جمع ملتقى “خبز ونت” 2020 أونلاين هذا العام أكثر من 800 مشارك/ة من 32 دولة عبر منصّة “هوبِن” (Hopin)! وشهدت أيّام الملتقى الأربعة الحافلة بالأحداث انعقاد 63 جلسة متنوّعة ضمّت أكثر من 100 متحدّث ومتحدّثة شاركوا فيها آراءهم القيّمة.
أحدثت الأنظمة العربيّة الشمولية، والبنى التحتيّة الهشّة والمُحتكَرة للاتّصالات، وجيوش الحسابات الوهميّة التي تروِّج للأخبار الكاذبة، والمراقبة المتزايدة المقنّعة على شكل تطبيقات تتبّع المخالطين لمصابي كوفيد-19، وغيرها من التحدّيات، خضّة قويّة في الأوساط الرقميّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد أثار هذا الواقع اهتمام عدد من الخبراء والخبيرات من مجالات متنوّعة، الذين أعدّوا تقارير عدّة وناقشوا استنتاجاتهم وشواغلهم وتوصياتهم بحماسة في سياق مراجعة أحداث العام 2020.
قد سلّط ملتقى “خبز ونت” 2020 أونلاين الضوء على الكثير من المسائل التي تهدّد حرّية التعبير، والوصول إلى الإنترنت، والأمن الرقمي في يومنا هذا. وتطرّقت النقاشات إلى السياسات المتعلّقة بالخصوصية وإدارة المحتوى والقدرة على الوصول إثر توسّع المجال الرقمي نتيجة لجائحة كوفيد-19. وأظهر الملتقى كيفية مكافحة المجموعات المستضعفة لخطاب الكراهية والهجمات الموجّهة عبر الإنترنت، وكذلك موجة قطع الاتصالات والإنترنت المدعومة من الحكومات والتي تجتاح المنطقة.
تمثّل هدفنا هذا العام في تعزيز قدرة الوصول لجميع المشاركين/ات، وذلك عبر توفير خدمة الترجمة الفورية بلغة الإشارة خلال الجلسات، وعقد جلسات نقاش بالغة الأهمّية حول الشمول الرقمي للأشخاص ذوي الإعاقة. حذّر المتحدّثون/ات من تنامي الفجوة بين التقدّم التكنولوجي والقدرة على الوصول إلى الخدمات الرقمية في المنطقة، وشدّدوا على ضرورة اهتمام الحكومات بالأدوات المتوفرة التي تتيح مستوىً أعلى من الشمول في الدول العربية، خصوصاً مع وجود عدّة نماذج يمكن اعتمادها في هذا السياق.
تناول ملتقى “خبز ونت” خمسة مواضيع/ثيمات أساسية هذا العام، وهي: “السياسات في السياقات الصعبة”، و”الأمن الرقمي وأفضل الممارسات”، و”المجتمعات المرنة القادرة على التعافي”، و”الثقافة وإنتاج المعرفة على الإنترنت”، و”البدائل الرقمية المستقلّة”. وفي ما يلي خمس خلاصات رئيسية من ملتقى “خبز ونت” 2020 أونلاين!
السياسات والمناصرة في السياقات الصعبة
تستمرّ المساحة المدنية في على الإنترنت بالتقلّص مع تعرّضها لمزيد من المراقبة وإخضاعها لسياسات الحكومات وسياسات الشركات الخاصة والمنصّات الرقمية أيضاً. ويمثّل ذلك مصدر قلق بالغ الخطورة، خصوصاً وأنّ وتيرة اعتمادنا على التواصل الرقمي قد تسارعت بفعل فيروس كورونا.
أظهر العام المنصرم الدور المتنامي لشركات التكنولوجيا في إدارة المحتوى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبات هذا التحيّز يضرّ بالمستخدمين على مختلف المنصّات، وبالفلسطينيّين على “فيسبوك” بشكل خاص. لا شكّ في أنّ هذه المشكلة ستتفاقم في حال اعتماد تعريف “التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست” (IHRA) لـ”معاداة السامية”، ما يعني أنّ الأصوات الفلسطينيّة ستُصنَّف على أنها “راديكاليّة ومتطرّفة وإرهابية”، وفقاً لمديرة سياسات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة “أكسس ناو” (AccessNow)، مروى فطافطة. وفي جلسة مع المدير التنفيذي لـ”سمكس”، محمد نجم، شجّع مدير مجلس الإشراف على المحتوى لدى “فيسبوك”، توماس هيوز، المستخدِمين والمجتمع المدني على التقدّم بالمزيد من الطعون في قضايا إدارة المحتوى.من جهة ثانية، أعادت مديرة حقوق الإنسان والسياسات العامّة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى “فيسبوك”، شهد الهندي، السبب في حذف المحتوى إلى “خوارزميّات الذكاء الاصطناعي المسؤولة عن الكثير من حالات حذف المحتوى”، مشيرةً إلى أنّ الكثير من المحتويات المحذوفة يُعاد نشرها.
