هناك ما يربو على 9.4 مليون مستخدم للإنترنت في الأردن، حسب ما جاء في البيانات الرسمية الصادرة عن هيئة تنظيم قطاع الاتصالات، بنسبة اختراق بلغت 89% من إجمالي عدد السكان، وتعد هذه النسبة مرتفعة نسبيا مقارنة بمعدل انتشار الإنترنت في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والبالغة 75% بحسب موقع إنترنت وورلد ستات، ولا شك بأن تضاعف أعداد مستخدمي الإنترنت يعتبر دلالة على تطور الخدمات المقدمة، مما يعني تزايدا في الإعتماد على الإنترنت كخدمة أساسية وليس كضرب من ضروب الرفاهية، مما يتطلب رفع في مستوى الخدمة والمنافسة بين مزودي خدمة الإنترنت بهدف تسريع انتشار شبكات الإنترنت المتنقل على نطاق واسع.
إلاّ أن ما شهدته المملكة في الآونة الأخيرة أثر على حق مستخدمي الإنترنت في الوصول إلى هذه الخدمة، وبالتالي افتقار آلية الوصول إلى المعلومة في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى استدامة خدمات الانترنت بشكل منتظم، فقد أعلنت هيئة تنظيم قطاع الاتصالات الأردنية، في بيان رسمي لها، بأنها خاطبت شركات الاتصالات المحلية لحجب تطبيقات التراسل خلال الفترة ما بين 24 يونيو/حزيران، و15 يوليو/تموز 2021، وأوعزت سبب الحجب “بالحفاظ على نزاهة امتحان التوجيهي، ولضرورة أن تعكس النتائج قدرات الطلاب من خلال تحقيق العدالة والشفافية، وكخطوة احترازية لمنع الغش أو تسريب أسئلة الامتحانات”.
وبينت أن “قرار الحجب اتخذ بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم، حيث سيبدأ قبل دقائق من بدء الامتحانات وينتهي بعدها بقليل”.
وأضافت “نتيجة لطبيعة تغطية شبكات الاتصالات، فقد تظهر بعض مناطق الحجب خارج منطقة المدارس ولكنها بطبيعتها مؤقتة وتتم لتحقيق الغاية منها”.
ويأتي قرار حجب الإنترنت في كل سنة بنفس فترة اختبارات الثانوية العامة بردود فعل مختلفة في الشارع الأردني، إلا أن حجم الضرر الواقع على المنازل والمنشآت المحيطة بقاعات الامتحانات أثار العديد من التساؤلات حول شرعية هذا القرار، وعن التأثيرات السلبية المحتملة المترتبة على ذلك.
الإطار القانوني لقرار حجب تطبيقات التراسل
يكمن عمل وزارة التربية والتعليم في توفير بيئة صحية خالية من الغش خلال فترة الامتحانات، إلا أن قرار حجب مواقع التراسل يعتبر قرارا سياديا يجب أن يصدر من مصدر قضائي مخول، كما يقول المدير التنفيذي للجمعية الأردنية للمصدر المفتوح عيسى محاسنة ل”سمكس” ويضيف إن الأردن دولة قانون، فلا بد أن تصدر القوانين من جهة قضائية أو من قبل المدعي العام حتى تدخل في حيز التنفيذ، أما صدورها من جهة الهيئات الإدارية يجعلها مخالفة للقانون، ولا يوجد أي نص قانوني يبيح لوزارة التربية والتعليم في مخاطبة هيئة الاتصالات لحجب المواقع، ولا يجوز للهيئات العامة أن تصدر قرارات بناء على توجيهات إدارية دون نص قانوني.
ويوضح محاسنة أن عمل هيئة الاتصالات – الجهة المسؤولة عن تطبيق قرار الحجب – هو التأكد من وصول خدمة الإنترنت لجميع المشتركين وأن ما حصل من تطبيق لقرار الحجب جاء مخالفا لعمل هيئة الاتصالات، الأمر الذي قد يعرضها للمساءلة القانونية من قبل المشتركين.
التأثيرات السلبية لحجب تطبيقات الإتصال
في حين أن هيئة قطاع الاتصالات أكدت على أن أثر الحجب محدود ولا يشمل حركة الإنترنت، إلا أن الجمعية الأردنية للمصدر المفتوح تلقت عدة شكاوى من عدة جهات، ومن الجدير بالذكر أن الإنترنت قد تعطل بشكل كامل في الفترة الصباحية، وهذا ما أكدته عدة شركات وبنوك ل”سمكس” مبينين عدم قدرتهم عن إنجاز أعمالهم.
ناهيك عن الأثر السلبي على عملية التطعيم ضد فيروس كورونا، قال مدير الصحة في إربد د. رياض الشياب في إعلان رسمي له إن انقطاع شبكة الانترنت وضعفها جراء امتحانات التوجيهي، هو السبب في بطء إجراءات التطعيم في المراكز المنتشرة بالمدينة، ما تسبب بوصول أعداد كبيرة من المواطنين إلى مراكز التطعيم.
