بلغ حجم الأضرار والخسائر التي مُنيت بها هيئة “اوجيرو” وشركتا الخليوي “ألفا” و”تاتش” خلال هذه الحرب، نحو 67 مليون دولارٍ أميركي، وفقاً لتقديرات وزارة الاتصالات التي قدّمتها خلال مؤتمر باريس لدعم لبنان في 24 تشرين أول/أكتوبر الماضي، والتي رجّحت ارتفاع الرقم نظراً إلى استمرار الاعتداءات الإسرائيلية حتى 27 تشرين ثاني/نوفمبر الجاري.
تضررت البنية التحتية في لبنان بصورة كبيرة جراء العدوان الإسرائيلي الذي حوّل أحياء كاملة إلى ركامٍ متناثر، ومن ضمنها شبكة الاتصالات والانترنت في عدّة مناطق في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت.
والآن، بعد وقف إطلاق النار، هل من خطّة فعلية وواقعية لمعالجة المشاكل التي أصابت القطاع وإعادة تشغيل شبكة الاتصالات والانترنت في تلك المناطق؟ فخلال الحرب، لم تكشف وزارة الاتصالات عن خطّة الطوارئ “الغامضة” التي كان من المفترض وضعها وتطبيقها، وقبل ذلك، أثبت البحث والتجربة أثبتا عجز الحكومات اللبنانية المتعاقبة عن بناء وصيانة بنى الاتصالات التحتيّة.
خطّة ما بعد الحرب
يؤكّد وزير الاتصالات جوني القرم، في حديثٍ لـ”سمكس”، أنّ “خسائر هيئة “أوجيرو” وحدها، وفقاً للمسح التقديري الذي أُجري، تُقدّر بـ67 مليون دولار أميركيّ، ونحن نقوم حالياً بمسحٍ دقيق للأضرار”.
في المقابل، يُشير مدير عام “أوجيرو” عماد كريديّه في مقابلةٍ مع “سمكس”، إلى أنّ “الهيئة سبق أن رفعت تقريراً إلى وزير الاتصالات، في تشرين أول/أكتوبر الماضي، يُظهر أنّ حجم الخسائر الذي طال شبكة أوجيرو بلغ 57 مليون دولار، وهو رقمٌ ارتفع بالتأكيد”.
أمّا عن سبب اختلاف التقديرات بين “أوجيرو” ووزارة الاتصالات، فيؤكّد كريديّه أنّ المبلغ الذي تحدّث عنه الوزير يشمل خسائر شركتيّ “ألفا وتاتش”.
يتطّلب وضع خطّة كاملة لمعالجة الخسائر إجراءُ مسحٍ على كامل الأراضي اللبنانية وتقييمٍ شاملٍ للأضرار التي لحقت بالشبكة والبنية التحتية نتيجة الاعتداءات”، بحسب القرم، الذي لفت إلى أنّ فرق الصيانة بدأت بمعالجة الأعطال البسيطة، إلا أنّها ما زال عاجزة عن الوصول إلى بعض السنترالات.
وقد أظهر الكشف الميداني أنّ الضرر الأكبر لحق بسنترال المريجة في بيروت، والعمل جارٍ لدراسة الخيارات الأربعة المطروحة لإعادة تأمين الخدمة للمواطنين/ات بأسرع وقت ممكن وأقل تكلفة، وفقاً للقرم.
من جهته، يؤكّد كريديه أنّ الخطة تقوم بالمرحلة الأولى على تقدير حجم الأضرار التي أصابت القطاع ومعالجة الأضرار البسيطة، ما يسمح بإعادة شبكة الاتصالات والانترنت إلى بعض المناطق خلال أسابيع. إلا أنّ بعض قرى الجنوب تعرّضت للتفخيخ والتفجير من قبل الجيش الإسرائيلي، مما يحتّم إنشاء شبكة اتصالات جديدة فيها، وهذا ما سيستغرق أشهراً، بحسب ما يقول كريديّه لـ”سمكس”.
يلفت مدير عام هيئة “أوجيرو” إلى وجود “خططٍ بديلة لتأمين شبكة اتصالاتٍ مؤقتة في هذه القرى إلى حين تكوين شبكةٍ مستدامة، مثل استخدام الترددات اللاسلكية”، ويوضح أنّ “أوجيرو طلبت من الفرق المعنية إجراء مسح شامل للأضرار، وهذا ما بدء العمل به بالفعل في بيروت والضاحية الجنوبية. لقد تبيّن أن الخسائر كانت أقلّ من التوقعات التي سبقت وقف إطلاق النار، إذ أظهر الكشف الميداني أنّ جميع السنترالات ما زالت تعمل على الرغم من بعض الأعطال الصغيرة التي ستُعالج سريعاً، بإستثناء سنترال المريجة الذي دُمّر بالكامل”.