في لبنان، لا تُطبّق معظم المؤسسات القوانين التي تضمن حقّ المواطنين في الوصول إلى المعلومات، ويصبح الحصول على البيانات بمثابة “خدمة”. كذلك، يُجبَر الصحافيّون في لبنان والمنطقة على ممارسة الرقابة الذاتية بسبب المراقبة الرسمية وغير الرسمية. ويتمثّل الحلّ الفعلي والواعد الوحيد في التغيير السياسي على المستوى الحكومي، لا في مجرّد تعديل القوانين، وفقًا للمدير التنفيذي لـ”مؤسسة سمير قصير” في بيروت، أيمن مهنّا.
في الكثير من الدول العربية، لا وجود حتّى لمثل هذه القوانين. فكما حذّرت نهلة حمداني في إحدى جلسات “خبز ونت”: “تلجأ الحكومة إلى أيّ قانون يمكن أن يجرّم الخطاب على الإنترنت. الجميع يدرك حدوده. يمكن لحكومتنا أن تقاضيكم بموجب أيّ قانون بسبب أيّ كلمة لا تريد سماعها من الناس”.
لا يمكننا بعد اليوم أن ننظر إلى الإنترنت على أنها مجرّد شبكة خدمات، فلقد باتت مرفقاً عاماً قادراً على تحفيز الإصلاح السياسي والاجتماعي. كذلك، لم تعد مسألة الوصول إلى الإنترنت تتعلّق بتوفير خدمات الإنترنت للجميع، بل هي تشمل وصول المستخدِمين إلى محتوى قيِّم – وغير خاضع لحجب المواقع الإلكترونية والتحيّز والخدمات الضعيفة والرقابة الحكومية. لسوء الحظ، كما ذكر الكثير من المتحدِّثين خلال جلسات “خبز ونت”، لا تزال هذه التحدّيات شائعة في منطقتنا.
تعليم الأمن الرقمي وأفضل الممارسات
طرحت جائحة كوفيد-19 تحدّيات جديدة في مجال الأمن الرقمي، خصوصاً في الدول التي فرضت استخدام تطبيقات تتبّع المُصابين، مما فاقم التهديدات القائمة أساساً. فالمشكلة في هذه التطبيقات أنّها تتطلّب إذونات للوصول إلى بيانات حسّاسة، مثل الرزنامة والصور والموقع الجغرافي، حتى إنّ هذه التطبيقات في بعض الدول تلتقط الصور من دون تنبيه المستخدِمين. ومن بين الإجراءات الوقائية التي تمّ استعراضها في الجلسات إنشاء عدّة حسابات بريد إلكتروني وحسابات شخصية، وتحديث البرمجيات والأجهزة بشكل مستمرّ، واستخدام ميزة التحقّق بخطوتَيْن عند توفّرها، بالإضافة إلى غيرها من الإجراءات.
وبحسب خبير الأمن الرقمي لدى “سمكس” علي سباعي، هناك ثلاثة أنواع من تطبيقات كوفيد-19: “تلك التي تسمح لك بإضافة عوارضك بنفسك، وتلك المخصّصة لتقفّي الأثر بواسطة البلوتوث مع إبقاء البيانات ضمن الهاتف نفسه، وأخيراً تلك التي تتبّع المستخدِمين بواسطة نظام التموضع العالمي، وهي الأخطر”.
من جهة ثانية، كثيراً ما تُهمِل الشركات في المنطقة خصوصية المستخدِمين. ففي إحدى المرّات، تخلّصت شركة “أورانج تونس” (Orange Tunisie) التونسية من 1500 نسخة عن بطاقات الهويّة وجوازات السفر في الشارع، من دون أن تُحاسَب على هذا الخرق الفاضح للخصوصية. أظهرت شركات الاتّصالات في المنطقة مرّة تلو الأخرى عدم التزامها بنشر سياسات خصوصية واضحة، في حين تعجز الحكومات عن فرض قوانين تحمي بيانات المواطنين الشخصية. ينبغي على الشركات احترام حقوق الإنسان، كما ينبغي تكريس هذا المبدأ في ممارسة جميع الشركات. وتؤكّد منى شتيه من منظمة “حملة” أنّ “ما يصحّ في الولايات المتّحدة لا يصحّ بالضرورة في منطقتنا، فالمحتوى الفلسطيني مثلًا [يصف الواقع] في الأراضي الفلسطينية المحتلّة. لدينا قانوننا الخاص، وبالتالي يجب ألا تتبنّى شركات التواصل الاجتماعي القانون الإسرائيلي ضدّ الفلسطينيين”.
المجتمعات المرنة القادرة على التعافي
تشهد المنطقة تزايداً في العنف وخطاب الكراهية ضدّ المجموعات المستضعفة، التي تُجبَر على العيش في ظلّ بيئة رقمية ترزح تحت الرقابة وقمع الدولة والأصولية الدينية والإيديولوجية. في هذا الإطار، ركّزت عدّة جلسات خلال ملتقى “خبز ونت” على التحديات التي تواجهها النساء ومجتمع الميم.