وأكد د. الشياب عدم تمكن العاملين في مراكز التطعيم من الدخول إلى بيانات المواطنين المسجلين على المنصة المخصصة للتطعيم، بسبب ضعف الإنترنت، مشيرا الى أن العاملين في المراكز لا يمكنهم إعطاء المطعوم لهم إلا في حالة التحقق من أن المراجعين غير مصابين بفيروس كورونا، للحفاظ على سلامتهم.
هل يعتبر قرار تعطيل مواقع الإتصال قرارا ناجعا ضد الغش؟
الغش في الإمتحانات مشكلة حقيقية يجب التصدي لها، إلا أن حجب الإنترنت لم يكن الحل الأمثل لذلك، خصوصا مع رصد عدة محاولات لتسريب الأسئلة في هذا العام، ويدعو محاسنة إلى تشديد الإجراءات على الطلبة والتأكد من عدم إدخال الهواتف الذكية إلى قاعات الامتحانات بدلا من حجب الإنترنت
ويبين د. عمران سالم المتخصص في أمن المعلومات وتكنولوجيا التعليم والإتصال ل”سمكس” أن بعض الدول تستخدم أجهزة التشويش التي تعمل على قطع الإرسال كاملا عن المتواجدين في مكان واحد، مشيرا إلى أن التقنيات الحديثة عديدة ومتنوعة إلا أنها بحاجة إلى موافقات أمنية لإستعمالها، كتلك التي تستخدم لكشف الكاميرات في الشقق الفندقية، أو التي تكشف أجهزة التنصت.
ومن الجدير بالذكر أنه وفي عام 2016 قد أعلنت وزارة التربية والتعليم عن إنهاء كافة الترتيبات من تركيب أجهزة تشويش على الهواتف النقالة والسماعات اللاقطة داخل قاعات امتحانات الثانوية العامة كخطوة لتشديد الرقابة على الإمتحانات، بتكلفة مالية عالية.
إلا أن وزارة التربية لم تفعل استخدام أجهزة التشويش، ويبين د. عمران أن الأجهزة تحتاج لتقنين مختصين لتفعيلها والإستفادة منها، وأضاف أنها ذات ضرر صحي لبعض مرضى القلب.
هل تعمد الحكومة الأردنية إلى حجب الإنترنت؟
لم يقتصر حجب الإنترنت على امتحانات الثانوية العامة، بل شملت هذه الممارسة أيضا الاحتجاجات الحاشدة والاضطرابات السياسية، ففي عام 2020 حجب الإنترنت عدة مرات، وسجلت شكاوى من قبل المواطنين على مواقع التواصل الإجتماعي في عمليات الإبطاء المتعمَد لسرعة الإنترنت، التي تنطبق خاصة على خدمات البث المباشر.
وقد أدانت بعض المنظمات الحقوقية عبر حسابهم على فيسبوك إن “السلطات الأردنية تفرض قيودا على الإنترنت”، في ظل التظاهرات التي شهدتها مدن المملكة بسبب حادثة مستشفى السلط الحكومي في شهر مارس، حيث تسبب نقص في الأوكسجين الطبي في المستشفى لوفاة 9 مصابين بفيروس كورونا، وبينت أن القيود تمثلت في حجب خاصية البث المباشر على وسائل التواصل الاجتماعي.
يبين د.عمران ل”سمكس” أنه لا يوجد طريقة لمعرفة سبب العطل في الإنترنت، أو معرفة الجهة المتسببة في الحجب، فهناك الكثير من المخارج القانونية والتقنية التي قد تستخدم لتبرير إبطاء أو فصل خدمة الإنترنت، تماما مثل حجب تطبيق “clubhouse”، أو حجب تطبيق “vpn”، الذي لم يعرف إلى وقت كتابة التقرير من الجهة المسؤولة.
الإنترنت حق إنساني وليست مجرد سلعة
أصبح الإنترنت إحدى أقوى الأدوات التي تمتلكها الشعوب، فالنفاذ إلى هذه الشبكة لم يعد يكتسي بعدا خدماتيا فحسب، بل يعتبر وكأنه مرفقا عاما يجب أن يتوفر للجميع، وتحولت خدمة الإنترنت إلى حق من حقوق الإنسان، وتتعارض عملية حجب الانترنت أو تعطيله أو التحكم في عدد من تطبيقات أو منصات التواصل مع القانون الدولي لحقوق الإنسان ومعاييره ويشمل ذلك العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)، الذي سبق للأردن وأن صادقت على القانون، وبالتالي يتطلب من الحكومة اتباع اجراءات معينة لحماية هذا الحق وأن توفر ضمانات قانونية تساعد وصول أي شخص للإنترنت في الوقت الذي يريد، وأن تراعي الشركات مزودة الخدمة “مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان“على حد تعبير محاسنة.