يكابد أصحاب الإعاقة السمعية في سوريا ظروفاً صعبة وثّقتها تقارير وتحدّث عنها مترجمو/ات لغة الإشارة لـ”سمكس”. أكّد هؤلاء الخبراء أنّ قدراً هائلاً من المعاناة تمخّض عن تلك الظروف، سواء على أرض الواقع وخلال الاحتكاك المباشر مع الآخرين، أو في العالم الافتراضي الذي يفتقر إلى أدوات التعبير والتعريف التي يحتاجونها.
“على مدى عامٍ كامل، أوهمني شابٌ بأنّه بحبني ويريد الزواج مني، مستغلاً وضعي الصحي الذي كان على علمٍ به. صار يلحً عليّ لأرسل له صوري الشخصية ففعلت، وجرى كلّ ذلك دون علم أهلي لأنني انحدر من عائلة متحفظة”. هذا ما قالته ريما، وهي شابة سوريّة صمّاء، عمّا تعرّضت له منذ مدّة.
تقول الشابة في حديثها لـ”سمكس”: “بعد حصوله على الصور قام بتعديلها، ووضعها في سياقٍ إباحيّ، ثم هدّدني بنشرها على وسائل التواصل إن لم أعطه المال، وصار يبتزني ويطلب مني مبالغ كبيرة، حتى اضطررت إلى بيع كل ما أملك من ذهب”.
بعد أن نفذت مدخرات ريما، لجأت إلى أصدقائها الذين تقدّموا بشكوى ضدّ المبتزّ بسريّة تامة. وتضيف :”لجأت إلى مترجمة الإشارة لمساعدتي في تقديم شكوى للشرطة وشرح ما حدث، وبالفعل تمكنت من رفع دعوى المساس بالحشمة وفق المادة 26 التي أدرجها المشرع السوري في قانون الجرائم الإلكترونية”.
تمتلك ريما رفاهية امتلاك الأصدقاء الذين وقفوا إلى جانبها في محنتها، والاستعانة بمترجمة لغة الإشارة والتمكّن من تسديد أتعابها، إلا أنّ هذا ليس متاحاً لجميع الصم. يتطلّب تقديم الشكاوى المرور بآلية محدّدة وتواصلاً مع الضباط ورجال الأمن في مراكز التبليغ، التي لا توفّر مترجمين للغة الإِشارة، ما يشكّل عائقاً أمام الضحايا ويقلّل من عزمهم على متابعة قضاياهم/ن الحساسة أصلاً.
لم تكن ريما وحدها ضحيّة هذا النوع من الابتزاز. منذ عدّة أشهر، أختُرق حسابا الشابة سمر وخطيبها، اللذان يعانيان الصمم، وانتحل المهاجم صفتهما، ليبدأ بإرسال صورٍ ورسائل جنسية وإباحية لقائمة أصدقائهما.
في مقابلةٍ مع “سمكس”، تقول سمر: “لا أعلم كيف اختُرق حسابي الشخصي، ولكن المبتزّ انتحل صفتي وأرسل مقاطع فيديو خادشة للحياء و محادثات جنسية إلى خطيبي الذي اختُرق حسابه عندما فتحها. كما قام المهاجم بالرد على الرسائل المرسلة من حسابي المخترق لكي يبدو الأمر وكأننا نحن من تبادلناها، وراح يهدّدنا بنشرها”.
“واجهت صعوبة بالغة في التبليغ للجهات الرسمية عمّا جرى، لأنّ المسؤول في قسم الجرائم الإلكترونية لم يتمكّن من فهم ما جرى لأنّه لم يفهم أيّاً مما قلته، وبسبب عدم توفّر مترجم لغة إشارة في القسم. بعد مدّة من الأخذ والرد، استعنت بورقة وقلم وكتبت تفاصيل المشكلة”، تضيف لـ”سمكس”.
مبادرات محليّة تواجه التحرّش و”الاحتيال العاطفي”
تنتشر حالات التحرش والاحتيال العاطفي التي تستهدف ذوي/ات الإعاقة السمعيّة عبر وسائل التواصل، بحسب هدى هيثم محمد، أول صمّاء حاصلة على شهادة الماجستير في علم الاجتماع في سوريا، ومعلمة في معهد المعوقين سمعياً في دمشق. وتضيف: “تسود نظرةٌ مؤلمة إزاء مجتمع الصم، وكأنّنا أقل قيمة وفهماً من السامعين، ويسهل التحايل علينا والتلاعب بنا. فقدان حاسة السمع يجعل الإنسان يبدو، بالنسبة إلى البعض، ذو قدرات ذهنيّة متدنية ويسهل استدراجه عاطفياً”.
