صدر عن وزير الإتصالات في لبنان جوني القرم بيانٌ في 30 أيار/مايو المنصرم، تبنّى فيه الطرح الذي تقدم به أمام مجلس الوزراء فيما يتعلق بعمل وزارة الإتصالات لناحية ضبط استخدام خطوط الهاتف النقال من قبل السوريين الموجودين على الأراضي اللبنانية بطريقة غير شرعية، “واحصاء أعدادهم ليصار الى اتخاذ الاجراءات اللازمة والصارمة في حقّهم”.
جاء ذلك بعد حملة حكومية أمنيّة وشعبية شُنّت لترحيل اللاجئين/ات السوريين/ات، وسط تصاعدٍ لخطاب الكراهية، إضافة إلى حملة تدعو إلى ضبط تواجدهم الشرعي في لبنان على صعيد إقامتهم وعملهم، وصولاً إلى التحكم بهواتفهم الخليويّة.
وقال الوزير القرم في تصريحاتٍ صحافية إنّ “عدد المُشتركين السوريين يبلغ نحو 840 ألف مشترك […] يهمّنا أن نقوم بعملية فرز للأشخاص، للتفريق بين المتواجدين منهم بشكل شرعي في لبنان أو مسجلين في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أو من يملكون إقامات، وتطبيق القوانين اللبنانية وقوانين وزارة الإتصالات على الجميع دون تمييز. لا أتحدث عن السوريين تحديداً، بل عن القوانين المرعيّة الإجراء، والتي نحن مُلزمون بتطبيقها”.
تحضّر وزارة الاتصالات اللبنانية لإجراء مناقصةٍ لشراء تجهيزات تقنية التعرف الضوئي على الحروف (Optical Character Recognition أو اختصاراً OCR)، للمساعدة في الكشف عن المستندات المزورة وقطع الخطوط الهاتفية لأصحابها.
في مقابلةٍ مع “سمكس”، يقول وزير الاتصالات القرم إنّ استخدام أجهزة التعرف الضوئي لمسح المستندات تقرّر “لتطبيق القوانين المعمول بها في وزارة الاتصالات لجهة التدقيق بالهويات المزورة اللبنانية وغير اللبنانية. “لنا الحق في معرفة هويات طالبي الخدمة، فمعرفة الهويات أساسي أيضاً لعمل الأجهزة الأمنية، في حال حدوث أي جريمة، يمكن تحديد المجرمين عبر داتا الاتصالات والخطوط الخليوية”.
ويضيف القرم أنّ مناقصة شراء هذه الأجهزة “ستنطلق حسب الأصول القانونية وبالخضوع إلى هيئة الشراء العام”، طالباً بأن تكون المناقصة بالتعاون مع شركتي “ألفا” و”تاتش”، “لكي لا يصار إلى دفع تكاليف الخدمة مرتين”.
ولكن، هل يعني ذلك أنّ المستندات التي كانت تحصل عليها شركات الاتصالات لم تكن دقيقة طيلة السنوات الماضية؟ يتساءل خبيرٌ مطّلع على قطاع الاتصالات في حديثه مع “سمكس”، مشيراً إلى “احتمالية أن تكون هذه صفقة جديدة يُراد تمريرها كما الصفقات المختلفة التي سبقت”، ويتساءل: “هل تكون هذه خطوة لضبط استخدام الخطوط الخليوية أم صفقة جديدة لم تُعرف إلى اليوم تفاصيلها؟”
من منظورٍ قانونيّ، تُعلق المحامية ديالا شحادة في حديثٍ لـ”سمكس” على قرار وزير الاتصالات جوني القرم، قائلة إنّه “لا يوجد مستند قانوني دولي موحد بما يخص الحق في الإنسان في التواصل والاتصال بمختلف أشكاله، إذ يحق للاجئين وغيرهم حرية إستخدام الهواتف وأشكال التواصل عبر الإنترنت ووسائل التواصل دون قيد أو شرط، ودون فرض رقابة على حرية الرأي والتعبير عبر مواقع التواصل الإجتماعي وغيرها. إضافة إلى حق اللاجئين بالتواصل مع عائلتهم والوصول إلى الخدمات الصحية الطارئة. كما لا يمكن تقييد حريتهم في شراء الشرائح الخليوية من الشركات الخاصة.
وتضيف لـ”سمكس”: “بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، بدأت الدول تلجأ إلى فرض بعض شروطٍ مثل إبراز مستندات الهوية للحصول على شرائح الهواتف الخلوية، ولكن أياً من هذه الدول لم تطلب إقامة أو تأشيرات دخولٍ من أجل الحصول على رقم هاتفٍ خليوي”.
لماذا لآن؟
في نيسان/أبريل 2023، اكتشفت شبكة تبيع شرائح الاتصال (SIM) بطريقة غير شرعية ومن دون التأكد من هوية المشتري، عبر استخدام هويات أشخاص لآخرين من دون علمهم، كان من بينهم موظفون في شركة “تاتش”، وهي إحدى مشغلي الاتصالات الخلوية الوحيدين في لبنان والتابعين للدولة.