في إحدى الجلسات التي تطرّقت إلى تجريم الفضاء الرقمي في مصر، ناقش المتحدّثون/ات كيف تتعرّض النساء للقمع من قبل السلطات المصرية والمجتمع، فيما تستفيد شركات التواصل الاجتماعي إلى حدّ بعيد من هذا الاستغلال. على سبيل المثال، يستخدِم صانعو المحتوى على موقع “يوتيوب” المحتوى الذي تنشره النساء لغايات الإثارة والتحريض، في حين يجنون الأرباح من المحتوى المنشور.
لا بلّ إنّ الكثير من مستخدِمات تطبيق “تيك توك” النساء في مصر يتعرّضن للملاحقة القضائية نتيجة الفيديوهات التي ينشرنها، بحجة “نشر محتوى لاأخلاقي يهدّد قيم الأسرة المصرية”. وعليه، ما زالت الملاحقة القضائية تؤدّي دوراً تمييزياً ضدّ النساء بالإضافة إلى التحريض على العنف ضدّهن في أوساط العائلة. في هذا السياق، أشار المحامي أيمن الزغدودي من منظمة “المادة 19” (Article19) إلى أنّ “مواقع التواصل يجب أن ترفض طلبات الحكومة المصرية بالحصول على بيانات المستخدِمين/ات وتحديد مواقعهم/ن لكي لا تشارك في القمع المُمارَس ضدّ [النساء]”.
في لبنان، وخصوصًا بعد انتفاضة 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، ساد خطاب الكراهية والتنمّر والتحرّش الرقمي والمحتوى المعادي للنساء على موقع “تويتر” ضدّ الصحافيّات والناشطات. فكما ذكرت الصحافية اللبنانية لونا صفوان في إحدى جلسات ملتقى “خبز ونت”، “تنتقل بعض الحسابات [على تويتر] من التشكيك في مصداقية الصحافيين والصحافيات إلى مهاجمتهم/ن والكشف على شؤونهم/ن العائلية. وتتعرّض النساء إلى هذه الممارسات أكثر من غيرهنّ، وفي بعض الأحيان يتمّ تنظيم حملات [ضدّهنّ]”.
في السياق نفسه، أعدّ الصحافي تحسين الزركاني معجماً لمراقبة خطاب الكراهية على منصّات التواصل الاجتماعي في العراق، وخصوصاً “تويتر”.يبقى أنّ أحد التحديات التي تواجه مثل هذه المبادرات هو أنّ المنطقة العربية تتضمّن مجموعة متنوّعة من اللهجات، ما يعني أنه من الصعب رصد المحتوى المسيء بالعربية على الإنترنت، بحسب الدكتورة هلا ملكي، وهي عالمة بيانات تعمل في مجال الألسنيات الحاسوبيّة.
الثقافة وإنتاج المعرفة على الإنترنت، والبدائل الرقمية المستقلّة
لا شكّ في أنّ التحوّل الرقمي أثّر بعمق في الطرق التي نعتمدها للتعبير والتواصل والحوكمة، في أوقات السلم والحرب على حدّ سواء، كما لعب دوراً بارزاً في تطوّر الهويّة العربيّة الحديثة، ما سمح لنا باستكشاف سرديّاتنا الثقافية وممارستها وبنائها والحفاظ عليها وتعميمها، على الصعيدَيْن المحلّي والعالمي.
في هذا السياق، أشار شادي أبو زهرة من مبادرة الوصول إلى الويب (W3 WAI) إلى “وجود بدائل رقمية مفتوحة المصدر وأقل كلفة من غيرها، وهو ما نحتاج إليه في المنطقة العربية، وأنّه علينا أن نسعى إلى ترجمة هذه البدائل وتكييفها لتتناسب مع لغتنا العربيّة”. ومع دخول “الكثير من الأشخاص ذوي الإعاقة إلى الفضاء الرقمي، أصبح من الضروري تسهيل الشمول والوصول وخفض الكلفة لهؤلاء الأشخاص”.
بالإضافة إلى جلسات النقاش، تضمّن ملتقى خبز ونت 2020 عدّة ورش عمل، كتلك التي أجرتها الصحافية بريتا سين حول كيفية رقمنة ورش العمل الشخصية، فقدّمت نصائح وأدوات لتسهيل عملية الانتقال. ومن بين هذه النصائح والأدوات: توفير بيئة ودودة عبر إلقاء النكات وسرد القصص خلال الجلسات الرقمية، وتكريس الوقت للراحة واستذكار الأفكار، من دون أن ننسى أننا جميعاً متعبون بسبب حضور الجلسات الرقمية طوال الوقت.
رسالة شكر
نودّ التعبير عن امتناننا لمشاركة الجميع في ملتقى “خبز ونت” لهذا العام، ونتطلّع إلى استضافة مؤتمر ناجح آخر في العام 2021!
حتى ذلك الحين، تابعوا النقاشات التي ننشرها عبر قنوات “سمكس” الرقمية. وابقوا على اطّلاع على آخر المستجدّات عبر متابعة صفحاتنا على “فيسبوك” و”تويتر” واحصلوا على أحدث الأخبار عبر الاشتراك في قائمتنا البريدية.