بعد غارةٍ نفّذها الاحتلال الإسرائيلي أمام منزله في آذار/مارس الماضي، انقطع خطّ الهاتف الأرضي الذي يستخدمه المواطن علي فرحات المقيم بلدة برعشيت، الواقعة في محافظة النبطية في جنوب لبنان.
في حديثٍ مع “سمكس”، قال فرحات إنّ خطّ الهاتف ما زال مقطوعاً على الرغم من محاولاته المتكرّرة للتواصل مع هيئة “أوجيرو”، مشغّل البنية التحتية الثابتة في لبنان. وقد أخبر بالفعل مواطنون/ات مقيمون في الجنوب “سمكس” إنّهم تواصلوا مع الهيئة عبر خط التبليغ عن الأعطال [1515]، ليكون الردّ أنّها لن تتمكّن من القيام بالإصلاحات بسبب الظروف الأمنيّة تارةً، أو بسبب تدنّي قيمة رواتب الموظفين/ات تارةً أخرى. وقد وصل الأمر حدّ عرض بعض سكّان قرى الجنوب مبالغ ماليّة على موظفي “أوجيرو” مقابل القيام بالتصليحات اللازمة.
“ليست الأعطال متعلّقة بنظام أوجيرو فحسب. لقد امتدّت أيضاً إلى الخطوط الخليويّة، إذ تنقطع الشبكة لأكثر من ساعتين يومياً، وأتكبّد شخصياً كلفةً اقتصاديّة تترواح بين 14 و25 دولارٍ أميركي لتأمين إنترنت الهاتف الخليوي، وخطّ إنترنت عن طريق شركة خاصة، ينقطع يومياً بشكلٍ مستمرّ.
صعوبة الاتصال بالفرق الإغاثيّة
كانت أولويّة السلطات اللبنانيّة تأمين الاتصال بالهيئات الإغاثية والصليب الأحمر في حالات الطوارئ، وقد انعكس ذلك في خطة طوارىء الإتصالات التي وُضعت من قبل الوزارة.
تعليقاً على ذلك، يقول فرحات إنّ غارةً استهدفت منطقة برعشيت في الأول من شهر تموز/يوليو، ولم يتمكّن أحدٌ حينها من الاتصال بالفرق الإغاثية إلا بعد 20 دقيقة من العدوان.
من جهة أخرى، ومن منظور الهيئات الإغاثية، يشير مسؤول الصليب الأحمر في منطقة بنت جبيل محمود مكي لـ “سمكس” إلى أنّ “شبكة الصليب الأحمر لم تتأثّر مادياً حتى الساعة، إلّا أنّ التأثّر الفعلي كان بسبب الحاجة إلى خدمة إشارات نظام التموضع العالمي (GPS) من أجل وصول الفرق الإغاثية إلى مناطق الغارات، الذي قد يؤخّره التشويش على الشبكة“.
ويُكمل مكّي، “على صعيد شبكتي الخليوي، فهما شبه مقطوعتين بسبب تعذّر وصول فرق الصيانة التابعة لشركتي “ألفا” و”تاتش” لإصلاح المحطات خاصّة بعد إستشهاد موظف تابع لشركة تاش. حتّى أنّهم لا يلبّون طلبات الصيانة حتى في الأماكن التي تعدّ آمنة نوعاً ما”.
وقد أعلنت وزارة الاتصالات في تموز/يوليو الماضي عن تقدّمها بشكوى تتعلّق بالتشويش الإسرائيليّ الذي يطال بشكلٍ أساسي نظام تحديد المواقع العالمي إلى وزارة الخارجية، موجّهة إلى الأمم المتحدة للنظر بها.
خطوط أوجيرو متوقّفة في الجنوب منذ ستة أشهر
تعاني غالبيّة القرى الجنوبيّة الحدودية من غياب خدمات “أوجيرو” منذ ستة أشهر، بحسب تصريحٍ رئيس بلدية برعشيت علي شهاب لـ”سمكس”، من دون أيّ استجابةٍ من قبل فرق الصيانة “التي يُفترض أن تكون على أتمّ الجهوزيّة”.
“نشتري خدمات الاتصالات بكلفة مرتفعة تتراوح بين 7 و20 دولار شهرياً، يذهب 80% منها هدراً”، يضيف شهاب، متسائلاً، “أليس من المفترض أن يُعفى المواطنون من تكاليف الاتصالات والاشتراكات الشهرية أثناء الحرب؟”
لا تملك الشركتان مبرراً لعدم القيام بعملهما، فالعديد من القرى الجنوبية تعدّ آمنة نسبياً، وإصلاح الأعطال فيها سيساعد المقيمين في القرى الحدوديّة، بحسب رئيس البلدية، الذي يؤكّد استعداد الطواقم البلديّة “لمواكبة فرق الصيانة ومساعدتهم وحمايتهم أثناء القيام بعملهم، لكن هناك استهتارٌ بحقّ المواطن بالاتصال والوصول إلى الإنترنت، الذي يعتمد عليه الكثيرون/ات للعمل عن بعد، ويدفعون ما يتراوح بين 30 و 50 دولارٍ أميركي شهرياً هباءً”.
