عاد ملتقى “خبز ونت” في نسخته الرابعة، من 23 إلى 26 تشرين الثاني/نوفمبر، مستضيفاً حوالى 1000 شخص من 74 دولة للمشاركة في حوار إقليمي حول الحقوق والحريات الرقمية في المنطقة الناطقة باللغة العربية. على مدى أربعة أيام، عرض تقنيون/ات وباحثون/ات ومحامون/ات وصحافيون/ات أفكارهم/ن ومخاوفهم/ن ورؤاهم/ن وتوصياتهم/ن في إطار مواضيع/ثيمات رئيسية أربعة: السياسات في السياقات الصعبة، وممارسات الأمن الرقمي، والتكنولوجيا كمورد، ومجتمعات المواجهة.
شهد ملتقى “خبز ونت” 2021 نقاشات متنوّعة ركّزت على انتقاد وضع الحقوق الرقمية الحالي في البلدان الناطقة باللغة العربية. وتخلّل الملتقى أكثر من 90 جلسة باللغتين الإنكليزية والعربية، توفّرت في بعضها ترجمة إلى لغات أخرى وحتّى إلى لغة الإشارة في البعض الآخر. تناولت هذه الجلسات مجموعة واسعة من القضايا، ِمثل توثيق انتهاكات الحقوق الرقمية، وإعادة تصور مبادئ سانتا كلارا، وتمويل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي النسوي، وقطع الإنترنت في المنطقة، وجمع البيانات خلال جائحة كوفيد-19، ومنصات التواصل الاجتماعي البديلة، وإمكانية الوصول الرقمي، والمعلومات الخاطئة/المضللة، والتصميم المرتكز إلى حقوق الإنسان، والعنف السيبراني ضد الصحافيات وأفراد مجتمع الميم وغيرهم. وقد شكّل سمح ملتقى “خبز ونت” مساحةً لتبادل وجهات نظر متنوّعة حول هذه المسائل للبحث عن حلول للانتهاكات وبناء شبكات للعمل الجماعي في المستقبل.
أبرز النقاط المستخلصة من ملتقى هذا العام
أكدت وثائق “فيسبوك” المسرّبة (Facebook Papers) صحة مخاوف كثيرة لطالما راودتنا، كمجتمع رقمي منذ سنوات. بيّنت هذه الوثائق والأوراق أنّ شركة “فيسبوك” (أو “ميتا” Meta) غير مجهَّزة لإدارة المحتوى باللغة العربية على منصات التواصل الاجتماعي التابعة لها، بحسب ضياء كيالي من منظمة “نيمونيك” (Mnemonic) ومروة فطافطة من منظمة “أكسس ناو” (AccessNow)، في إحدى جلسات “خبز ونت”. فشلت الشركة إذاً في تخصيص الموارد الكافية لتطوير ممارسات مدروسة وحيادية ومراعية للسياق في إدارة المحتوى. وبحسب فطافطة، المحتوى العربي الذي ينتجه أكثر من 220 مليون مستخدم يتحدثون بأكثر من 30 لهجة عربية يشرف عليه 766 مشرفاً من “فيسبوك” فقط . يتّضح إذاً أنّ المشكلة منهجية تعكس “نهج الربح قبل كلّ شيء” الذي تعتمده “فيسبوك” حالياً في خدماتها. “يريدون إيهامنا بأنّها مشكلة فنية، ولكنّها في الواقع مشكلة هيكلية وحسيّة ومادية. إنّها مشكلة تتعلّق بالوقت والمال الذي تنفقه والموارد التي تخصصها للاستجابة للمشاكل التي تنتج من ممارسات إدارة المحتوى“، تقول فطافطة.
المدير السابق المسؤول عن سياسات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “فيسبوك”، أشرف زيتون، تحدّث في جلسة أخرى عن تاريخ سياسات “فيسبوك” وتداعياتها الاجتماعية السياسية في المنطقة. وأشار إلى أنّه “فيما يتعلق بالمنطقة الناطقة باللغة العربية، تدرس معظم شركات التكنولوجيا وجودها في المنطقة من منظور اقتصادي بحت، وليس من منظور حقوق الإنسان“. أعرب زيتون أيضاً، في حديثه إلى المدير التنفيذي في منظمة “سمكس”، محمد نجم، عن إحباطه من تقاعس شركة “فيسبوك” المتكرّر وعدم تحريكها ساكناً في أعقاب موجة الرقابة التي استهدفت الأصوات المؤيدة للفلسطينيين على منصاتها، مشيراً إلى أنّ “شيئاً لم يتغير بعد ما تعرّض له المحتوى الفلسطيني مؤخراً. لم تغيّر فيسبوك أيّ شيء، بل اكتفت بالاعتذار لأنّ النظام الذي أنشأته إسرائيل للضغط على فيسبوك هو نظام قوي، في حين لم تعلن الدول العربية عن نيتها ممارسة الضغط. وحتى لو أعربت عن هذه النية، فسيستحيل عليها القيام بذلك“.
