لم تتمكن الناشطة الفلسطينية سمر سعو من مدينة القدس المحتلة، من متابعة أو توثيق استفزازات المستوطنين في شوارع القدس العتيقة خلال مسيرة الأعلام الإسرائيلية، نظراً لأن منصة “إنستغرام” لا تزال تمنعها من استخدام خاصية البث المباشر “لايف”.
“تعمد إنستغرام عادة إلى تقييد وصول متابعيّ الـ48 ألفاً، إلى منشوراتي، لا سيما خلال فترات التوتر والأحداث التي تمرّ بها مدينة القدس المحتلة، مثل مسيرة الأعلام”، تقول سعو لـ”سمكس”. في المقابل، تضيف أنّ “مجموعة من المستوطنين شنّت حملة تحريض ضدي على منصة واتساب للتشهير بي وحضّ أجهزة الأمن الإسرائيلية على اعتقالي والتحقيق معي من دون أن تتخّذ المنصّات أيّ تدبير”.
تلاحق سلطات الاحتلال الاسرائيلي وجماعات يهودية يمينية ودينية متطرفة الناشطات والناشطين على “واتساب” و”فيسبوك” و”إنستغرام”، مرتكبةً في حقهم جملة من الانتهاكات، مثل الاعتقال، للحؤول دون النشر على المنصّات المذكورة وفضح وتوثيق الانتهاكات والجرائم الإسرائيلي. على سبيل المثال، ففي شهر أيار/مايو الماضي، اعتقلت “شرطة الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 100 ناشط من القدس المحتلة وبعض مدن الداخل الفلسطيني المحتل احترازياً، بزعم مشاركتهم المتوقعة في التصدي لمسيرة الأعلام”، وفقاً “لصحيفة العربي الجديد”.
“مسيرة الأعلام” التي يشارك فيها مستوطنون ومتدينون متطرفون يهود، هي مسيرة تنظمها سنوياً المدرسة الدينية اليهودية المعروفة باسم “مركاز هراف” (أي مركز الحاخام)، لإحياء ذكرى “توحيد القدس”، عقب احتلالها في الخامس من حزيران/يونيو 1967.
وأشعلت “مسيرة الأعلام” الأخيرة في 29 أيار/مايو الماضي عبر العالم الافتراضي ما يشبه الحرب على الرواية الفلسطينية المستمرة منذ نكبة فلسطين عام 1948، لتصل هذه المرة إلى الفضاء الرقمي فيما يشبه الحرب الإلكترونية بقيادة وتنفيذ أطراف إسرائيلية رسمية وغير رسمية.
إصرار على المواجهة
يؤكد الناشط الفلسطيني، مؤمن نمر، ابن مدينة القدس المحتلة، أن منصة “إنستغرام” فرضت قيوداً على حسابه الذي يتابعه حوالي 60 ألفاً، ومنعته من نشر صور وفيديوهات على حسابه منذ بداية الشهر الماضي حتى الآن، وذلك “في محاولة منهم لمنع نشر الحقيقة وإعلاء صوت الحق”، كما يقول لـ”سمكس”.
يشير نمر إلى أنّه أنشأ حساباً بديلاً كحلّ في حال تم إغلاق حسابه، لأن “استمرار هذه البلاغات والانتهاكات قد يعرّض حسابي على إنستغرام إلى التوقيف أو الحذف في أي وقت”. ويلفت إلى أنه “لا يرغب في اللجوء إلى منصات أخرى غير “إنستغرام”، لأنّها “الأكثر استخداماً وانتشاراً بين جيل الشباب، وبالتالي يمكن الاستفادة منها لإيصال الرسائل الوطنية والسياسية والإنسانية”.
منصات شريكة للاحتلال
تقدّم سلطات الاحتلال عشرات الآلاف من الطّلبات الحكومية لإزالة المحتوى إلى وسطاء المحتوى، مثل “فيسبوك” و”غوغل”، بهدف فرض رقابة على الرواية الفلسطينيّة.
وأكّد ذلك سفير فلسطين لدى المملكة المتحدة، حسام زملط، حيث نشر في 7 حزيران/يونيو منشوراً قال فيه إنّ “فيسبوك يمارس سياسة ممنهجة لحجب الحقيقة، وتكميم الأفواه، وتبني رواية الاحتلال”. وكان زملط استقبل في العام الماضي خلال “هبة أيار” وفداً من شركة “فيسبوك” أكّد حصول الانتهاكات بحق المحتوى الفلسطيني مرجعاً السبب إلى “أخطاء في الخوارزمية”. وأضاف زملط في منشوره الأخير أنّهم سيتابعون سياسات “فيسبوك” في “تقييد المحتوى الفلسطيني والحد من الوصول والانتشار” مشدداً زملط على ضرورة “متابعة الأمر قانونياً” من دون أن يحدّد الجهة التي ستتولى الملاحقة القانونية.
