في حزيران/يونيو 2022، حكمت محكمة جزائرية بالسجن ستة أشهر مع النفاذ وغرامة مالية على الصحافي إحسان القاضي بعد نشره مقالاً في آذار/مارس 2021 على موقع إذاعة “راديو أم” (Radio M) التي تبث عبر الإنترنت، دافع فيها عن حق “حركة رشاد” في المشاركة في الحراك الشعبي للمطالبة بالديمقراطية.
عقب الحراك الشعبي في شباط فبراير/شباط 2019، ازداد التضييق على المساحات الرقمية، كما أحكمت السلطة قبضتها على الإعلام لبثّ خطاب سياسي واحد يتعلّق بدعم الانتخابات الرئاسية ودعم الجيش. أمّا الناشطون والصحافيون فلهم حساب آخر!
انتهاكات الخصوصية
منذ الحراك الشعبي في عام 2019 والسلطات الجزائرية تواظب على استدعاء الناشطين للتحقيق معهم. ولكنّ الأمر لا يقتصر على ذلك، بل يتعدّاه إلى “مصادرة الأجهزة الأمنية للهاتف بهدف الاطّلاع على كامل الداتا، وتحديداً المراسلات المباشرة في التطبيقات الاجتماعية كفيسبوك، إضافةً إلى معارض الصور، ما يشكّل انتهاكاً لمبدأ الخصوصية وتجاوزاً لها”، حسبما تؤكّد لـ”سمكس” ناشطة في الحراك الشعبي رفضت الإفصاح عن هويتها لأسباب أمنية.
حتّى الصحافيين لم يسلموا من ضبط الهواتف وتفتيشها. عندما استُدعي الصحافي بوعلام غمراسة إلى مركز الدرك الوطني في العاصمة الجزائرية للتحقيق معه حول تهم وجهّت إليه تحت عنوان “عرض لأنظار الجمهور منشورات من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية”، ضُبط جهازه الذي يعمل عليه وحُجز لمدة 21 يوماً، والأمر نفسه مع هاتفه المحمول الذي ضُبط لمدة أربعة أيام. خلال تلك الفترة، تعرّض بريده الإلكتروني لتفتيش دقيق كما مُنع من فتح حسابه على “فيسبوك”، ثمّ صدر قرار قضائي بسجنه لستة أشهر نافذة في آذار/مارس 2022 بناءً على التهم الموجّهة إليه في العام 2019.
يؤكّد ناشط حقوقي جزائري رفض الإفصاح عن اسمه خوفاً من الملاحقة، لـ”سمكس”، “وجود أكثر من 340 سجيناً من النشطاء حالياً في السجون الجزائرية بسبب تعبيرهم عن مواقف سياسية، بالإضافة إلى أكثر من أربعة آلاف ناشط متابع أمام المحاكم”.
لا تزال هذه السياسة مُتّبعة بعد فضّ مظاهرات الحراك الشعبي بالقوة قبل أكثر من سنتين، و”أغلب التهم الموجهة للكثيرين تتعلّق بمنشورات أو فيديوهات نشروها على شبكات التواصل، لا سيما “فيسبوك” الأكثر استخداماً في الجزائر، يعبّرون فيها عن مواقفهم من الحكومة والوضع العام للبلاد”، وفقاً للناشط الجزائري.
قوننة القمع
وظفّت السلطة مفهوم “التصنيف الإرهابي” وفق المادة 87 مُكرّر التي أضيفت مؤخراً العقوبات. تتضمّن هذه المادّة التي تثير جدلاً في الساحة الحقوقية والسياسية في الجزائر عقوبات مُختلفة ضد المتهمين بالأعمال التخريبية والارهابية. وعدّلت السلطات الجزائرية في حزيران/يونيو 2021 تعريف “الإرهاب” بشكل يسمح بمحاكمة النشطاء السلميين والأصوات المنتقدة، حيث طالت هذه السياسات بعض المدونين على المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، حسبما أكّدت “منظمة العفو الدولية” (HRW).