وفي إحدى الجلسات الرئيسية الأخرى حول دور “مجلس الإشراف” على المحتوى المنشور على “فيسبوك” في ِتحديد ممارسات إدارة المحتوى في المنطقة، حثّت ريم المصري من “حبر“، وهي مؤسسة إعلامية إلكترونية مستقلة مقرّها الأردن، العضو في مجلس الإشراف جولي أوونو على اتخاذ موقف أكثر حزماً للتدقيق في كيفية إدارة المحتوى العربي على منصات الشركة. عزا “مجلس الإشراف” “الأعطال الفنية التي تواجهها فيسبوك” إلى القصور الهيكلي وسوء التواصل الداخلي بشأن سياسات إدارة المحتوى، ما كشف عن حاجة متزايدة إلى اعتماد توصيات مُلزِمة أكثر. وشجّعت أوونو جميع مستخدمي “فيسبوك” على إبلاغ مجلس الإشراف بأي إجراءات رقابة غير مبرّرة، مشدّدةً على أن “كلّ الحالات ستؤثر في القرارات” التي يتخذها “مجلس الإشراف”.
تقنيات المراقبة التي يأتي معظمها من بلدان تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، تُستخدم في نهاية المطاف من أجل سجن ناشطين/ات ومعارِضين/ات في البلدان الناطقة باللغة العربية وملاحقتهم قانونياً، كما اتضح جلياً في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والمغرب ومصر. قد كشفت تسريبات “بيغاسوس” الأخيرة عن نطاق استخدام برامج التجسس وحجمه لترهيب الناشطين/ات والصحافيين/ات البارزين/ات وتهديدهم/ن وحتى قتلهم/ن. وكردّ فعل على ذلك، تأسّس “تحالف الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمكافحة المراقبة الرقمية”، بقيادة “مركز الخليج لحقوق الإنسان” (GC4HR) ومنظمة “أكسس ناو” (Access Now)، في خطوة هدفت إلى وقف مبيع تقنيات المراقبة إلى الحكومات القمعية في المنطقة، وحماية المدافعين عن حقوق الإنسان، والنضال من أجل شبكة إنترنت آمنة ومفتوحة. كذلك، في إحدى الجلسات، حذّر خالد إبراهيم، الشريك المؤسس والمدير التنفيذي لـ”مركز الخليج لحقوق الإنسان“، قائلاً: “من دون آلية متكاملة لمراقبة مبيعات برامج التجسس، لن نحقق أي تقدّم يُذكر“.
وركزت جلسات أخرى خلال ملتقى “خبز ونت” على التقاطعات بين الصحة العامة والتكنولوجيا، إذ تؤدّي هذه الأخيرة دوراً أكبر في تقديم خدمات صحية معينة. يتمثّل أحد المسائل المشتركة في رقمنة الوثائق الصحية، لا سيما جواز سفر لقاح كوفيد-19، الذي من المرجّح أن يصبح إلزامياً في أكثر من بلد في الأشهر المقبلة مع ظهور متحوّرات جديدة من فيروس كوفيد-19 في مختلف أنحاء العالم. نتيجة لذلك، ستُحرم الفئات المستضعفة، ولا سيما كبار السن والمهاجرين، من الوصول إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية. وفي الوقت عينه، ما زالت خصوصية مستخدمي تطبيقات الاستجابة لجائحة كوفيد-19 التي تجمع كمّاً هائلاً من المعلومات عرضة للانتهاك في ظلّ توسّع المراقبة الحكومية في المنطقة. في هذا السياق، لفتت غنوة الحايك من “معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط” (TIMEP) إلى أنّ “الأشخاص فاقدي الجنسية أو الذين لا يحملون الوثائق اللازمة التسجيل في هذه المنصات يخشون مثل هذه التطبيقات لأنهم لا يثقون بالحكومة أو الكيانات التي تروّج هذه الخدمات“.
لن تزول التحديات التي تعترض حرياتنا وحقوقنا الإلكترونية عمّا قريب، في حين نواجه تحدّيات على مستويات القوانين والشركات والنظرة الاجتماعية. النمط الاقتصادي القائم على النمو المطّرد يسمح لمنصات معيّنة باحتكار قطاع الاتصالات وتلبية رغبات من هم في السلطة. كذلك، تدفع هشاشة الأنظمة الاستبدادية في منطقتنا إلى اعتبار أيّ صوت ينادي بالاختلاف كمصدر تهديد لهيمنتها. ويُعد خطاب الكراهية والتخويف على الإنترنت أحد نتائج انتشار الكراهية الصريحة تجاه النساء والمهاجرين وأفراد مجتمع الميم في مجتمعاتنا ومساحاتنا الاجتماعية خارج إطار الإنترنت. لا يمكننا أن نبدأ برؤية نتائج مختلفة على شبكة الإنترنت إلا من خلال معالجة نُظم القوة والأحكام المسبقة الكامنة تلك. وإنشاء مساحة مشتركة لدراسة هذه التحديات، يشكّل خطوةً مهمةً في طريق توفير شبكة إنترنت حرّة وآمنة ويسهل الوصول إليها.
سننشر قريبًا معظم الجلسات التي انعقدت خلال “خبز ونت ” على “يوتيوب”.
تابعوا “خبز ونت” على وسائل التواصل الاجتماعي “فيسبوك“، “تويتر“، إنستغرام“.