا تعدل ولا تجبى، ولا يعفى منها، إلا بقانون.”
طغيان العبارات الفضفاضة
قامت الهيئة بوضع عدة تعريفات صلب المادة الأولى من مشروع اللائحة إلا أنها لم تفلح في احترام شرطي الدقة والوضوح عند صياغة القاعدة القانونية مثلما جاء في التعليق العام للجنة المعنية بحقوق الإنسان رقم 34 لسنة 2011 “يجب أن تصاغ القاعدة التي ستعتبر بمثابة “قانون” بدقة كافية لكي يتسنى للفرد ضبط سلوكه وفقاً لها ويجب إتاحتها لعامة الجمهور. ولا يجوز أن يمنح القانون الأشخاص المسؤولين عن تنفيذه سلطة تقديرية مطلقة في تقييد حرية التعبير.”
على سبيل المثال، يمكن أن نذكر المادتين الأولى والرابعة التي وردت فيهما عبارات ذات شحنة عاطفية ذاتية بعيدة كل البعد عن الدقة المستوجبة في النصوص القانونية، من قبيل المحتوى الرقمي الهابط، والمحتوى الرقمي الهادف، والحفاظ على القواعد العامة للباقة. هذا علاوة على استعمال عبارات أخرى من قبيل الإساءة إلى الدولة وتعريض الأمن القومي إلى الخطر وانتهاك الذوق العام والخاص (المادة 5)، أو المرجعيات والرموز الدينية (المادة 7)، أو المحتوى الذي يروج لنشر الفسق والفجور (المادة 13).
ننبه إلى أن كثرة وتواتر الألفاظ المطاطية تعطي للهيئة سلطة تقديرية واسعة جدا في تكييف المحتوى الرقمي ومنع كل ما من شأنه أن يخالف أهواء وميولات أعضائها نظرا لغياب الموضوعية والدقة في التعاريف، والإشارة المتكررة لعبارات تحمل شحنة ذاتية وعاطفية من قبيل الذوق العام والذوق الخاص والإسفاف والمحتوى الهابط والمحتوى الرصين.
مشروع لائحة لحظر حرية التعبير والصحافة
تكررت عبارة “يحظر” أكثر من 25 مرة مما يعكس الطابع الزجري والقمعي للمشروع الذي منع طائفة واسعة من المضامين المحمية بالحق في حرية التعبير. إذ نصت المادة 5 على محظورات المحتوى الرقمي ومن بينها “الإساءة إلى الدولة أو السلطات العامة فيها أو الأشخاص الطبيعية والمعنوية في العراق.” كما نصت المادة 20 على حظر المحتوى الرقمي إذا كان من شأنه “الإساءة إلى السلطة القضائية أو أحد تشكيلاتها أو رموزها بهدف تشويه السمعة أو التشهير أو إثارة الرأي العام أو بث الأكاذيب أو الإشاعات أو الامتناع عن تطبيق القرارات القضائية.”
سيترتب عن هذه المواد التضييق بصورة غير شرعية على حق الأفراد في التعبير عن آرائهم ونشر المعلومات المتعلقة بالشأن العام. على سبيل المثال، من شأنه تطبيق المادة 20 أن تمنع الأفراد من نشر معطيات صحيحة بخصوص فساد القضاة أو التجاوزات المرتكبة أثناء المحاكمات بتعلة أن هذه المعلومات الصحيحة أدت إلى التشهير بأحد القضاة الفاسدين.