مصادر التمويل
لا شك في أنّ الأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف بلبنان منذ أواخر عام 2019، وما شهدته المالية العامة من انهيار، سيُشكّل عائقاً أساسياً أمام قدرة الحكومة على معالجة آثار العدوان على هذا قطاع الاتصالات. يعني هذا أنّ الرهان سيكون بشكلٍ أساسيّ على تحقيق التعهدات التي أطلقتها الدول في مؤتمر باريس لدعم لبنان والذي تعهدت بموجبه بدفع مبلغ 800 مليون دولار لمعالجة الأزمة الإنسانية ومساعدة النازحين/ات.
في هذا الخصوص، يرى القرم أنّ “واجبنا هو إجراء المسح الدقيق الذي بدأنا به وعرضه على مجلس الوزراء الذي يقرر طريقة تأمين الأموال اللازمة، سواء عبر الجهات المانحة أو من موازنة الدولة”. أما فيما يتعلّق بشركتي “ألفا” و”تاتش”، فيلفت القرم إلى أنّ “لدى الشركتان عقود تأمين على أضرار الحرب، وستتكفّلان بصيانة الشبكات التابعة لهما بعيداً عن أموال الخزينة”.
أمّا بالنسبة إلى “أوجيرو، فيؤكّد كريديه غياب الإمكانات المادية لمعالجة جميع الأضرار والأعطال، نافياً ما جرى تداوله عن وعودٍ من قبل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بتأمين مبلغ 57 مليون دولار لإتمام أعمال الصيانة.
وفيما يتعلّق بالوقت الذي ستستغرقه عودة شبكة الاتصالات والانترنت إلى ما كانت عليه قبل العدوان، يعتبر القرم أنّ “أوجيرو تحتاج إلى بعض الوقت كوننا في مرحلة تقييم الأضرار، أما فيما يتعلّق بشركتي تاتش وألفا، فهما قادرتان على تركيب محطّاتٍ نقالة”. وأكّد أنّه تابع خطّة عملهما من أجل اعادة تفعيل محطات إرسال كانت متوقفة في المناطق التي تعرّضت للعدوان الإسرائيلي، وقد بادرت الشركتان بالفعل منذ الأربعاء الماضي إلى إعادة 57 محطة تابعة لشركة تاتش و17 محطة تابعة لشركة ألفا إلى الخدمة.
يستغرب مدير برنامج الإعلام في منظمة “سمكس”، عبد قطايا، عدم وجود خطّة واضحةٍ وشفافة لمواجهة تداعيات العدوان الإسرائيلي، مضيفاً أنّ “الخطة لا يجب أن تقتصر على الكشف عن الأضرار، بل ينبغي أن تشمل إيضاح الخطوات المنوي اتخاذها لمعالجة الأعطال، وكشف مصادر التمويل التي ستعتمد عليها، فضلاً عن التوقيت المطلوب للبدء بالأعمال والمدة الزمنية التي ستستغرقها”.
“لم تكن تجربة قطاع الاتصالات خلال الحرب مشجّعة. وقد سمعنا على مدار عامٍ كامل عن إعداد خطة لمواجهة التحديات في حال توسّع العدوان، ليتبيّن لاحقاً أنّها اقتصرت على زيادة أعداد الهوائي في أماكن النزوح لتحسين الشبكة”، بحسب قطايا، الذي يلفت إلى أنّ “المطلوب كان أكثر من ذلك بكثير، فكان ينبغي مثلاً وضع آلية لتأمين تغذية المحطات بالفيول بشكل دوري، سواء عبر موظفين أو بالتعاون مع أبناء البلدات والقرى أو المنظمات والهيئات الإغاثية”.
لا شكّ في أنّ حجم الأضرار التي لحقت بقطاع الاتصالات من جرّاء العدوان الإسرائيليّ الأخير يضع المسؤولين أمام تحديات كبيرة، فالحاجة إلى إعادة الاتصال إلى المناطق المتضررة، لا سيما في الجنوب، عبر تصليح شبكة الاتصالات والانترنت، هو أمرٌ لا يمكن تأجيله تحت أيّ حجّة أو ذريعة. فهل ستنجح وزارة الاتصالات في إصلاح ما دمّرته آلة الحرب الإسرائيلية، أم أنّنا أمام تكرارٍ محتمل لتجربة “خطة الطوارئ”؟