يعاني مشتركو خطوط الخليوي من شركتي “ألفا” و”تاتش” من تعذّر وصول الرسائل التي تحمل رمز التحقق (verification code) إلى هواتفهم/ن، والتي يُفترض أن تصلهم/ن عند تفعيل بعض الحسابات مثل”واتساب” و”إكس” وغيرهما.
شاركت ريما، التي اشترت شريحة هاتف من شركة “ألفا” منذ فترة وجيزة، تجربتها مع “سمكس” وأخبرتنا أنّها “حاولت تحميل تطبيقي ‘واتساب’ و’واتساب بزنس’، لكنّني لم أتلقّ أي رسائل تزوّدني بالكود المطلوب”.
“تواصلت مع شركة ‘ألفا’ لكنّني لم أحصل على أيّ إجابة، فلجأت إلى متجرٍ لتصليح الهواتف، وطلب مني ‘الخبير’ إبقاء هاتفي لديه مدة 24 ساعة لكي يتمكّن من مراسلة “واتساب” أو التحايل بشكلٍ أو بآخر لحلّ المشكلة عبثاً، مقابل مبلغ 40 دولار أميركي”، تضيف ريما.
يعرّض هذا النوع من الممارسات، أي ترك الهاتف بين أيدٍ غير موثوقة واتباع أساليب مجهولةٍ وملتوية لحلّ المشاكل، البيانات الشخصية والمعلومات الخاصة للخطر. وهي أًصلاً حلولٌ لا يجب أن يقع المستخدمون/ات في مشاكل تجبرهم/ن على اللجوء إليها.
أمّا ريتا، فتواجه صعوبة في إيجاد شريحة SIM تسمح لها بتفعيل ميزة التحقق بخطوتين عبر الرسائل القصيرة، وفقاً لما روته لـ”سمكس”.
يُعاد بيع العديد من الأرقام التي يملكها مستخدمون/ات سافروا مؤخراً إلى الخارج واحتفظوا بحسابات”واتساب” الخاص بهم مسجّلة على أرقامهم اللبنانيّة، مما يؤدي إلى فوضى قد تتيح لمشتري خط الهاتف حديثاً الوصول إلى حساب “واتساب” الخاص بمالكه السابق.
بكلّ بساطة، تكمن العقدة في أن هناك مشاكل بين شركتي الاتصالات في لبنان وشركات خدمات تعاقدت معها لتولّي مسؤولية تنظيم الـA2P، وفقاً لمدير برنامج الإعلام في “سمكس” عبد قطايا، الذي أكّد أنّ كل ذلك يجري على الرغم من مطالبات ديوان المحاسبة بتنظيم مناقصات جديدة ودفع تلك الشركات المبالغ المستحقة لـ”ألفا” و”تاتش”.
خدمة “تلقّي العملاء رسائل من التطبيقات العالمية” التي تعُرَف اختصاراً بمصطلح A2P، أو Application to person، هي خدمة بدأ يشهدها قطاع الاتّصالات منذ ازدياد الاعتماد على التطبيقات الهاتفية. لكي تتأكد هذه التطبيقات من أنّ المستخدم إنسان وليس آلة، ومن أنّه صاحب الحساب الفعلي وليس منتحل صفة (خصوصاً مع إزدياد الخروقات الإلكترونية)، كان لا بدّ من وسيلة آمنة للتواصل معه، لا سيّما في حال أراد تغيير الرقم السري، أو تسجيل حساب للمرة الأولى، وغيرها من الأنشطة المرتبطة مباشرة باستخدام التطبيقات. أمّا خدمة “تلقّي العملاء رسائل من التطبيقات العالمية” (A2P) فجاءت لتنظّم عملية إرسال التطبيقات رموز التحقق (Verification Code) للمستخدم، سواء عبر البريد الإلكتروني أو عبر الرسائل الهاتفية أو عبر الاتصال الصوتي السريع.
يستمرّ موضوع الـ A2P بكونه محطّ تجاذب بين شركتي الخليوي والشركات التي كُلّفت بتشغيلها. منذ سنتين، ادّعت شركة “ألفا” أنّ عقدها مع شركة “فوكس سوليوشنز” (Vox (Solutions يجري على قدمٍ وساق، وبأنّ الشركة تجني قرابة 7 مليون يورو سنوياً.