وفي نفس السياق، يعتبر التعريف المعتمد للتشهير الإلكتروني صلب 1 الفقرة 21 انتهاكا للحق في حرية التعبير وحق الأفراد في معرفة الحقيقة. إذ يُعرَّف التشهير الإلكتروني حسب مشروع اللائحة بكونه ” التعمد بإعلان الوقائع والأحداث ذات القدر العالي من الخصوصية الشخصية التي تحمل أكثر من رأي أو تفسير، عبر الأوعية الرقمية، وبما يشكل فضحا أو إساءة للشخص المستهدف، وتقدمه بصورة غير مقبولة لمحيطه الاجتماعي.” يمكن أن يؤدي اعتماد هذا التعريف إلى تتبع المدافعين/ات عن حقوق الإنسان والمدونين/ات والمعارضين/ات السياسيين وغيرهم/ن من المهتمين/ات بالشأن العام في صورة نشرهم للوقائع والأحداث ذات القدر العالي من الخصوصية الشخصية إلا أنها تتعلق بالحياة العامة أو من شأنها الكشف الكشف عن اعتداءات وتجاوزات خطيرة.
من جهة ثانية، حظر مشروع اللائحة أفعالا تعتبر من صميم العمل الصحفي. حيث نصت المادة 4 على واجب المستخدم في “عدم إفشاء أو تسريب الوثائق الرسمية أو ما يدور في الاجتماعات السرية إلا بإذن خاص منها (أي الهيئة).”إن تطبيق هذه المادة يجعل من الصحافة الاستقصائية جريمة يعاقب مرتكبها من طرف الهيئة إذ لن يعود بالإمكان نشر التقارير والوثائق المتصلة بالشأن العام وفضح حالات الفساد في أجهزة الدولة وهو أمر يتعلق بصميم العمل الصحفي الذي يهدف إلى مراقبة السلطات العمومية.
وفي نفس السياق، نصت المادة 22 على حظر “نشر المحتوى الرقمي أو ترويجه قبل التأكد من المعلومات ومصداقية وموثوقية الأخبار والحصول عليها من مصادرها الرسمية ونسبتها إليه عند النشر.” تتعارض هذه المادة مع أساسيات العمل الصحفي وأخلاقياته ذلك أن اشتراط الحصول على المعلومات من مصادرها الرسمية فقط يؤدي إلى ارتهان الصحفيين/ات لمؤسسات الدولة، في حين أن الإعلان العالمي لأخلاقيات المهنة للصحفيين نص على أن “احترام الحقيقة وحق الجمهور في معرفة هذه الحقيقة هي مسؤولية الصحافي/ة الأولى.” ويعني هذا أن من واجب الصحفي/ة نشر الحقيقة بعد التحري والتثبت منها حتى ولو كانت منافية لما صرحت به المصادر الرسمية.
ثالثا، منعت المادة 23 سابعا المستخدمين من نشر المعلومات المضللة خلال فترة الانتخابات بهدف إفشال العملية الانتخابية أو إثارة الرأي العام كالدعوة إلى مقاطعة الانتخابات. يمكن أن يؤدي تطبيق هذه المادة إلى حظر المحتوى المشروع مثل قيام مجموعة من المدافعين/ات عن حقوق الإنسان بالدعوة لمقاطعة الانتخابات لاعتبارات معينة. وقد أكدت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة على أن القيود التي يمكن القبول بها من أجل تقييد حرية التعبير “يجب ألا تعوِّق المناقشة السياسية، بما في ذلك على سبيل المثال الدعوة إلى مقاطعة الاقتراع غير الإلزامي.”
أخيرا، نصت المادتين 6 و7 على قائمة في المحظورات في المجال الديني بهدف حماية المقدسات والرموز والمرجعيات التابعة للأديان والمذاهب والطوائف المعترف بها في العراق من كل نقد أو آراء معارضة أو مسيئة لها.
تطرح عبارة الأديان والمذاهب والطوائف المعترف بها في العراق إشكالا دستوريا ذلك أننا نستنتج بقراءة المواد 2 و42 و43 من الدستور عدم دستورية إقصاء أو تفضيل دين أو مذهب أو طائفة دون أخرى حتى ولو لم يقع الاعتراف بها قانونا.