يُقرّ القرم بأنّ هناك مستندات مزورة في شركتي الخليوي، “فعملية الضبط ليست بالسهلة، كون مشتري الخطوط لا يحضرون إلى شركتي ألفا وتاتش لتسجيل الخطوط وإبراز الهويات، فغالبية الأرقام تُباع في محلات الوكلاء في كافة المناطق، وبعض الأرقام مُسجلة بأسماء لبنانيين، ومن الصعب إحصاؤها”.
ولذلك، “نريد استخدام الـOCR لأنه وسيلة للتدقيق بالمعلومات، وهو ما يتعارف عليه في البنوك وفي شركات التحويل المالي، وهذه أمور مطلوبة في قطاع المعلوماتية حيث يُطلب من كل فرد يحمل رقماً هاتفياً هوية معروفة”.
نتيجة لذلك، يتقلص عدد مستخدمي الهاتف الخليوي بنحو 400 ألف مما سيقلل من إيرادات شركتي الخليوي في لبنان. ويعلّق القرم نحن “نطبق المصلحة الوطنية، بموجب توصيات مجلس النواب والسلطة التنفيذية مجلس الوزراء، وهي من أكثر المواضيع التي تحظى بإجماعٍ وطني، ولا ننظر إلى الموضوع وارتدادته المالية على القطاع بالخسارة والربح”.
في المقابل، تلفت المحامية شحادة إلى أنّ “قرار وزير الإتصالات لا يستند إلى أي قوانين دولية أو محلية، وهو ليس المرجع أو السلطة التنفيذية لتصحيح أوضاع المقيمين الأجانب، وحرمان أيّ إنسان من حق التواصل سواء كان لاجئاً أو مهاجراً اقتصادياً، وهذا يُعد إنتهاكاً لحقوق الإنسان، ويزيد من معاناة اللاجئين في لبنان”.
من جهته، يقول الخبير في الاتصالات إنّ قرار وزارة الاتصالات سيفتح سوقاً سوداء تُمكّن اللبنانيين من شراء الخطوط الخليوية وبيعها للسوريين. ويشرح أنّ “تحديد من هم مؤهلون لاستخدام الخدمات الهاتفية وتوقيف شرائح الاتصال وفرض قوانين متعلقة بتنظيم وجود السوريين ليست من مسؤولية وزارة الاتصالات”، بل من مسؤوليتها تعليق إستخدام الهاتف للمستخدمين في حالات محددة، مثل عدم دفع الفواتير، أو القيام بعمليات الاحتيال، أو لمخاوف تتعلق بالأمن القومي”.
وللمفارقة، كانت شركة “تاتش” أطلقت في العام 2015 خط التواصل للسوريين في لبنان، الذي يوفّر 40 دقيقة اتصال و30 رسالة مكتوبة (SMS) إلى سوريا، بالإضافة إلى 100 ميغابايت ودقائق ورسائل محلية. هل كانت “تاتش” تدقق آنذاك في الأوراق الثبوتية وإقامات السوريين؟
ضرب للحقوق والخصوصية
“نحن ندقق بهوية الأشخاص معنوياً”، يقول القرم لـ”سمكس”، مشيراً إلى أنّ البيانات ستكون موجودة في قسمٍ بالوزارة يتابع موضوع المراقبة، ويتحمّل مسؤولية وضع هيكليّته خبراء أمنيّون، وستُعامل تماماً كما يتمّ التعامل مع ملفّات الأمن السيبراني والأمن القومي للبلاد”، لافتاً إلى أنّ طرح الـ OCR جاء من قبل الأجهزة الأمنية وكخطة وطنية شاملة .
لا يوضح القرم كيف ستحفظ هذه البيانات، لا سيما وأنّ تكنولوجيا OCR لا تستهدف الوجود غير الشرعي لغير اللبنانيين فحسب، بل ستطال جميع المشتركين اللبنانيين على حدٍّ سواء. “يمكن أن تُستخدَم هذه التقنيات للمراقبة وانتهاك الخصوصية، وتحليل المحتوى المكتوب”، يقول الخبير، مشيراً إلى أنّ “البيانات وخصوصيتها غير محميّة بتاتاً، وهي عرضة للتسريب والخرق والإهمال، كما حصل في مناسبات كثيرة“.
حماسة القرم جمعته مع المنسق العام “للحملة الوطنية لإعادة النازحين السوريين”، مارون الخولي، بالإضافة إلى رئيس نقابة الإتصالات والخليوي بول زيتون. بعد اللقاء، أدلى الخوري ببيان قال فيه إنّ “إجراء تحديثٍ شامل للبيانات الهاتفية وسحب الخطوط غير المرخصة، يأتي في إطار جهودنا لمكافحة الجريمة وحماية الأمن الوطني، وسيساهم في رصد تحركات النازحين وتوزيعهم عبر المحافظات”.
وفي حين لم تعرف جدوى لقاء القرم بقائد حملة لا يحمل صفة رسمية، لم يجب الوزير عن المُعاملة بالمثل مع الدولة السورية التي لا تجبر اللبنانيين على إبراز إقامتهم للحصول على خطوط خليوية، معللاً القرار اللبناني بأنّه “ضبط التواجد غير الشرعي للسوريين وغيرهم”.