“عندما حذفت إحدى المؤسسات التي كنت أعمل معها أرشيفي من موقعها الإلكتروني، أرادوا حذف كل أثر لاسمي ولأعمالي، كي لا أطالبهم بحقوقي ومستحقاتي”.
هذا ما تعتقده سعيدة شريف، الصحافية ورئيسة تنسيقية الصحافيين الأحرار بالنقابة الوطنية للصحافة المغربية. “وقع بيني وبينهم خلاف حول العديد من الأمور وعلى رأسها تعويضاتي التي لم أكن أحصل عليها بانتظام، فضلاً عن تعاملهم/ن غير اللائق وغير المهني مع المواد المرسلة إليهم”، تضيف شريف في تصريح لـ”سمكس”.
يشكّل الأرشيف ثروة مهمة للصحافي/ة الرقمي/ة لا سيما وأنّه بمثابة سيرته التي بها يتعرف إليه الزملاء والمؤسسات الراغبين في توظيفه، وإذا اختفى الأرشيف قد تختفي فرص العمل بالنسبة له أو تصبح ضئيلة.
على الرغم من أنّ الصحافة الرقميّة في البداية شكلت فرصة للكثيرين للتعبير والتطرّق بجرأة إلى مواضيع لم تستطع الصحف المطبوعة مجاراتها، فضلاً عن اختصارها للكثير من أكلاف النشر، إلا أنّ البنية التحتية الرقمية يمكن أن تتحوّل إلى عائقٍ في حال تعذّرت حماية الأرشيف. والبنية لا تكفي وحدها فالأمر يحتاج إلى سن قوانين جديدة وصارمة من شأنها حماية الملكية الفكرية للصحافيين.
“ما قاموا به هو ممارسة بائسة من بعض المسؤولين/ات غير المهنيين/ات الذين يعتقدون أنهم قادرين على محو عمل الصحافي/ة واسمه/ا بنقرة زر واحدة. حذف الأرشيف الرقمي للصحافي هو عملٌ دنيء يكشف عن سوء نية المواقع أو المؤسسات، وعدم تقديرها لمجهودات الصحافي،’’ تكمل شريف.
بعد رفضها لأسلوب تعامل المؤسسة التي أغلقت مكتبها بالمغرب بذريعة التأثر بأزمة كورونا، وعرضها على تقديم استقالتي، إن رغبت في الحصول على تعويض هزيل. وهو ما رفضته طبعا، ولجأت إلى القضاء الذي أنصفني رفقة زميلاتي.
وتضيف أن ’’ هذه المؤسسة عملت على محو اسمي من موقعها حيث ازالته من جميع المواد التي نشرتها بموقعها، ولكنها لم تستطع إزالته من جينريك المجلة التي كنت رئيسة تحريرها.
وتوجه شريف نصيحة للصحافي بأن ’’ يعمل على تأمين عمله وتحصينه ووضع جميع الاحتمالات أمامه عند الإقدام على العمل مع جهات يعرفها أو لا يعرفها من أجل تعزيز حمايته وصون حقوقه، خاصة مع المجال الرقمي المتطور جدا والقابل للزوال’’.
وتؤكد في هذا الصدد: لحسن حظي احتفظت بالمراسلات البريدية التي كانت تربطني بتلك المؤسسة، وبسكرينات او صور لبعض موادي، وهي التي كانت حجة لدي لإثبات عملي معهم. كما أن المواقع نقلت عملي الصحفي ونشرته باسمي لديها مع الإحالة على المصدر، أو حتى دونه ساعدتني في استرجاع حقوقي’’.
دوافع انتقامية
لا يقتصر سبب حذف الأرشيف على التعويض المادي الذي تتملص منه المؤسسات كما هو الشأن بالنسبة لسعيدة بل يكون الدافع انتقاميا في بعض الأحيان، وهو ما وقع للصحافية خولة اجعيفري.
وتعتبر اجعيفري في تصريح لـ’’سميكس’’ أن ’’رقمنة المواد الإعلامية باتت ضرورة ملحة وتدخل في إطار الأرشفة المهنية للصحافي.
وعن تجربتها تقول:’’ شخصيا اشتغلت لسنوات طوال مع صحف ورقية وطنية ودولية معظمها سار على منوال الرقمنة وتحويل ما ينشر ورقيا من روبورطاجات وحوارات كبيرة وتحقيقات وتقارير مهمة إلى موقعها الإلكتروني’’.