في نفس الإطار، تعتبر مخالفة للمعايير الدولية ذات الصلة بالحق في حرية التعبير التشريعات التي يمكن أن تميّز “لصالح دين أو أديان أو نظم عقائدية معينة، أو ضدها، أو لصالح أتباعها ضد أتباع دين آخر أو لصالح المؤمنين بدين ضد غير المؤمنين. ولا يجوز أن تستخدم حالات الحظر تلك لمنع انتقاد الزعماء الدينيين أو التعليق على مذهب ديني أو مبادئ عقائدية أو المعاقبة عليه.”
حظر المحتوى الرقمي وفقا لاعتبارات جندرية
تضمنت المادة 5 قائمة في المحتويات الرقمية المحظورة، من بينها الترويج للمثلية. كما وقع تكرار نفس الحظر صلب المادة 10 التي جاء فيها أنه يحظر على المستخدم نشر “المحتوى الذي يشجع على المثلية الجنسية والمثليين والترويج لنشاطاتهم وأفكارهم أو رموزهم أو صورهم بأي شكل من الأشكال.”
تتعارض هذه المواد مع مبادئ حقوق الإنسان وخاصة المساواة وعدم التمييز. كما تتعارض مع المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي وإن سمح بتقييد الحق في حرية التعبير من أجل حماية الآداب العامة إلا أن هذا لا يبرر البتة حظر المحتوى الرقمي القائم على الهوية الجندرية. في هذا السياق، نبه المقررون الخواص بحماية الحق في حرية التعبير سنة 2022 في إعلان مشترك حول حرية التعبير وعدالة النوع الاجتماعي إلى الاستعمالات التعسفية للآداب العامة من طرف الدول “من أجل تقييد التعبير القائم على النوع الاجتماعي أو الجنسي أو الثقافي أو الفني للنساء والأشخاص غير المتوافقين مع النوع الاجتماعي استنادا إلى مبادئ مستمدة حصرا من تقليد واحد.”
قيود إدارية جديدة على نشر المحتوى الرقمي
أحدثت الهيئة قيود إدارية جديدة على المستخدمين والمنصات والمواقع الإلكترونية قبل نشر المحتوى الرقمي تتمثل في إجراءات التسجيل والترخيص. نصت المادة 28 من مشروع اللائحة على واجب أصحاب الصفحات والمنصات التسجيل لديها. كما قامت بوضع ثلاثة أصناف حسب عدد المشتركين، إذ يكون التسجيل مجانيا بالنسبة للصفحات التي لا يتجاوز عدد أعضائها 100000، ومقابل 35 دولار بالنسبة للصفحات التي يتراوح عدد المشتركين فيها بين 100000 و1000000، ومقابل 70 دولار بالنسبة للصفحات التي يتجاوز عدد المشتركين فيها المليون.
من ناحية ثانية، قامت الهيئة بإلزام المستخدمين والشركات المالكة لوسائل التواصل الاجتماعي بالحصول على ترخيص مزاولة النشاط الإعلاني. كما تحظر المادة 24 “على كل من المستخدم والشركات المالكة لوسائل التواصل الاجتماعي من القيام بأي إعلان أو ترويج للمحتوى الرقمي قبل استحصال الترخيص من هيئة الإعلام والاتصالات.” ولم تحدد الهيئة المقصود بالمستخدم أو المتابع بصورة دقيقة أي إذا ما كان المقصود هم العراقيون المقيمون بالعراق أم أيضا أولئك الذي يقيمون خارجه أو أيضا الأجانب المقيمين بالعراق. من شأن هذا الغموض أن ينتهك حرية الأفراد واستقلالية الشركات التي تقدم الخدمات الرقمية.
تثير مسألة اشتراط التسجيل والحصول على ترخيص لنشر محتوى إعلاني عدة إشكاليات على المستوى القانوني والواقعي. تعتبر هذه الإجراءات غير قابلة للتطبيق واقعيا نظرا لإمكانية إحداث صفحات خارج العراق ويكون محتواها معدا للجمهور العراقي أو أن يكون المشرفون على الصفحة أشخاصا من بلدان عديدة.