لم تطل هذه المعاناة المناطق الحدودية حصراً، بل امتدّت إلى قرى شرق صيدا، التي شهدت أعطالاً وتوفقاً في الخطوط الأرضيّة لأوجيرو وخدمات الإنترنت لمدّة أسبوع في منتصف تموز/يوليو الماضي، وفق معلومات “سمكس”. حينها، صرّح مدير عام هيئة “أوجيرو” عماد كريديه في حديثٍ صحافي، بأنّ “الحرب لم تؤثر بشكلٍ كبير على شبكة هيئة أوجيرو في الجنوب، لأنّ البنى التحتية موجودة تحت الأرض”.
وقد حاولت “سمكس” التواصل مع كريديّه لاستيضاح الأمر، إلا أنّنا لم نلقَ أيّ إجابة.
“أوجيرو” تناقض نفسها
يبدو التناقض واضحاً في تصريحات كريديّه، الذي قال في تغريدات له على منصّة “إكس” إنّ لبنان عرضة “لتوقّف تدريجيّ لأعمال الصيانة والتشغيل للشبكة الوطنية”، بسبب نفاذ الأموال وعدم تسلّم الهيئة الأموال المقرّرة لها في موازنة 2024.
بالتوازي، تلفت مصادر “سمكس” داخل شركة “تاتش” إلى أنّ التغطية الماليّة مؤمّنة ولا يوجد أزمة في هذا الإطار، ذلك أنّ الوضع المالي لشركتي “تاتش” و”ألفا” مختلفٌ عن أوجيرو. وتكمل: “نؤكّد أنّ لا خوف من انقطاع خدماتنا، إلا أنّنا يجب أن ننبّه إلى مخاطر انقطاع السنترالات الأساسية لأوجيرو، التي تؤدي حُكماً إلى انقطاع خدمات تاتش وألفا حسب المواقع الجغرافية لهذه السنترالات”. أمّا مصادرنا في شركة “ألفا” فأفادت بأنّ القطاع يحافظ على استقرارٍ ماليّ يخوّله تأمين الاعتمادات اللازمة لتأمين استمراريّة الخدمة”.
من جهته، “طمأن” وزير الإتصالات جوني القرم المواطنين/ات في حديث صحافيّ، قائلاً إنّ “لا خوف من انقطاع شبكة الإنترنت في لبنان. الوزارة ستستلم الأموال في آخر لحظة لإنجاز الصيانة المطلوبة، وأنّ الخلل يكمن في الآلية المعتمدة”.
سلسلةٌ من التناقضات إذاً تحكم قطاع الاتصالات في لبنان، بحيث تتعارض تصريحات جميع الأطراف المعنيّة فيه بشكلٍ شبه تام.
سكّان الجنوب يطالبون بالوصول إلى الشبكة
تسعة أشهرٍ مرّت على بدء العدوان الإسرائيليّ على لبنان، فرضت على سكّان الجنوب تحديداً تغييراتٍ كبيرة في نمط حياتهم/ن، وعملهم/ن، ومناطق سكنهم/ن.
بعد تشرين الأول/أكتوبر 2023، تحوّل فراس فارس، من بلدة حولا الجنوبيّة، إلى “مواطنٍ صحافي” نظراً لتواجده الدائم في البلدة، وقدرته على إمداد الوسائل الإعلامية والصحافيين بالمعلومات والصور. يقول فارس لـ”سمكس” إنّ “شبكتيّ الاتصالات والإنترنت شبه متوقفتين في المنطقة منذ ثلاثة أسابيع، وهناك صعوبة كبيرة في الاتصال بالمواطنين المتواجدين بالقرب من الغارات أو حتى الفرق الإغاثية. يلزمنا نصف ساعةٍ على الأقلّ للتأكد من المعطيات على الأرض بسبب سوء الخدمة”.
“ندفع ما بين 14 و 20 دولار شهرياً مقابل إنترنت الهاتف، فضلاً عن الإنترنت المنزليّ الذي ينقطع باستمرار بسبب انقطاع الكهرباء لساعاتٍ طويلة وغياب أعمال الصيانة”، يكمل فارس، لافتاً إلى أنّ شركتا “ألفا” و”تاتش” لم تعلما المواطنين بسبب الإنقطاع الإرسال والإنترنت.
“نحن مهدّدون بالانقطاع عن العالم”، يختتم فارس حديثه لـ”سمكس”.
عجزت شركتا الخليوي وهيئة “أجيرو” عن القيام بالمهام التي أوكلت إليهما بموجب خطة الطوارىء. وقد تضرّرت أربع محطات لتاتش من جرّاء القصف الإسرائيلي على الجنوب اللبناني، بحسب مصادرنا في “تاتش”، التي أضافت: “لم نتمكّن من إصلاحها بسبب خطورة الوضع الأمني”، في حين يبلغ عدد محطات “ألفا” المتضرّرة ستة، دُمّرت اثنتان منهما بشكلٍ كامل.
