انطلاقاً من ضرورة حماية الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية (SRHR) في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا، على شبكة الإنترنت وخارجها، أجرت منظمة “سمكس” بحثاً شاملاً في إطار مشروع “مسارنا”، الذي يستمرّ على مدى خمس سنوات ويهدف إلى حشد قوى الشباب في المنطقة للمطالبة بهذه الحقوق. خلال هذا البحث، تناولت “سمكس” مفاهيم الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية من منظور الحقوق الرقمية، وحلّلت سياسات وممارسات الإشراف على المحتوى التي تعتمدها منصات التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، و”إنستغرام”، و”تيك توك”، و”إكس” المعروفة سابقاً بـ”تويتر”، و”يوتيوب”، في ما يخص محتوى الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية المنشور في المنطقة باللغة العربية. وبناءً على هذا التحليل، تقود منظّمة “سمكس” الآن جهوداً للدعوة إلى تحسين سياسات إدارة هذا النوع من المحتوى والإشراف عليه.
لا تزال الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا غير مُعترَف بها ولا محمية بشكلٍ كافٍ. وتتناول هذه الحقوق، بشكلٍ عام، مجموعة من القضايا التي تشمل، على سبيل المثال لا الحصر؛ الحماية من الأمراض المنقولة جنسياً، والحصول على وسائل منع الحمل، والوصول إلى المتعة الجنسية، وتحقيق المساواة بين الجنسين، والحفاظ على صحّة الأمهات والأطفال في جميع مراحل حياتهم وتحقيق أدوارهم في المجتمع. وتعيق عوامل عدّة، منها الوضع الاجتماعي والاقتصادي، والأعراف المجتمعية، والتقاليد، وإمكانية الوصول إلى التعليم، والقوانين، والبيئة الأسرية، إمكانية الوصول إلى معلومات ومحتوى تعليمي حول الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية. وينعكس ذلك في تحديات كثيرة، منها تعذّر الوصول إلى خدمات الإجهاض، وصعوبة الوصول إلى وسائل منع الحمل، وغيرهما. وعندما تفشل الجهات الفاعلة الحكومية والمجتمعية في توفير التثقيف الكافي حول الصحّة الجنسيّة والإنجابيّة، يمكن أن يكون المحتوى عبر الإنترنت مصدر معلومات بديل. ولكن، تشكّل سياسات الإشراف على المحتوى التي تتبنّاها منصّات التواصل عقبةً أمام تداول المحتوى المتعلّق بالصحّة والحقوق الجنسيّة والإنجابيّة، ما يفرض تحدياً خطيراً على الناشطين/ات الحقوقيين/ات والمعلّمين/ات والخبراء والمنظّمات غير الحكومية الناشطة في هذا القطاع.
حتى الآن، ما زالت السياسات المتعلقة بالصحة والحقوق الجنسية والإنجابية، والتي تتبنّاها المنصّات قيد الدراسة، غير واضحة ومحطّ لبس، إذ يمكن العثور على إشاراتٍ مجزأة إلى الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية في سياسات الإعلانات أو “‘إرشادات المجتمع” بشأن المحتوى “الجنسي” و الخاص بـ”البالغين” (منصّات “إكس”، و”يوتيوب”، و”انستغرام”، و”فيسبوك”). أمّا منصّة “تيكتوك”، فتصرّح علناً بأنها تسمح بنشر المحتوى المتعلّق بالصحة الإنجابية والتربية الجنسيّة ضمن فئة “المواضيع الحساسة والملائمة للكبار”.
وفي غياب السياسات الشاملة والمستهدفة المتعلقة بالصحة والحقوق الجنسية والإنجابية، غالباً ما تزيل المنصات المنشورات أو الإعلانات أو الحسابات أو تقيّدها تلقائياً بدون أي تبريرٍ منطقي. ولا تؤثّر هذه الممارسة بشكل كبير على الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية فحسب، بل على حرية التعبير أيضاً، كونها تؤدّي إلى رقابة ذاتية يمارسها المستخدمون/ات والمنظمات المناصرون لهذه الحقوق. كما ينتج عن آليات التعامل المبهمة مع محتوى الصحة والحقوق الإنجابية والجنسية تناقضاتٍ تترك المستخدمين/ات بحاجة إلى مزيد من التوضيح حول أنواع المحتوى المسموح على الإنترنت، وطريقة إدارته، ومتطلبات الاستئناف. بالإضافة إلى ذلك، تعتمد المنصات في معظم الأحيان ممارسات مختلفة يمكن اعتبارها متحيّزة ضد المستخدمين/ات في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا.