كما تخالف هذه المواد المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المصادق عليه من قبل العراق. في هذا الصدد اعتبرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة في التعليق العام رقم 34 لسنة 2011 أنه من الضروري “أن تراعي القواعد التنظيمية الفروق بين قطاعي وسائط الإعلام المطبوعة والمذاعة وبين الإنترنت.” فلئن يسمح بفرض نظام تسجيل بخصوص الإعلام التلفزي والإذاعي بسبب استعماله للموارد النادرة المتمثلة في الترددات الهرتزية فإن التعبير عبر الإنترنت يخضع لمبدأ الحرية. وهذا ما أكّد عليه المقررين الخواص بحماية الحق في حرية التعبير بأن المقاربات التنظيمية المعتمدة في الاتصالات والبث التلفزي والإذاعي تعد غير متلائمة مع الإنترنت التي تحتاج إلى مقاربات مختلفة.
حجب المحتوى بقرار إداري
أسندت الهيئة لنفسها بمقتضى المادة 32 ثالثا من المشروع اختصاص حذف المحتوى الرقمي إذا صدر في شأنه قرار أمني أو من الجهات الصحية أو الجهات المعنية بالتربية والتعليم والثقافة أو دواوين الأوقاف.
يعتبر حجب المحتوى من المسائل الخطيرة بالنظر إلى نتائجها على حق الأفراد في نشر الآراء والأفكار والمعلومات وتلقيها واستقائها.
من هذا المنطلق، تشترط المعايير الدولية أن تصدر هذه القرارات عن هيئات قضائية. ووفقا لمبادئ إعلان مانيلا فإن الوسطاء يجب ألا يلزموا بتقييد محتوى ما لم يكن قد صدر بذلك أمر من سلطة قضائية مستقلة محايدة، وأن يقع احترام شرطي الضرورة والتناسب في مجتمع ديمقراطي إلى جانب شروط أخرى.
كما أشار المقرر الخاص المعني بحرية التعبير في تقريره حول دور الجهات الفاعلة الخاصة المشاركة في توفير الوصول إلى الإنترنت إلى أنه “ينبغي أن تكفل الشركات أن تكون جميع الطلبات المتعلقة بفرض قيود على المحتوى والحصول على بيانات المستهلكين ممتثلة للمتطلبات الإجرائية والقانونية المنصوص عليها في القانون المحلي، وممتثلة أيضا لمعايير الإجراءات الواجبة المقررة دوليا. وفيما يخص التدخل المتعلق بحقوق الإنسان، يجب أن تأذن بتنفيذ هذه الطلبات محاكم أو هيئات قضائية مستقلة ونزيهة.”
نستنتج بالتالي أن منح الهيئة نفسها هذا الاختصاص يعد مخالفا للمعايير الدولية ومن شأن ذلك أن يهدد بصورة واضحة الضمانات القضائية اللازمة لصون الحق في حرية التعبير.
منع الحق في الوصول إلى المعلومات
يعتبر الحق في الوصول إلى المعلومات حقا لصيقا بحرية التعبير وفقا لمقتضيات المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. إذ يُمكّن هذا الحق الأفراد من تكوين الآراء والأفكار والتعبير عنها بقطع النظر عن الحدود الجغرافية. وبالتالي فإن أي تعطيل أو تقييد غير مشروع على الحق في الوصول إلى المعلومات هو في الوقت ذاته انتهاكا لحرية التعبير.
