اختتمنا يوم الأربعاء الماضي فعاليات ملتقى “خبز ونت” – أونلاين، الذي حمل ثيمة “الحقوق الرقمية في زمن الحرب”. ضمّ الملتقى 13 جلسة عُقدت عبر منصّة “زووم” على مدى ثلاثة أيام، منذ 13 حتى 15 أيار/مايو 2024.
غطّت الجلسات مواضيع مختلفة شهدنا تأثيرها على منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا وأهلها خلال الأشهر القليلة الماضية، ومنها الإشراف على المحتوى، وقطع الإنترنت والاتصالات الذي تسبّب بتداعياتٍ سلبيّة جمّة على الاقتصاد وحريّات المستخدمين/ات، واستثمارات الحكومات في تكنولوجيا التجسّس بهدف مراقبة الناشطين/ات والصحافيين/ات واعتقالهم/ن.
من جهة أخرى، تناول المتحدّثون/ات أبرز التقنيات التي ابتكرها الصحافيون/ات في مناطق النزاع لنقل الأخبار (صحافة الموبايل نموذجاً)، بالإضافة إلى جلستين خُصّصتا لتعريف المشاركين/ات بـ“صندوق الحقوق الرقميّة” وبرنامج “زمالة مريم الشافعي للتكنولوجيا وحقوق الإنسان” اللتان أنشأتهما “سمكس” لدعم الجهود البحثيّة في مجال الحقوق الرقميّة.
تمرّ منطقتنا بمرحلة صعبة منذ العام الماضي، إذ يشهد السودان حرباً دامية تدفع به إلى هاوية المجاعة شيئاً فشيئاً، وفي اليمن، أصبح أكثر من نصف السكان في حاجة ماسة إلى المساعدة بعد نحو 10 سنوات من الحرب. أمّا في غزة، فيواصل الاحتلال الإسرائيلي ارتكابه للإبادة الجماعية بينما يقصف البلدات والقرى في جنوب لبنان يومياً.
كان من المفترض أن نلتقي بكم/ن حضورياً في بيروت كما العام الماضي، إلّا أنّه وانسجاماً مع حرصنا الدائم على توفير مساحاتٍ آمنة للمشاركين/ات في “خبز ونت”، وتعبيراً عن تضامننا مع شعوب منطقتنا كافة، قرّرنا تأجيله وعقده عن بُعد. ونشكركم/ن على تفهّمكم/ن ودعمكم/ن لنا طوال مدّة التحضير، والتي أثمرت لقاءاتٍ ونقاشاتٍ مع أصدقاءٍ سابقين وجدد لـ“خبز ونت” و”سمكس”.
وفي أولى جلسات الملتقى الذي انعقد عبر الإنترنت، أكّد المدير التنفيذي لمنظمة “سمكس”، محمد نجم، على “أهمية اجتماعنا ولقائنا سوياً كأعضاء مجتمع الحقوق الرقمية، وذلك بهدف تبادل الأفكار وتشاركها ومناقشة أبرز القضايا المتعلقة بالحقوق الرقمية، لا سيما في زمن الحرب الذي نمرّ فيه حالياً”.
أبرز مواضيع “خبز ونت”-أونلاين ومخرجاته
الإشراف على المحتوى: قمع للأصوات في منطقتنا
كان لسياسات الإشراف على المحتوى حصّة كبيرة من النقاش خلال النسخة السادسة من “خبز ونت”، إذ لطالما شكّلت عقبةّ كبيرة منعت ملايين المستخدمين/ات، في فلسطين خاصة، من التعبير عن آرائهم/ن، وطلب المساعدة، ونقل سرديّتهم/ن.
“تعتمد ميتا على آليات الإشراف على المحتوى الاوتوماتيكيّة بنسبة 80%”، بحسب ما قالته مروى فطافطة من”أكسس ناو”، مضيفةً: “نحن هنا نواجه خوارزمياتٍ لا تفهم معنى الحياديّة والاختلاف”.
كما شدّد المتحدّثون/ات على أهميّة مطالبة الشركات المالكة لمنصّات التواصل، مثل “ميتا” و”إكس”، “بمزيدٍ من الشفافية حول الآليات التي تستخدمها للإشراف على المحتوى وكيفيّة استخدامها، والتأكّد من احتوائها لمسةً إنسانيّة”، بحسب رشا يونس من “هيومن رايتس ووتش”.
وأتيحت الفرصة للمشارِكين/ات للانضمام إلى جلسة مع عضوي مجلس الإشراف على “ميتا”، خالد منصور ونيغات داد، اللذان وضعا تحت المجهر التحدّيات المتعلّقة بإشكالية إدارة المحتوى الفلسطيني خاصّة. وشدّد الضيفان على ضرورة “مطالبة “ميتا بالكشف علناً عن لائحة الأفراد والمنظمات الخطرة وبمزيدٍ من الشفافية، لأنها تؤثر على الأهمية الإخبارية، والنكات، ومختلف أنواع المحتوى”.
