يتلقّى اللبنانيون/ات منذ أسبوع تقريباً رسائل مجهولة المصدر تصل إلى هواتفهم المحمولة، تحمل محتوى غير مفهوم، أو تهديدات، أو دعواتٍ لإخلاء البيوت في مناطق محدّدة.
واليوم في 23 أيلول/سبتمبر، وصل إلى السكّان عددٌ من الرسائل عبر وسائط مختلفة، منها رسائل عبر الهاتف المحمول، واتصالاتٌ من أرقامٍ أجنبيّة أو لبنانيّة على تطبيق “واتساب”، بالإضافة إلى اتصالاتٍ من أرقامٍ لبنانية على الهاتف المحمول أو الهاتف الأرضي.
كذلك، أفادت تقارير إخباريّة عن اختراق إسرائيل لموجات الراديو، وجرى بثّ رسائل “تحذيرية” خلال استماع السائق إلى الراديو في سيارته.
يمارس الاحتلال الإسرائيلي هذا النوع من بثّ الذعر “في إطار الحرب النفسية التهويليّة، إذ تلقّى عددٌ كبير من المواطنين في بيروت ومناطق أخرى رسائل قصيرة عشوائية موحّدة عبر الشبكة الأرضية، تدعو المجيب إلى “إخلاء مكان وجوده”، وفق وزير الإعلام اللبناني، زياد مكاري، الذي تلقّى مكتبه الرسائل الإسرائيلية.
“ليس هذا الأسلوب بغريبٍ على العدو الإسرائيلي”، بحسب مكاري، الذي أكّد أنّ “العمل في وزارة الإعلام مستمرّ وطبيعي”، داعياً إلى عدم إعارة الأمر أكثر مما يستحق، علماً أنّه يحظى بمتابعة الجهات المعنية.
الرسائل النصية SMS
قد تكون الرسائل الإسرائيلية الأخيرة قد أرسلت عبر تطبيقاتٍ متوفرة عبر الإنترنت، ومتعاقدة مع شركات متعاقدةٍ بدورها مع وكالاتٍ محلية.
في العادة، تُرسَل هذه الرسائل إلى المستخدمين/ات في مكانٍ ما عن طريق وكالة محلّية بهدف الترويج لسلعةٍ أو خدمة معيّنة، مستهدفة أشخاصاً في مكانٍ محدد، سبق وأعطوا أرقامهم لمحال تجارية.
في لبنان، شهدنا مراراً وصول هذا النوع من الرسائل إلى المستخدمين/ات من دون أن يكونوا قد أعطوا الإذن للمرسل، وأشارت تقارير صحافية حينها إلى أنّ شركتي الخلوي “ألفا” و”تاتش” تبيعان هذه الداتا للوكالات الإعلانيّة.
أي بمعنى آخر، قد تكون هذه الرسائل قد أرسلت عبر منصّات متعاقدةٍ مع وكالات محلية متعاقدة بدورها مع مشغّلي الاتصالات في لبنان.
الرسائل على تطبيقات المراسلة مثل “واتساب” و”تلغرام”
يعدّ إرسال النصوص عبر هذه التطبيقات أكثر سهولة من إرسالها على هيئة رسائل قصيرة، لأنّ المرسل قادرٌ على إنشاء حسابات “واتساب” أو “تلغرام” وهميّة، عبر خطوط هاتف يمكن شراؤها أو تشغيلها عبر الإنترنت. يفعّل المرسل بعدها هذه الحسابات، ويبدأ بإرسال الرسائل المشبوهة، وعادةً ما يلجأ إلى مولّدات أرقام عشوائية (generators) في بلدٍ معين. في هذه الحالة، يعمل الاحتلال على استهداف سكّان منطقة معينة بالرسائل بفضل داتا الاتصالات التي تملكها.
بالإضافة إلى ذلك، يكثر الترويج لمجموعات على تطبيق “واتساب” وغيره تدّعي المساعدة في عمليات الإخلاء والإنقاذ. وقد تبيّن أنّ بعض هذه المجموعات هي من صنع الاحتلال الإسرائيلي حيث أنشأ موقعاً إلكترونياً ووضع رابطاً لمجموعة “واتساب” تزعم الإنقاذ.
الاتصالات على الهاتف من رقم لبناني
ليس بالضرورة أن تُجرى الاتصالات التي ترِد من رقمٍ لبناني وذات محتوى إسرائيلي من لبنان حصراً، ولا أن يكون السبب في ذلك وقوع خرقٍ معين. قد يكون المرسل قد استخدم تقنية “الماسكينغ” (masking) التي تمكّنه من جعل رقم المتصل يظهر وكأنّه في لبنان، بينما يمارس نشاطه من مكانٍ آخر. وعادةً ما يكون المتحدّثون في هذا النوع من الاتصالات آلاتٍ تشغّل التسجيل الصوتي عند الإجابة.