في 25 أيار/مايو 2020، ترأست محمد مجلس إدارة جمعية “لغتي إشارتي” لدعم الصم ودمجهم في المجتمع، من خلال إقامة دورات متنوّعة في البرمجة، والرسم، واللغة الإنكليزية، والترجمة الفوريّة للغة الإشارة، والتوعية في مجال الصحة الإنجابية.
من ضمن المواضيع التي سلّطت المبادرة الضوء عليها كان التدريب على كيفية التصرف عند التعرض للتحرش أو أيّ نوعٍ آخر من الاستغلال، وذلك من خلال مقاطع فيديو تعليميّة.
“تساهم وسائل التواصل بتعزيز لغة الإشارة من خلال نشر ثقافة هذه اللغة المجهولة بالنسبة إلى كثيرين. لا شك في أنّ الصم قادرون على التعبير عن أنفسهم، إلا أنّهم ما زالوا يعانون من صعوبةٍ في التعلم والإلمام بالعالم الرقمي، ويواجهون حواجز التكنولوجيا، خاصة الأمّيين منهم”، تتابع مع “سمكس”.
انقطاع الإنترنت يحرم الصم من التواصل
بسبب فقدان حاسة السمع، لا تعدّ المكالمات الهاتفيّة ذات فعاليّة كبيرة للصمّ، ولذلك، يلجؤون إلى استخدام اتصالات الفيديو ليكي يتمكّنوا من رؤية الشخص الذي يتحدّثون إليه.
في هذا السياق، تقول محمد لـ”سمكس” إنّ صعوبة الوصول إلى الإنترنت وإجراء مكالمات فيديو عالية الدقة بسبب ضعف الشبكة، والانقطاعات متكررة للخطوط الأرضية، وقطع السلطات للإنترنت خلال فترات الامتحانات والأحداث الأمنية.
“باعتبارنا صم ونستعين بلغة الإشارة، نحتاج إلى إجراء مكالمات فيديو واضحة وغير متقطعة للتواصل مع الآخرين سواء داخل سورية أو خارجها، وهذا الأمر غير متاح بسبب ضعف الإنترنت، وفي حال الاستعانة بشبكة الجيل الخامس لرفع سرعة الإنترنت سيترتّب عليه كلفة مادية مرتفعة“، تتابع محمد، مشيرة وجود مشكلةٍ أخرى وهي انقطاع الإنترنت في بعض المناطق بريف دمشق، ما يشكل عائقاً أمام التواصل ويحرمهم من نيل أبسط حقوقهم الرقمية.
وتختتم الناشطة السورية حديثتها بمطالبة السلطات بـ”تحسين جودة الإنترنت، وتخصيص خصوماتٍ على باقات الإنترنت أو ساعاتٍ مجانية شهرية للصم، لأن إجراء مكالمات الفيديو يتطلّب استهلاكاَ كبيراً لباقات الإنترنت، ما يعني فواتير باهظة، لاسيما أن 20% فقط من هذه الشريحة متعلمة، أما الباقون فيجهلون القراءة والكتابة، وبالتالي فإنّ التواصل عبر لغة الإشارة ضروري لهم”.
خوف من الوصم
يترافق غياب الطرق والأدوات الضرورية للصمّ في مساحات الإنترنت وفي العالم الواقعي على حدٍّ سواء، مع خوفٍ من الأهل والعائلة والمجتمع المحيط، عند الحاجة إلى الحديث عن ابتزازٍ رقمي تتعرّض له الضحيّة.
تشير مترجمة لغة الإشارة أناهيد حكمت طنطا إلى أن الخوف من الوصم وخشية التعرض للتعنيف من قبل الأهل، أو الوقوع تحت المساءلة الاجتماعية، هنا سببان جوهريان يدفعان الكثيرين، والنساء تحديداً، إلى التكتم عند التعرّض لابتزازٍ إلكتروني.
في حديثٍ مع “سمكس”، تقول طنطا إنّ “ظلماً كبيراً يقع على فتيات الصم، إذ يتم استغلالهنّ بسبب عدم قدرتهنّ على التعبير والمواجهة والصراخ والسخط كالسامعين، وكثيراً ما أصادف حالاتٍ لنساءٍ يشتكين من التحرش الإلكتروني، لكنهن يخشين البوح بتفاصيله لئلا يكونوا عرضة لمساءلة المحيط وتحمّل المسؤولية كاملة”.