وتعتبر خولة أن هذا الامر في صالح الصحافي المشتغل في المجال الورقي، ويساعده أيضا على التعرف على جمهور الصحافة الإلكترونية الواسع ويسهم من جهة ثانية بالمقابل في إغناء المكتبة الإلكترونية للموقع’’.
هل الصحافي ضحية لمعارك الناشرين؟
قد يجد الصحافي نفسه ضحية لمعارك بين مجموعات من الناشرين، لاناقة له فيها ولاجمل، كما حصل للصحافي ر.أ. الذي تحفظ عن ذكر اسمه بالكامل، فقد تفاجأ بحذف أرشيفه بعد أشهر من مغادرة الصحيفة الإلكترونية التي كان يشتغل بها لأزيد من سنتين نحو مؤسسة أخرى ، دون معرفة سبب هذا التصرف الذي عزاه مديره السابق إلى سبب تقني، لكن مصدرا بالشركة التي تشرف على الموقع كشف لـ’’سميكس’’ أن الحذف جاء بطلب من المدير شخصيا، وليس بسبب خطإ تقني كما يزعم.’’
اختفاء الأرشيف بفعل فاعل
اختفاء الأرشيف الرقمي لأحد المحررين ليس دائما بسبب مشكل تقني، بل إنه يكون بفعل فاعل ويكون له تأثير نفسي على الصحافي وأسبابه غالبا تكون مرتبطة بعقلية المدير ورغبته في التضييق على الصحافي المغادر والتأثير على مساره.
في هذا السياق يقول سعد ازوينة، الخبير في إدارة المحتوى الرقمي، لـ’’سميكس’’إن الأمر لا يمكن ان يكون تقنيا بحثا إلا في حالات قليلة جدا ونادرة، لأن المسؤول عن أي موقع يمكنه استرجاع الأرشيف من مزود الخدمة الرقمية، في حالة وقع أي خطأ أدى إلى إخفائه من لوحة التحكم بالموقع الإخباري.
وتابع ازوينة أن المزود خاصة إذا كان خارجيا، لايمكنه حذف المقالات، فيما مدير الشركة الناشرة للموقع هو من يقوم بعملية الحذف وهي مسألة متعمدة بسبب الرغبة في الانتقام من الصحافي.
رأي القانون
يرى عبد المجيد الكوزي، وهو حقوقي وأستاذ باحث في القوانين الخاصة بالنشر الرقمي أن’’ الصحافي مبدئيا يشتغل في إطار الدستور الذي يضمن له حرية التعبير وما يكتبه ملك لعموم القراء’’.
ويستدرك الكوزي أن ’’ الصحافي عندما ينتج المعلومة يدخل ضمن القانون 88-13 المتعلق بالصحافة والنشر في حالة التشهير أو عند السطو على مقالات الغير. وعند اشتغال الصحافي في مؤسسة إعلامية كيفما كانت ورقية او الكترونية بحاسوب مهني يعود لصاحب العمل، فالمقالات هي لصاحب العمل الذي دفع نظيرها للصحافي مقابلا ماديا.
ويعتبر الأستاذ الجامعي أن الحقوق الرقمية أمر ’’ مسكوت عنه في مدونة الصحافة والنشر بالمغرب وينبغي إعادة النظر في الحقوق الرقمية للصحافيين.’’
وشدد المتحدث ذاته على أن ’’ أصحاب المقاولات الإعلامية يستغلون غياب بند قانوني يمكن الاعتماد عليه فيحذفون الأرشيف، والصحافيون هنا تعوزهم الحجية القانونية’’.
وتابع المتحدث أن القانون 88-13 الخاص بالصحافة والنشر يتحدث عن التشهير وغيره مما يدين الصحافي، لكنه أغفل الحقوق الرقمية للصحافيين، وهو يناقض القانون 13-103 الخاص بحماية النساء ضد العنف.
نقابة الصحافة تدخل على الخط
النقابة الوطنية للصحافة المغربية كانت قد عقدت لقاء مع الصحافيين الأحرار قبل أسابيع بشراكة مع الاتحاد الدولي للصحافيين بمدينة الدار البيضاء، حيث اثير موضوع حذف الأرشيف الرقمي للزملاء الصحافيين، والنقابة تفكر في اتخاذ إجراءات في هذا الشأن بحسب ما كشف قياديين بها.
أرشيف الصحافي/ة هو السيرة المهنيّة التي يستخدمها ليعرّف بها عن نفسه أمام زملائه والمؤسسات الراغبة في توظيفه/ا، فإذا اختفى الأرشيف قد تختفي معها فرص عملٍ ومجهود جسدي ونفسي دام لسنوات في أحيانٍ كثيرة.