قطع الإنترنت يتصاعد
تكّررت حوادث قطع الإنترنت في العديد من دول منطقتنا والعالم عام 2023، بذرائع عديدة منها منع الغشّ خلال الامتحانات وحفظ أمن البلاد أثناء الاحتجاجات، والحروب، والانتخابات. وقفت حكومات البلدان وراء وراء قطع الإنترنت في غالبية الحالات، إلّا أنّ أطرافاً خارجيّة تدخّلت وتسبّبت بحجبه، فلسطين نموذجاً.
وكشف المتحدّثون/ات أنّه وعلى الصعيد العالمي، “قُطع الإنترنت 283 مرة في 39 دولة حول العالم عام 2023″، أمّا في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا “فحُجب الإنترنت 77 مرة في 15 دولة مختلفة، 16 منها كانت في فلسطين، وفرضها الاحتلال الإسرائيلي”.
عبّر المتحدّثون/ات والمشاركون على حدٍّ سواء عن قلقهم/ن إزاء هذا الواقع، خاصة في ظلّ الأزمات المتلاحقة التي تعصف في المنطقة. ففي السودان مثلاً، حيث تشتدّ المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع، “نحن نشهد الأزمة الإنسانية الأسوأ في زماننا، فيما يتعرّض مزودو خدمات الاتصالات والإنترنت إلى هجمات متكرّرة”، بحسب مروى فطافطة من “أكسس ناو”.
تكنولوجيا التجسس: بيغاسوس ليس وحده
تردّد مصطلح “برمجيّات التجسس” كثيراً في أوساط المجتمع المدنيّ خلال السنوات الأخيرة، خاصّة بعد الكشف عن مجموعة “إن إس أو” (NSO) الإسرائيليّة وبرمجيّة “بيغاسوس” الخبيثة التي أنتجتها، والتي استهدفت العديد من الصحافيين/ات والناشطين/ات والشخصيات السياسية.
وقفت حكومات دولٍ في المنطقة، أبرزها السعودية والإمارات، وراء الكثير من الاختراقات التي استهدفت كثيرين/ات. لماذا؟ لأنها ترى في هذه البرمجيات أدواتٍ تعزّز دكتاتوريّتها وسيطرتها، وفق ما صرّح بعض المتحدّثين/ات.
وعبّر المتحدّثون عن قلقهم/ن إزاء المسار الذي تسلكه السلطات، التي تملك كافة الموارد التي تخوّلها شراء وتوظيف هذه البرمجيات، وتحرص على تطوير قدراتها في هذا المجال، “ففي كلّ مرة تُكشف برمجيات التجسس للعلن، تسارع الشركة المنتجة لها لتغيير شكلها”، وفقاً لأحد المتحدثين/ات.
صندوق الحقوق الرقميّة وبرنامج “زمالة مريم الشافعي للتكنولوجيا وحقوق الإنسان”
خصّص “خبز ونت” جلسة لتعريف المشاركين/ات بـ“صندوق الحقوق الرقمية لمنطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا” الذي أطلقته، والذي يهدف إلى تمكين الأفراد، والمجموعات غير الرسمية، والهيئات، من التصدّي بفعالية للتهديدات والانتهاكات المتعلقة بالحقوق الرقمية والتي تحدث على الإنترنت.
وفي اليوم الثالث من الملتقى، قدّمت الزميلتان في برنامج “زمالة مريم الشافعي للتكنولوجيا وحقوق الإنسان” 2023 أماني سعيداني وهناء ظني، أبحاثهما وشاركتانا تجربتهما في البرنامج، كما استمعنا لبعض زملاء “سمكس” الجدد” لعام 2024.
سعدنا في “خبز ونت” و”سمكس” بإنشاء مساحة افتراضيّة مفتوحة تجمع المهتمين/ات والناشطين/ات في مجال الحقوق الرقميّة في منطقتنا، لمناقشة هذه القضايا وأشكالها ودراسة نتائجها واستراتيجيّات مواجهتها.
نتقدّم بالشكر من جميع المتحدّثين، والمشاركين/ات، وأعضاء الفريق الذين لم يوفّروا أيّ جهدٍ لإنجاح النسخة السادسة من ملتقانا. وجودكم/ن معنا هذه السنة وكلّ السنة هو ما يجعل من “خبز ونت” مساحةً مرحّبة بالجميع وذات تأثيرٍ كبير على ظروف تواجدنا في المساحات الواقعيّة والرقميّة على حدٍّ سواء.
لا تنسوا الاشتراك بنشرتنا البريديّة الشهريّة، ومتابعة حسابات ملتقى “خبز ونت” على منصّات “إكس”، و“إنستغرام”، و“فيسبوك” لكي تبقوا/ن مطّلعين على جميع المستجدات ومواعيد لقاءاتنا المقبلة.
سرّنا كثيراً حضوركم/ن معنا وتفاعلكم/ن خلال الملتقى، ونودّ تذكيركم/ن أنّه وفي حال لم تستطيعوا متابعة الجلسات، سوف تتمكّنون من مشاهدتها كاملةً قريباً عبر قناة “سمكس” على “يوتيوب”.
نشكركم/ن مجدداً، ونراكم/ن قريباً في بيروت!