حتى خارج فلسطين، تستمرّ “المجموعات الصهيونية والمنظمات المدعومة من الحكومة الإسرائيلية، بمواصلة حملاتها التشهيرية بحق فلسطينيين/ات ومناصرين/ات للقضية الفلسطينية في خارج فلـسطين”، بحسب التقرير الربعي لعام 2022 من “مركز حملة” – “المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي”. وأضاف التقرير أنه “نجم عن هذه الجهود فصل 5 صحفيين/ات والتحقيق مع 8 آخرين، بسبب مواقف مؤيّدة لفلسطين عبر حساباتهم الشخصية على منصات التواصل الاجتماعي”.
ولاحظ المركز أنّ “رقابة شركات التواصل الاجتماعي ما زالت على رأس التحديات التي تهدد حرية الرأي والتعبير للشعب الفلسطيني”، مضيفاً في تقريره أنّ “أبرز الممارسات تتمثل في حذف الحسابات والصفحات وتقييدها من خلال فرض قيود على التعليق والبثّ المباشر أو النشر وتقليل وصولية المحتوى وإزالة المحتوى”.
توثيق الانتهاكات ومواجهتها
يُعتبر الرصد من أهمّ الوسائل التي توثّق الانتهاكات والتي يمكن استخدامها بهدف معرفة التوجّهات وأنواع الانتهاكات وبالتالي مواجهتها. رصد مركز “حملة” ووثق 1033 بلاغاً يتعلق بانتهاكات الحقوق الرقمية، وفقاً لتقريره السنوي حول انتهاكات الحقوق الرقمية الفلسطينية عام 2021.
وتشير منى شتية، مديرة المناصرة المحلية في مركز “حملة”، إلى أنّ هذه الحرب والانتهاكات “تنقسم إلى قسمين: الأول محاربة أي محتوى يوثق انتهاكات قوات الاحتلال أو المستوطنين المتطرفين ضد الفلسطينيين؛ والثاني محتوى و منشورات إسرائيلية تحرض على قتل الفلسطينيين، واعتقالهم، وتقديم بلاغات ضدهم، وسبّهم وشتمهم”.
على سبيل المثال، تلفت شتية إلى أنّ “مركز حملة” رصد عدداً كبيراً من الانتهاكات للمحتوى الفلسطيني المتعلقة بتوثيق اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي وممارساتها ضد الشباب الفلسطينيين، وتلك المتعلقة بتوثيق التحريض الإسرائيلي الممنهج ضد الفلسطينيين على منصات التواصل الاجتماعي”. ومنها مثلاً حذف منصة “إنستغرام” لفيديو “يوثّق تحريض وسب وقذف مجموعة من المستوطنين الفلسطينيين خلال مسيرة الأعلام الإسرائيلية، قبل أيام عدة في القدس المحتلة”، كما تقول شتية.
يتشارك “مركز حملة” مع “سمكس” وغيرها من المنظمات في ائتلافات عدة، محلية وإقليمية ودولية “لإنشاء تحالفات وضغط على الشركات التي تتبع لها هذه المنصات، كي ترغمها على اتّباع سياسات عادلة وغير منحازة تجاه الفلسطينيين، وليس فقط استعادة المحتوى المحظور”، تقول شتية.
وداخل فلسطين، يعمل مركز “حملة” ومركز “صدى سوشال” على توثيق الانتهاكات والتضييق الذي يتعرض له المحتوى الفلسطيني، والتواصل مع الشركات التي تتبع لها المنصات في محاولة لحل هذه الإشكالات التي يتعرّض لها. وأعلن المركزان في تقريرين سنويين منفصلين أنّهما توصّلا إلى حلولٍ جزئية مع هذه الشركات، حيث تمت استعادة 192 منشوراً وحساباً بمساعدة “حملة”، و213 حساباً بمساعدة “صدى سوشال”.
بالإضافة إلى ذلك، لا يزال المستخدمات والمستخدمون يرون في بعض “الحيل المبتكرة” في كتابة المنشورات وسيلةً لتفادي الخوارزميات التي تحذف المحتوى الفلسطيني، مثل “تقطيع بعض الكلمات التي تحظرها الخوارزميات، أو دمجها بحروفٍ إنجليزية، مثل (شهيد، مقاومة، أسير، إرهاب، سلاح وأسماء الفصائل)”، تشرح سعو.
ويمكن التواصل مع مركز “حملة” المستخدمين والمستخدمات بالتواصل معه عبر “منصة حُر” (7or.7amleh.org)، ومع مركز “صدى سوشال” عبر صفحته الرئيسية للتبليغ عن أيّ انتهاك لحقوقه الرقمية في فلسطين.