وباتت السلطات الجزائرية تلجأ بشكل متزايد إلى تهم فضفاضة الصياغة تتعلق بالإرهاب لمقاضاة الصحافيين/ات والمدافعين/ات عن حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين، وتجريم المنظمات السياسية عبر تصنيفها بـ”إرهابية”، وفقاً للمنظمة. وأصبحت المادة (87) مكرّر وسيلة لاصطياد الناشطين/ات والتنكيل بهم، بسبب إمكانية اعتبار ما يفعلونه إرهاباً أو إشادة بالإرهاب، من خلال توجيه تهم من قبيل الدعوة الى التجمهر غير المُسلّح ومشاركة منشورات تهدد الوحدة الوطنية والإساءة لرموز ومؤسسات الدولة.
وبرغم التهم الفضفاضة والكبيرة، فإنّ “الكثير من الملفات فارغة، ممّا يعني أنّ الهدف يكمن في نشر الخوف وإسكات المعارضين والمنتقدين لا سيما عبر شبكات التواصل، علماً أنّ الأمر لم يكن كذلك قبل الحراك الشعبي”، يشرح الناشط الحقوقي الجزائري.
“تبالغ السلطات في السجن المؤقت دون محاكمة حيث تصل فترة الاحتجاز لسنة أو سنتين، وبعد المحاكمة يصدر الحكم بالبراءة أو بنفس الفترة التي قضاها السجين هناك، وقبل أشهر توفي ناشط داخل السجن لغياب العلاج بينما تعرّض آخر لأزمات نفسية”.
خلال إحياء الذكرى الثانية للحراك الشعبي، طالبت منظمات حقوقية وأحزاب معارضة بإطلاق سراح الموقوفين بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي. بعدها أعلنت وزارة العدل في 19 شباط/فبراير 2021 الإفراج عن 33 من ناشطي الحراك كدفعة اولى غداة إعلان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عفواً رئاسياً أصدره بعيد عودته من ألمانيا لإستكماله العلاج من مضاعفات
إصابته بفايروس كورونا، وفي إطار المبادرة لتهدئة الحركة الاحتجاجية التي انطلقت في العام 2019، عن موقوفين محكوم عليهم بصفة نهائية وآخرين لم تصدر بحقهم أحكام، مثل الصحافي بدور سعيد الذي أفرج عنه في العام 2021 بعدما اعتُقل بسبب تدوينات على “فيسبوك”.
ولكن سرعان ما عادت السلطات إلى ما دأبت عليه، حيث صدر حكم في كانون الثاني/يناير 2022 على الصحافي مرزوق تواتي بالسجن لمدة عام وغرامة مالية، بتهمة “نشر أخبار كاذبة والإضرار بالمؤسسات العامة”، على أثر منشور له على “فيسبوك” كشف فيه عن ظروف سجن “معتقلي الرأي”.
ولا تزال السلطات الجزائرية تمنع الإذاعات والتلفزيونات الحكومية والمستقلّة من استضافة ناشطين متحدّثين باسم الحراك الشعبي، كما تضغط عليها للامتناع عن تغطية التظاهرات. أمّا الكثير من وسائل الإعلام التي تبث عبر الإنترنت في الجزائر فكان مصيرها الحجب، مثل الموقع الإخباري الناطق بالفرنسية “لوماتان دالجيري” (Le Matin d’Algérie) الذي حجبته السلطات في العام 2020، والكثير غيره مثل “مغرب إيميرجون” الإخباري، وإذاعة “راديو إم” المرتبط به، وكذلك موقع “إنترلين” الإخباري، وموقع “دي زاد فيد”.
يأمل الجزائريون حلّ الأزمة المستمرّة من خلال تعديل القوانين ذات الصلة، ومنها مشروع قانون يتعلّق بإعادة تنظيم الصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية، وتسهيل إنشاء المؤسسات الإعلامية والمواقع الإخبارية. ولكن هل يكفي تعديل القوانين للحدّ من الانتهاكات الرقمية لحقوق الإنسان في الجزائر؟