وجاء في المادة 19 رابعا من المشروع أنه “يحظر الترويج أو الإعلان للآليات التي تشجع وتتيح للمستخدمين الوصول إلى المحتوى المحجوب.” يتعارض منع الأفراد من الوصول إلى المحتوى المحجوب مع المادة 19 خاصة وأن المحتويات المحظورة وفقا لمشروع اللائحة يمكن أن تشمل مضامين مشروعة مثل الآراء الناقدة للسلطات العامة أو التحقيقات التي تفضح مراكز النفوذ في العراق وغيرها من المحتويات الرقمية التي يمكن أن تزعج السلطات السياسية والأمنية والقضائية. لذلك حذر المقرر الخاص المعني بحرية التعبير في تقريره لسنة 2015 من خطورة عرقلة التدفق الحر للمعلومات وللأفكار عبر الإنترنت. وأوصى، على وجه الخصوص، بأنه ينبغي على الدول أن تضمن أن يتمكن الأفراد من التعبير عن أنفسهم على الإنترنت مع إخفاء هويتهم وأن يمتنعوا عن اعتماد نظم تسجيل الأسماء الحقيقية.
مقاربة ضيقة لحرية التعبير في العصر الرقمي
أكد المقررون الخواص بحماية الحق في حرية التعبير على أهمية الاعتماد على مقاربة شاملة ومستدامة للتصدي للمضار التي يمكن أن تنجم عن المحتوى الرقمي. وتقوم هذه المقاربة على تبني تدابير إيجابية كالتربية على وسائل الإعلام ودعم منصات التحقق من الأخبار والمؤسسات الصحفية من أجل تعزيز قدرة المجتمع على التعامل مع مختلف التحديات التكنولوجية الحديثة.
تمثّل التربية على وسائل الإعلام حلا مستداما من خلال تحصين أفراد المجتمع وتعزيز ملكة النقد لدى الناشئة خصوصا، وتزويدهم بالأدوات الضرورية لفهم المحتوى الرقمي وطرق إنتاجه مما يحولهم إلى جهاز مناعة مجتمعي قادر على التصدي للأخبار المظللة وغيرها من المضامين التي تمس بحقوق الإنسان.
كذلك أوصى المقررون الخواص بحماية الحق في حرية التعبير سنة 2017 بأهمية دعم منصات التحقق من الأخبار والمؤسسات الصحفية من طرف الدول كإجراء إيجابي لمعالجة المحتوى الرقمي. يمكن لهذه المؤسسات إذا ما تم دعمها وفقا لمعايير موضوعية ودونما مساس باستقلاليتها التحريرية أن تساهم في التصدي للأخبار المظللة وتعزيز الوعي لدى الأفراد من خلال تزويدهم بالمعلومات الموثوقة.
إن غياب التدابير الإيجابية عن مشروع اللائحة والاقتصار فقط على الجانب العقابي يعكس مقاربة زجرية ضيقة وغير ناجعة في تنظيم المحتوى الرقمي.
لكل هذه الاعتبارات، ندعو هيئة الإعلام والاتصالات إلى سحب المشروع الخطير على الحق في حرية التعبير وضرورة توخي مقاربة تشاركية تقوم أساسا على احترام حق الأفراد في الحصول على المعلومة وتشريك منظمات المجتمع المدني، وتعزيز التدابير الإيجابية لتنظيم المحتوى الرقمي عوضا عن التدابير الزجرية التي لا يمكن أن تكون ناجعة في ظل التطورات التكنولوجية.
كما نعبر على انفتاحنا على جميع أشكال التعاون المفيدة من أجل صياغة قوانين ولوائح متلائمة مع المعايير الدولية ذات الصلة بالحقوق الرقمية.
مع فائق عبارات التقدير والاحترام،
المنظمات الموقعة
أكساس ناو
منظمة المادة 19
کندو
التقنية من أجل السلام
سمكس
منّا لحقوق الإنسان
مركز المعلومة للبحث والتطوير
مؤسسة أنسم للحقوق الرقمية
مركز القلم في العراق
مبادرة التضامن مع المجتمع المدني العراقي
منظمة شاقوفيان
جمعية الدفاع عن حرية الصحافة