ورد في في البند 15 من جدول أعمال مجلس الوزراء اللبناني الذي سيعقد يوم الخميس المقبل، 9 تشرين الأول/أكتوبر، طلب وزارة الاتصالات إعادة تكليفها باتخاذ الاجراءات الادارية والقانونية المناسبة من أجل إطلاق مناقصة عالمية بغية التعاقد على إدارة وتشغيل شبكتي الخليوي في لبنان.
ويأتي هذا الطلب بعد نحو 5 سنوات على قيام الوزارة، في عهد الوزير السابق طلال حواط، باسترداد إدارة شركة “تاتش” من شركة “زين تيليكوم”، واسترداد إدارة شركة “ألفا” من شركة “أوراسكوم تيليكوم”.
تكرار تجربة فاشلة
هذا القرار لم يكن عشوائياً أو اعتباطياً بل جاء كمحاولة لوقف مسار الهدر والفساد، فبعد نحو عامين على إصداره، بدأت تتكشف مزاريب الهدر والفساد والتُي توجت عام 2022 في تقرير ديوان المحاسبة، والذي أشار إلى وجود هدر بقيمة نحو 6 مليارات دولار تسببت به الشركتان المشغلتان من العام 2010 إلى 2020.
أما اليوم، فإن التوجه إلى هكذا قرار يضرب بعرض الحائط أي محاولة اصلاحية للقطاع. فهو يتجاهل بشكل كبير وأساسي أٌسس الحوكمة التي يحتاج إليها قطاع الاتصالات للتحول من كونه بمثابة ضريبة على المواطنين إلى خدمة تقدم لهم.
تجاهل ورقة حوكمة قطاع الاتصالات
سبق لمنظمة “سمكس” أن نشرت في 14 أغسطس/ آب الماضي، ورقة سياسات بعنوان “إصلاح حوكمة قطاع الخليوي في لبنان”، من إعداد خبير الاتصالات وسيم منصور بالتعاون مع “سمكس”. وتبنّى عدد من النواب هذه الورقة بحيث قاموا برفعها إلى لجنة الاتصالات النيابية التي طرحتها ودرستها. وفي حين هدفت هذه الورقة إلى إيصال القطاع لبر الأمان، فقد جاء طلب وزير الاتصالات شارل الحاج ليُعطل أي محاولة أو خطة اصلاحية.
وحددت هذه الورقة معايير الحوكمة التي ينبغي على الشركتين الاعتماد التقيد بها، ويأتي في مقدمهم الفصل التام بين الملكية العامة والإدارة التنفيذية، والشفافية في الأداء المالي والتشغيلي، والنشر العلني للمعلومات الأساسية. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي ضمان استقلالية الإدارة التنفيذية عن التدخل السياسي المباشر، مع خضوعها لإشراف مهني من مجلس الإدارة. إضافة إلى ما تقدم، لفتت الورقة إلى ضرورة خضوع الشركتين لرقابة مؤسسية داخلية وخارجية فعالة ومنع تضارب المصالح وتكريس مبدأ الإفصاح المسبق.
كما نصت الورقة على آلية تشكيل مجلس الإدارة بحيث يُشكل لكل من شركتي MIC1 وMIC2 مجلس إدارة مستقل مؤلف من سبعة أعضاء، ويُعيَّنون بمرسوم في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير الاتصالات وبعد استطلاع رأي الهيئة الناظمة الاتصالات، بالإضافة إلى تتطابق عضوية مجلس الإدارة في الشركتين كليا،ً بما يضمن تنسيق السياسات وتوحيد آليات الحوكمة، من دون أن يؤثر ذلك على الاستقلال القانوني لكل شركة.
وبالنسبة إلى شروط العضوية، حددت ورقة الحوكمة ولاية مجلس الإدارة لثلاث سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، بالإضافة إلى باقي المهام والمسؤوليات الملقاة على عاتق مجلس الإدارة.
البحث عن شريك استراتيجي وليس مشغلين
قرر وزير الاتصالات تجاهل كل ذلك وعدم الاكتراث له من خلال إقدامه بدايةً على تعيين مجلسي إدارة وفقاً لآلية غامضة وغير شفافة باتاً وتوجهه بالوقت الحالي لإطلاق مزايدة بهدف استقدام مشغلين على غرار ما كان يحدث منذ العام 2004. المسار الذي سبق أن أثبت فشله بشكل واضح وصريح وموثق عبر تقارير الجهات الرقابية والقضاء العدلي واتهام الوزراء المتعاقبين بهدر المال العام.
أمام هذا الواقع، لا بد من الاستعانة بورقة الحوكمة المذكورة والتي تُعتبر مرحلة انتقالية قبل إيجاد شريك استراتيجي قادر على تقديم أموال استثمارية اضافية للقطاع والخزينة العامة، وذلك بدلاً من استقدام مشغلين يستفيدون من ملايين الدولارات التي ستخرج من لبنان لقاء أعتاب الشركتين الأجنبيتين اللتين ستتوليان الإدارة.
كما أن الحاجة إلى هذا الأمر تتضاعف مع إقرار مجلس النواب قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص خلال جلسته الأخيرة الأسبوع الماضي، والذي ينبغي الاستعانة بها لضمان معايير شفافة تحفظ حقوق الدولة والمواطنين.
الصورة الرئيسية من الوكالة الوطنية