تفرض سياسات الإعلانات المتعلقة بمحتوى الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية، والتي تتبنّاها جميع المنصات المدرجة في هذا البحث، العديد من القيود على ترويج المحتوى، والخدمات، والمنتجات المتعلّقة بالصحة والحقوق والرفاهية الجنسية والإنجابية، تطبيقاً لإرشادات المجتمع التي تحظر العري والمحتوى الجنسي، كما تحظر تشريعاتٌ بعض الإعلانات التي تروّج لمنتجات وخدمات “البالغين”. ينتج عن ذلك ولادة نوعٍ من الرقابة الذاتية عند نشطاء حقوق الإنسان، والمربين، والخبراء، والمنظمات غير الحكومية العاملة في هذا المجال. على سبيل المثال، يُحظر الترويج لوسائل منع الحمل التي لا تتطلّب وصفة طبيّة عبر منصّة “إكس” في مصر، أمّا “غوغل”، فلا تسمح بإعلانات منتجات منع الحمل أو الخصوبة في بلدان مثل البحرين، جيبوتي، مصر، العراق، الأردن، الكويت، لبنان، ليبيا، المغرب، عمان، الأراضي الفلسطينية، قطر، السعودية، سوريا، تونس، الإمارات العربية المتحدة، اليمن، وغيرها.
وبهدف معالجة هذه المسائل، ينبغي على المنصات اعتماد سياساتٍ واضحة وشاملة وحمائية متعلقة بالصحة والحقوق الجنسية والإنجابية، بالإضافة إلى سلسلةٍ من التدابير:
– ندعو المنصات إلى توضيح الأسباب وراء تقييد أو حظر المحتوى المخصص “للبالغين” والمحتوى “الجنسي”.
– ثانياً، تحسين الاستثناءات المنطبقة على المحتوى التعليمي والطبي والعلمي والفني، إلى جانب مراجعة سياسات الإعلانات المتعلقة بالصحة والرفاه الجنسيَين والإنجابيَين.
– نطالب المنصات بتوضيح الأساس القانوني للقيود على الإعلانات المحلية، وضمان الشفافية بشأن القيود على ظهور المحتوى، بالإضافة إلى تحسين عمليات الاستئناف لتشمل كل أنواع القيود، بما فيها عمليات إزالة المحتوى، ورفض الإعلانات، وتعليق الحسابات والصفحات والحسابات الإعلانية، والقرارات المتعمّدة بخفض ظهور المحتوى والحسابات.
– على المنصات تقديم دوراتٍ تدريبية للمشرفين/ات البشريين/ات، لزيادة وعيهم بشأن التعرّف على محتوى الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية، وتخصيص الموارد للإشراف العادل والمرتكز على حقوق الإنسان في المنطقة. وأخيراً، يجب على المنصات اتّخاذ إجراءات ضد المستخدمين/ات الذين يسيئون استخدام آليات البلاغ (flagging) عن المنشورات. للتمكّن من تحقيق ذلك، على المنصات التأكد مما إذا كان يجب إزالة المحتوى المبلّغ عنه، أم أن الخاصية استُخدمت لفرض رقابة على محتوى تسمح به المنصّة المعنيّة.
نطالب كلّ شركات التواصل الاجتماعي بتنفيذ جميع التدابير اللازمة لضمان حماية محتوى الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية على الإنترنت، بما في ذلك تقديم العناية الواجبة لمراعاة حقوق الإنسان، ودراسة تأثير سياساتها وممارساتها على واقع الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية، والتحقيق في التحيّزات المبلَّغ عنها ضدّ المنطقة ولغاتها ولهجاتها، والكشف عن ازدواجية المعايير في إدارة المحتوى المتعلّق بالجهاز التناسلي الأنثوي والمتعة الجنسية. منصّات التواصل مطالبةٌ أيضاً بمزيدٍ من الشفافية بشأن ممارساتها في ما يتعلّق بمواضيع الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية، وكيفية الإشراف على المحتوى المتعلّق بها.