“ألفا” لم تتلقّ أموال الـA2P
بعد بحثٍ مكثّف، تبيّن لـ”سمكس” أنّ شركة “ألفا” لم تتلقّ أيّ أموالٍ من “فوكس سوليوشنز” منذ عامٍ كامل، وعندما سألنا “ألفا” نفسها عن الأمر، أكّدت أنّ الشركة تدفع مستحقاتها كاملة من دون أيّ مشاكل.
في 20 كانون الأول/ديسمبر 2024، طلب ديوان المحاسبة من شركة “ألفا” تزويده، خلال أسبوع من تاريخ تبلّغهم المذكرة، بنتائج تنفيذ العقد مع “فوكس سوليوشنز، خاصّة لجهة تاريخ توقيع العقد، وتاريخ دخول الخدمة حيّز التنفيذ، والمبالغ المستوفاة عن كل سنة من سنين العقد، وكيفية تحويل واستيفاء المبالغ المقررة في العقد، وما إذا كانت الشركة قد سدّدت كل ما هو متوجّب عليها بموجب العقد الأساسي، وما إذا كان هناك من معوقات في التنفيذ، الخ…
وأشار ديوان المحاسبة إلى أنّ كتاباً ورد إليه في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، موجّه من قبل شركة “ألفا” إلى وزير الإتصالات جوني القرم، تشير فيه إلى مشاكل تنفيذيّة جمة تشوب العقد.
وبحسب مذكّرة ديوان المحاسبة، يجب أن تتقاضى “ألفا” من الشركة في كلٍّ من السنتين الأولى والثانية مبلغ 4 ملايين و900 ألف يورو، و7 ملايين و100 ألف يورو في السنة الثالثة، أي ما يعادل 17 مليون و100 ألف يورو على مدى ثلاث سنوات.
هذا يدفعنا إلى تساؤل حول ما إذا كان هناك أي تواطؤ كي تخفي “ألفا” أنّها لم تتقاضَ المال من “فوكس” مقابل رسائل A2P، وفي حال لم تتقاضَ فعلاً هذه المبالغ فهي مشكلة أكبر، بحسب وسيم منصور، خبير الاتصالات والمدير السابق لشركة “تاتش”.
تفاصيل عقدي “ألفا” و”تاتش”
جرى توقيع العقد الذي أبرم مع شركة “ألفا” في 27 كانون الثاني/يناير 2023 مع شركة “فوكس سوليوشنز”، وحُدّدت مدته بثلاث سنوات تبدأ بعد جهوزية الخدمة المفترضة (ثلاثة أشهر بعد توقيع العقد)، على أن يودع المتعاقد معه، بعد توقيع العقد، مبلغ 7 ملايين و500 ألف يورو في أحد البنوك كضمانة سنة أولى تجدد تلقائياً عند الطلب. وفي حال التأخر عن الدفع، تُفرض غرامة على المتعاقد معه مقدارها 0.5%عن كل يوم تأخير (حدها الأقصى 20% من قيمة الفاتورة).
ووفقاً للعقد بين “ألفا” و”فوكس سوليوشنز”، فازت الأخيرة بعرض تدفع بموجبه أعلى ثمن على كل رسالة نصية تنقل من أحد تطبيقات الإنترنت إلى هاتف المستخدم يبدأ بـ 10.5 سنتات من اليورو في السنة الأولى، ليرتفع تدريجياً في سنتي الالتزام اللاحقتين، على أن تنقل سنوياً ما لا يقل عن 46 مليون رسالة.
أمّا شركة “تاتش”، فحاولت تلزيم الخدمة ستّ مرات، وأطلقت مزايدة خدمة الـA2P بعد أن أسقطتها هيئة الشراء العام وديوان المحاسبة نظراً إلى الشبهات الكبيرة عليها التي فنّدها تقرير صدر في 16 كانون الثاني/يناير 2024، وكان من المفترض أن تعلن نتائج إعادة التلزيم في شهر آب/أغسطس الماضي. حينها، التأمت لجنة التلزيمات في مقر “تاتش” بعد أن تأجّل الموعد ستّ مرّات متكرّرة، وتلقّت عروضاً من خمس شركات عالمية. لكنّ الصراع بين مجلس إدارة “تاتش” ووزير الاتصالات، الذي يصرّ على توقيع العقد مع “إن موبايلز” (InMobiles)، دفع المسؤولين عن متابعة الملف في “تاتش” إلى الاعتكاف عن العمل متسلّحين بقرار ديوان المحاسبة، وفق ما علمت “سمكس”.
