لا تزال الحملة على حرية الرأي والتعبير في لبنان تستعر أكثر فأكثر. فبعد الصحافيين/ات والناشطين/ات، وحتى المحامين، جاء دور المؤدّي الكوميدي نور حجار.
يوم أمس، الثلاثاء، قرّر مدعي عام التمييز، القاضي غسان عويدات، ترك حجار بسند إقامة بعد سبع ساعات من التوقيف. في حين لم يتضح للرأي العام، إن كان سيبقى حجار ملاحقاً بالتهم الموجّهة إليه، أو سيُستدعى للتحقيق مجدداً، وما إذا كان طُلب منه الإعتذار أو حذف المحتوى الكوميدي الذي لُوحق لأجله.
وكان عويدات قبل ذلك طلب حجزه احتياطياً على ذمة التحقيق، لمدة 48 ساعة قابلة للتجديد مرة واحدة، بعد “نبش” مقطع كوميدي مجتزأ في إحدى عروض الـ”ستاند أب” كوميدي، حيث تتناول النكتة المعروضة على إحدى المنصّات حادثة حصلت معه ومع والدته في عزاء.
هذا الاستدعاء الثاني لحجار في غضون أيام. فيوم الجمعة الماضي في 25 آب/أغسطس، استُدعي حجار إلى الشرطة العسكرية في الريحانية، وجرى توقيفه لأكثر من 11 ساعة، على خلفية نكتة في إحدى عروضه الكوميدية تتناول الحال الذي وصل بعض عناصر الجيش جراء الأزمة الاقتصادية واضطرارهم للعمل في خدمة توصيل الطلبات عبر أحد التطبيقات.
وخلال مثوله يوم الثلاثاء 29 آب/أغسطس لدى الشرطة العسكرية للتوقيع على سند الإقامة، بعد التحقيق يوم الجمعة، جرى اقتياده بشكل مفاجىء إلى المباحث الجنائية بقرار من النائب العام التمييزي غسان عويدات، من دون إبلاغ وكيلته القانونية.
هذا التوقيف لمرة ثانية عُلِمَ فيما بعد أنّه حصل على خلفية إخبارين تقدّم بهما مشايخ من دار الفتوى إلى النيابة العام التمييزية ضدّ الكوميدي حجار، بتهمة “ارتكاب جرائم تمس الدين الإسلامي، وإثارة النعرات الدينية والطائفية، والاستهزاء بالقرآن والنيل من الوحدة الوطنية”.
وعلى أثر توقيف حجار من قبل مدّعي عام التمييز، تداعى ناشطون في المجتمع المدني، وصحافيون وحقوقيون، وزملاء حجار، إلى اعتصام أمام قصر العدل، أمس الثلاثاء، للضغط للإفراج عنه.
النكتة ليست جريمة
لا شكاوى في قضية نور حجار، بل مجرّد إخبارين مقدمين من شيخ في المحكمة الشرعية، وأمين سرّ دار الإفتاء، كما تشرح محامية حجار، ديالا شحادة، في حديثها لـ”سمكس”.
تعتبر شحادة أنّ “مقطع الفيديو المجتزء لحجار، والذي يعود إلى خمس سنوات، يسقط عنه جرم الملاحقة القانونية، لجهة تحريك الحق العام”. كما تدعو القضاء اللبناني إلى “عدم الانجرار إلى المزاج الديني عبر ’ترندات‘ اجتماعية ومجتمعية، بدلاً من تصحيحها، مع ضرورة دراية القضاء اللبناني لفهم الفنون التي يقدمها حجار وغيره”.
ومع ذلك، فإنّ السخرية والنكات لا تستدعي المحاكمة ولا يوجد جرم يتناول النكات، كما تؤكد شحادة، بل “ثمّة جرم في حال مس بالشعائر الدينية، لكن يجب أن لا يأخذ بها في حال كانت مجتزأة وغير مفهومة”.
حاولت “سمكس” التواصل مع حجار للاستيضاح حول قرار تركه لكنّها لم تلقَ جواباً. ويبدو أنّ لدى الكوميديين قراراً بالصمت قبل إصدار بيان موحد تعليقاً على ما جرى مع حجار.
جريمة النكتة أهمّ من سرقة العصر
أحدثت قضية نور حجار بلبلة ونقاشاً في الرأي العام اللبناني بين مؤيد ومعارض، إلا أنّ كثيرين رفضوا التحريض الذي وصل إلى مطالبة “بسفك دمائه، وصولاً إلى دعوات قتله”.
وأدان “تحالف حرية الرأي والتعبير في لبنان”، وهو تحالف يضمّ منظّمات ومؤسسات حقوقية لبنانية وإقليمية، قرار النائب العام التمييزي غسان عويدات بحسب حجار على خلفية مشهد ساخر منذ خمس سنوات. كما طالب التحالف “السلطات القضائية بمنح أوسع الحماية القانونية للأعمال الكوميدية في ظلّ هذه الظروف الضاغطة”.
اللافت بأن التحرك أمام قصر العدل أمس، جاء في اليوم نفسه الذي كان من المفترض أن يحضر فيه حاكم مصرف لبنان السابق، رياض سلامة، إلى جلسة مخصصة للاستماع إليه.
لكنّ سلامة لم يحضر، حيث تذرّع محاميه بتعذّر إبلاغ سلامة وبعدم معرفة مقرّ إقامته. وقد استفزّت هذه القضية جموع المحتجّين/ات حيث تعمد السلطات اللبنانية إلى “ترك مرتكبي الفساد والجرائم المالية خارج السجن وبدون التحقيق، في حين يُلاحَق الفنانون/ات والناشطون/ات وسط تخوف على مصير الحريات في لبنان”، حسبما أعرب البعض خلال الاحتجاج.
الكوميديا في لبنان بخطر
على الرغم من الجلبة التي تثيرها الكوميديا في بعض الحالات، فإنّ تأثيرها على الجمهور قد يكون كبيراً.
يشرح الكوميدي محمد بعلبكي، الذي حضر للتضامن مع حجار، لـ”سمكس”، أنّ “مشاهدة الكوميديا ومشاركتها باتت أكثر إتاحة عن السابق لا سيما في ظل العصر الرقمي الذي لا يزال يتطور، وباتت في متناول الجميع، مع كل ما يحمله ذلك من إمكانية زيادة الوعي لدى الشعوب”.
تشكّل الكوميديا في لبنان فسحة للضحك وسط المآزق التي يعيشها البلد. ولكنّ هذه حرية الواسعة في العمل والنقد الساخر أصبحت تحت “مقص الرقابة، والأخطر أنّ التضييق على عمل الكوميديين يأخذ منحى خطيراً يتمثل بملاحقتهم وتوقيفهم”، وفق بعلبكي.
يعتبر بعلبكي أنّ دور الكوميديا يتعاظم لا سيما مع انتشارها على المنصات الرقمية، والآن “تسعى الأجهزة الأمنية لتربية الناس المؤثرين الذين يستخدمون الفنّ، في وقت يتغاضون عن الجرائم الكبرى”.
هل هي محاولة أخرى للقضاء أو المرجعيات الثقافية في لبنان نحو فرض رقابة ذاتية على نصوصهم المؤدين الكوميديين؟
الصورة الرئيسية من الاعتصام تضامناً مع نور حجار.