وفي سؤالٍ عن مستقبل الشبكة في الجنوب، تشير مصادر “تاتش” لـ”سمكس”، إلى أنّ الشركة تسعى لمنع حصول ذلك، إذ تتخطّى نسبة التغطية في الجنوب 70%، على الرغم من خروج 25 محطّة عن الخدمة.
في السياق نفسه، يؤكّد مصدر في شركة “ألفا” أنّ الشركة اتخذت “تدابير استباقية لضمان تعزيز التغطية الجغرافية في الجنوب خاصّة في المواقع الأساسيّة ومراكز النقل/الألياف والاتصالات الرئيسية، وطالما يُسمح لنا بالتدخل لإجراء الحد الأدنى من أعمال الصيانة وتزويد المحطات بالطاقة، فلا خوف من توقّفٍ كلي للخدمات”.
لا إمكانية لتركيب محطات متنقلة
بحسب خطّة الطوارئ، يُفترض تركيب محطات متنقّلة لتأمين التغطية في حالات الحرب. وبهذا الخصوص، قالت مصادرنا في “تاتش” إنّ “الأزمة في الجنوب لا تميّز بين محطة متنقّلة ومحطة ثابتة، وفي حال وجود خطرٍ أمنيّ يمنع الدخول إلى بلدة ما، لا يمكننا تركيب محطة متنقلة. وفي حال الإستحصال على موافقة أمنية بالدخول، نستطيع تشغيل المحطة الثابتة المولجة تأمين التغطية في كل بلدة”.
أمّا مصادر “ألفا” فتحسم الأمر مشيرةً إلى أنّ “الإجراء غير وارد بسبب المخاطر الكبيرة المرتبطة بنشر وتركيب هذه المحطات”، ما يدلّ على أنّ خطة الطوارىء ليست إلّا حبراً على ورق، وفي حال استمرّت الأوضاع الأمنية على الوتيرة نفسها، قد تتوقّف خدمات الإتصالات نهائياً.
ومن ضمن الحلول المطروحة في الخطة تفعيل خدمة التخابر المحلي “National Roaming” بين الشركتين، والتي تتيح لمستخدمي الهواتف المحمولة استخدام شبكة اتصالات مختلفة ضمن نفس البلد، خصوصاً عندما تكون شبكة المشغل الأساسي غيرة متوفرة في المنطقة. فعلى سبيل المثال، إذا كانت تغطية “تاتش” ضعيفة أو غير موجودة، يمكن للمشتركين الإستفادة من تغطية شركة “ألفا”، والعكس صحيح.
تقرّ الشركتان بأنّ “خدمة التجوال الوطني للخدمات الصوتية مُفعلة من كلا الإتجاهين حيث أمكن ذلك”، كما لفت مصدر في “تاتش”، خلال مقابلةٍ مع “سمكس”، إلى أنّ “فعالية الخدمة ظهرت نظراً لمحدوديّة عدد المستخدمين الذين ما زالوا متواجدين في القرى الجنوبية الحدوديّة.
صعوبة استحصال فرق الصيانة على الموافقة الأمنيّة
تتطلّب تحرّكات فرق الصيانة التابعة لشركتي الإتصالات استحصال موافقاتٍ أمنيّة لتزويد محطات الإرسال بمادّة المازوت. ووفقاً لمعلومات “سمكس”، وعلى الرغم من إنشاء لجنة مشتركة بين “تاتش” و”ألفا” و”القوى الأمنية” لحلّ هذه المشكلة، ما زالت شركة “باورتك” (Powertech) تنتظر الحصول على موافقةٍ أمنيّة لتأمين المازوت وإجراء أعمال الصيانة.
ووفقاً لما كشفه مصدرٌ في قوى الأمن لـ”سمكس”، فإنّ “تأمين الحماية والموافقة الأمنية يتمّ في بعض الأماكن الآمنة نسبياً، فبعد استهداف الإسرائيلي لطاقم فريق الإتصالات الذي جرى بعد موافقة الجيش واليونيفيل بالفعل، لا يمكننا المجازفة مجدداً بحياة الفرق وعناصر الجيش وقوات اليونيفيل العاملة في الجنوب”.
ورداً على مطالبات بعض الجنوبيين/ات بإعفائهم/ن من تسديد فواتير الاتصالات، يقول مصدر في ” تاتش” لـ”سمكس”، “امتنعت وزارة الإتصالات عن حرق أو توقيف الخطوط في حال عدم الدفع للفواتير المستحقة”، أمّا “ألفا”، فترجع القرار إلى السلطة التنفيذية.
خلال الفترة الماضية، شهدت العاصمة بيروت والعديد من مناطقها كالحمرا، وسن الفيل، وحدث الجبة، وفتقة، انقطاعاً في خدمات الإنترنت، أرجعتها “أوجيرو” إلى ارتفاع الضغط على المولدات، طالبةً من المواطنين “تفهم” الوضع. ولكن إلى متى سيُطلب من المواطنين/ات “التفهّم” بينما يتّجهون إلى مرحلةٍ مقبلة قد ينقطعون فيها عن العالم؟
الصورة الرئيسية من أ ف ب.