أمّا هند، فشاركت تجربتها مع “سمكس”، التي تمكّنت خلالها التبليغ عن شاب طاردها طوال أشهر وتحرش بها لفظياً أثناء توجهها إلى العمل:” شعرت بإهانة كبيرة عندما بدأ بملاحقتي، وحين علم أنني بكماء وزاد إصراره على التحرش بي مستغلاً عدم قدرتي على الصراخ، وكأنّه يقول لي سأفعل ما أريد ولا أحد يستطيع محاسبتي”.
لم تتوقف المضايقات عند هذا الحد، بل امتدت إلى وسائل التواصل بعد أن تمكّن من معرفة اسمها الكامل ورقم هاتفها من إحدى زميلاتها في العمل بحجة زيارة أهلها وطلب الزواج بها. صار المتحرّش يبعث لها برسائل فاحشة إلى رقمها وحسابها على “فيسبوك”.
خلال الفترة نفسها، طالعت منشورات منصّة “لغتي إشارتي” هند، التي تواصلت مع الجمعية وتلقّت المساعدة والدعم اللكافيين لتقديم بلاغٍ بحقّ المتحرّش.
لا يزال الأفراد الذين يعانون من إعاقة سمعيّة يعانون من غياب الحماية الاجتماعيّة والقانونية، وافتقار الأدوات التكنولوجيّة اللازمة لهم/ن. يعيق هذا الواقع اندماج هذا المجتمع، ما يتسبّب بحرمان أفراده من ممارسة حقوقهم/ن الأساسية في بلادهم/ن.
نصائح لتعزيز الأمن الرقمي
تتكرّر التهديدات الرقمية ضدّ الجميع، مهما كانت وظائفهم/ن أو أعمارهم/ن. يعتمد المهاجمون في كلّ مرّة تكتيكات جديدة، ولكنهم كذلك يستخدمون الكثير من التكتيكات التقليدية التي قد يتفاعل الشخص المستهدف معها.
فيما يلي بعض النصائح التي استخلصناها من خلال الحالات التي تصل إلى “منصة دعم السلامة الرقمية” في “سمكس”:
أولاً: تجنّبوا روابط التصيّد!
وهي روابط خبيثة تتخفّى بصورة روابط مصغّرة أو تشبه روابط حقيقية، وتهدف إلى تنزيل برمجية خبيثة عند النقر عليها، أو حثّ المستخدم/ة على كتابة كلمة المرور واسم الحساب تمهيداً لسرقته، أو وضع معلومات البطاقات المالية، وغيرها من الأمور. كيف يمكن تجنّب روابط التصيد؟
- غالباً ما تكون هذه الروابط غريبة الشكل عادة مثل http://freeticket-xn--8973.smexclub[.]win
- تحاول روابط التصيّد التخفّي بمظهر روابط أصلية مثل com بدلاً من google.com
- قد تستخدم روابط التصيّد خدمات الروابط المصغّرة مثل ly/xxx و tinyurl.com/xxx (هذا لا يعني بالضرورة أن كل الروابط المصغّرة هي للتصيّد)
- ينبغي التأكد من مرسل الروابط على البريد الإلكتروني
- ينبغي الحذر من الرسائل التي تثير الهلع بهدف النقر على الرابط
ثانياً: عزّزوا حماية حساباتكم/ن
يمكن أن تكون/ي سمعت بخاصية التحقق بخطوتين (two-factor authentication) ولكن البعض قد ينسى تفعيلها.
- استخدموا كلمة مرور قوية ومختلفة لكل حساب
- يمكن استخدام “منظّم كلمات المرور” (password manager) لصنع وإدارة كلمات المرور
- فعّلوا التحقق بخطوتين (two-factor authentication) على جميع الحسابات
- استخدموا تطبيقاً لتفعيل التحقق بخطوتين بدلاً من رسائل SMS، مثل Google Authenticator
ثالثاً: تعاملوا مع المبتزّ بتروٍّ وحكمة
في بعض الأحيان، يستغلّ البعض الصور الشخصية، سواء كانت حقيقة أو مركّبة، بهدف الابتزاز الجنسي أو المالي أو غيرهما. ومع ذلك، يمكن اللجوء إلى خيارات مختلفة للتعامل مع مثل هذه الحالات.
- حاولوا عدم التفاعل مع الشخص الذي يهدّد بالابتزاز
- يمكنكم/ن إخبار جهة تثقون بها عن الحادثة للحصول على المساعدة
- عند التهديد بنشر صور حقيقية يمكن التواصل مع مكتب مكافحة جرائم المعلوماتي
ولا تنسوا، في حال تعرّضتم/ن لأي هجوم رقمي، يمكنكم/ن دائماً التواصل مع المنصّة عبر:
- “سيغنال”/”واتساب”
0096181633133
- البريد الإلكتروني: helpdesk@smex.org
الصورة الرئيسية من أ ف ب.