وقال عماد كريدية، رئيس هيئة “أوجيرو”، التي تدير البنية التحتية للاتصالات في لبنان، لصحيفة الغارديان، اليوم، إنّ “نحو 60 ألف مكالمة وصلت مختلف المناطق في لبنان تشغّل رسالة مسجلة مسبقا تأمر الناس بإخلاء منازلهم”. وشرح كريدية أنّ الإسرائيليين “يرسلون مجموعة من التسجيلات الصوتية الآلية عبر شركات الاتصالات الدولية، ولا يتعرف النظام عليها على أنها مكالمات إسرائيلية، ومعظمها يتم إنشاؤها على أنها مكالمات قادمة من دولة صديقة”، مضيفاً أنّها “تقنية قديمة” استخدمتها إسرائيل أيضاً خلال حرب يوليو 2006.
في حالات محدّدة، تصل الرسائل الإسرائيلية إلى أشخاصٍ يزعم الجيش الإسرائيلي أنّه يعرفهم، وفق آلية اعتراض الإشارة، لا اختراق الهواتف. يمكن أن يحصل هذا، وفق الفريق التقني في “سمكس”، من خلال رصد الهاتف المتصل بالشبكة والإنترنت، وتحديد أقرب هوائيّ (Antena) بهدف تحديد موقع الشخص المتصل به، على سبيل المثال لا الحصر. ويمكن أيضاً لطائرة بدون طيّار إسرائيلية اعتراض الإشارات بين هذا الهوائي وجميع الهواتف المتصلة به، فتُزوّد الطائرة بجميع الأرقام المتصلة، لتتمكّن بذلك من الاتصال وإرسال الرسائل القصيرة لهذه الأرقام.
سلامة البيانات وتتبّع الاتصالات مسؤولية الدولة أولاً
عند إجراء تدقيقٍ تقنيّ، يمكن لمشغّلي شبكات الاتصالات تتبّع مصدر الاتصالات والرسائل، لا سيما التي تُجرى عبر الشبكات العادية، مثل الخط الأرضي والخط الخلوي. خلال الأسبوع الماضي، كشفت بعض التقارير الصحافيّة في لبنان إمكانيّة الوصول إلى مصدر الرسائل المشبوهة التي تلقّاها اللبنانيون. وقد عبَّر وزير الاتصالات جوني القرم عن إحدى وسائل هذا التفادي بإعلانه أمس توقيف عددٍ من مرسلي رسائل نصيّة مشبوهة إلى هواتف المواطنين.
بدايةً، إنّ سهولة إجراء هذه الاتصالات والرسائل لا يبرّئ الاحتلال الإسرائيلي من تهمة التنصّت والقرصنة وسرقة البيانات واختراق الشبكات. وقد كشفنا في “سمكس” سابقاً عن الإمكانات التي يسخّرها الإسرائيلي لاختراق البيانات والتنصّت على الاتّصالات.
تقع المسؤولية الأكبر على عاتق الدولة اللبنانية لا على الأفراد، كونها الجهة المسؤولة عن حماية البيانات، وتتبّّع هذه الاتصالات، ورصدها، ومحاولة معالجة الثغرات، واتّخاذ الإجراءات اللازمة على المستويين المحلي والدولي. علاوة على ذلك، إنّ نظم حماية البيانات ليست الأفضل في لبنان، ما ترك كميات كبيرة من البيانات الخاصّة بالسكّان مكشوفة أو عرضة للاختراق والتسريب، كما سبق وأن كشفت “سمكس”.
من جهة أخرى، ينبغي على وسائل الإعلام الامتناع عن إثارة الذعر بين المواطنين/أت، والتوقّف عن استخدام العناوين الخادعة التي ترهب قارئيها. في مثل هذه الأوقات، يُفضّل الامتناع عن نشر الأخبار لا سيما الأمنيّة منها، قبل التأكّد التام منها، واستشارة الخبراء وأصحاب الاختصاص قبل التعليق على أيّ حدث.
وأخيراً، ثمّة بعض النصائح الهامّة التي يمكن العمل بها دائماً في مثل هذه الأوقات:
- لا تعيدوا الاتصال بالرقم المشبوه الذي يتّصل بكم
- لا ترسلوا رسائل SMS للأرقام المشبوهة أبداً
- لا تنقروا على أيّ روابط حتى لو وصلتكم/ن من أشخاصٍ تعرفونهم/ن
- زوروا المواقع الإلكترونية بنفسكم عبر كتابة عنوانها على المتصفّح
- في حال أجبتم على أحد الاتصالات المشبوهة، لا تنقروا على أيّ رقم على لوحة الهاتف
- بلّغوا عن مثل هذه الاتصالات للجهات الأمنية
- لا تدخلوا أي مجموعات واتساب أو غيرها في حال لم تعرفوا هوية مديريها
- أزيلوا إمكانية إضافتكم إلى مجموعات واتساب إلّا من قبل أصدقائكم: الإعدادات (Settings) ثم “الخصوصية (Privacy) ثم المجموعات (Groups) ثم أرقامي فقط (My cotnacts only)
الصورة الرئيسية من AFP.