وفي 27 أيلول/سبتمبر 2024، أعلنت شركة “تاتش” إلغاء المزايدة لعدم وجود أيّ عرض يراعي الشروط التأهيليّة، الأمر الذي سبق أن حذّرت منه هيئة الشراء العام وديوان المحاسبة، اللذان طالبا بعدم إقحام شروطٍ تجارية بشروط التأهيل.
كانت شركة “إن موبايلز” قد وافقت على تسعيرة 7.5 سنتات من اليورو لحد أدنى من 31 مليون رسالة التزمت بنقلها، وتبيّن الأرقام أنّ عقد “ألفا” مع “فوكس سوليوشنز” سيؤمّن مداخيل بقيمة 17.9 مليون يورو في ثلاث سنوات، بينما كان مجموع الإيرادات المتوقعة من عقد تاتش مع “إن موبايلز” ليبلغ 7.379 ملايين يورو، على الرغم من أنّ عدد مشتركي “تاتش” يزيد بحوالى 300 ألف مشترك عن “ألفا”.
وفي مؤتمر صحافيّ عقد في 13 كانون الأول/ديسمبر 2024، كشف النائب ياسين ياسين ما آلت إليه الأمور في قضيّة الـA2P، وقال إنّه و”في أيلول/سبتمبر 2024، أطلقت الوزارة المزايدة الجديدة، لتقرّر إلغاءها فجأة لأسبابٍ غير مقنعة. وقد سمح هذا القرار للوزارة بمواصلة عملها مع الشركة الحالية، على الرغم من ارتفاع نسبة الشكاوى بنسبة 700% وعدم التزام الشركة بدفع المستحقّات المتفق عليها، ووجود ثلاث شركات عالمية جاهزة لتقدم الخدمة بطريقة أفضل وأكثر شفافية”.
وأضاف ياسين أنّ “تاتش” لم تتسلّم أي دفعة مقدّمة للسنة التعاقديّة الثانية، ولم تقدّم “إن موبيلز” خطاب الضمان المطلوب رغم الطلبات المتكررة والفواتير التي سبق وأن أرسلت.
ويرى خبير الاتصالات، وسيم منصور، أنّ الشركتين اللتين تعاقدت معهما “ألفا” أو “تاتش” لإيصال الرسائل النصية من التطبيقات إلى هواتف المستخدمين، لم تؤدِّ ما هو مطلوب منها، وأنّ “ألفا” و”تاتش” “فشلتا مع هاتين الشركتين في إدارة عملية بسيطة تتمثّل في تحصيل الإيرادات مقابل إيصال رسائل A2P”.
“رسالة شركة ‘تاتش’ للوزير جوني القرم في 27 أيلول/سبتمبر 2024 تنصّ على أنّ شركة “إن موبايلز” لم تحقق الهدف السنوي المتفق عليه وطالبت بتخفيض الأسعار بطريقة مخالفة للعقد”، لافتاً إلى أنّ “التناقضات بالتزامات العقد تسبّبت بخسائر كبيرة لخزينة الدولة. فمن هي الشركة التي ما زالت تتسلّم العقد رغم كل هذه المخالفات؟ لماذا لا زال الوزارة تتعامل مع هذه الشركة رغم وجود شركات عالمية أفضل؟ ومن يتحمّل مسؤولية الإضرار بمصالح الناس وأموال الخزينة؟”
حاولت “سمكس” التواصل مع مكتب وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال، جوني القرم، للاستفسار عن تفاصيل الملف، إلا أنّنا لم نلقَ جواباً.
ومع مشارفة ولاية وزارة الإتصالات الحالية على الانتهاء، يحاول وزير الاتصالات تمرير عقد تلزيم الـA2P مع شركة “تاتش”، بعد عامين من السجال المستمرّ بين الشركة والوزارة وهيئة الشراء العام وديوان المحاسبة في لبنان، وما يترافق ذلك مع قراراتٍ تعسفية بحق موظفين في الوزارة.
من جهته، يختتم قطايا: “نأمل أن تعمل الحكومة الجديدة على حلّ المشكلة وإزالة كافّة العراقيل الحالية التي تعصف بقطاع الاتصالات وتضعفه، بالإضافة إلى العمل على صيغة تضمن الشفافية والمساءلة والمحاسبة لتحقيق مصالح الناس أولاً وأخيراً”.
الصورة الرئيسية من AFP.